تابعنا
في الشهور الماضية، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر في الدخول باتجاه عملية تطبيع العلاقات بينهما من جديد، بعدما كانت تجري على مستوى القائم بالأعمال منذ الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي 2013.

وقد نجم عن المسار السلبي للعلاقات بين البلدين، مشكلات عديدة في المجالين الاقتصادي والتجاري، وكذلك على صعيد العلاقات الدولية. ومع الشروع في مرحلة تطبيع العلاقات، يُنتظر أن تشهد هذه المجالات خطوات إيجابية من الجانبين. ويُعتقد أن تَبرز على المدى القصير نتائج ملموسة لهذه الخطوات على صعيد العلاقات الدولية، وملفي ليبيا وشرق المتوسط، فضلاً عن العلاقات مع دول الخليج.

وفي هذا الإطار، يُجرى إعداد عملية انتقالية سلسة لتطبيع العلاقات بين البلدين. وتهدف هذه العملية إلى تأسيس علاقات عبر مجموعات متنوعة بدلاً من اللقاءات المباشرة رفيعة المستوى. وتُعتبر فعاليات الدبلوماسية البرلمانية عبر مجموعة الصداقة مع مصر المنبثقة عن البرلمان التركي، أحد أهمّ نماذج هذا الانتقال السلس.

كما تهدف هذه العملية إلى تطبيع العلاقات على المستوى الدبلوماسي أيضاً عبر خطوات تدريجية. فنائبا وزيرَي خارجية البلدين عقدا لقاءً في القاهرة في 5 مايو/أيار الماضي، كما أجرى وزيرا خارجية البلدين اتصالاً هاتفياً. وكتكملة لهذه الخطوات الملموسة، يُنتظر عودة العلاقات بين البلدين إلى مستوى السفراء.

ولكن، ما الآثار المتوقعة لعملية التطبيع بين البلدين على الساحة الدولية؟

في البداية، يُتوقع أن يكون لهذه العملية آثار إيجابية على ملفَّي ليبيا وشرق المتوسط، فكما هو معروف دعمت تركيا الحكومة الشرعية في ليبيا فيما وقفت مصر إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وقد انتهى هذا الخلاف مع انسحاب قوات حفتر من غربي ليبيا. ويُتوقع التوصل إلى اتفاق في الملفّ الليبي مع انتهاء الخلافات بين تركيا ومصر. ووزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو كان قد أكد في تصريحات صحفية سابقة أن هذا الأمر متوقع حدوثه.

وفي ما يتعلق بملف شرق المتوسط، يُعَدّ التوصل إلى اتفاق لترسيم مناطق الحدود البحرية بين البلدين هو أبرز الأهداف المنتظر تحقيقها في هذا الموضوع. فتركيا ومصر تمتلكان أطول حدود بحرية في شرقي المتوسط.

وهذا الأمر من شأنه أن يسهّل تحرُّكات البلدين في إطار المصالح المشتركة. وسابقاً وقّعت تركيا مع ليبيا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، فيما وقّعت مصر مع اليونان وقبرص الرومية اتفاقيتين مشابهتين.

بيد أن الاتفاقية الجديدة المنتظَر توقيعها بين تركيا ومصر ستتمتع بقدرة على توسيع مناطق الحدود البحرية للبلدين، وبناءً على ذلك فإن التنسيق المتوقع بين تركيا ومصر في شرق المتوسط من شأنه تغيير المعادلة في هذه المنطقة.

وفي سياق متصل، تُتداول تساؤلات حول مدى قدرة التقارب بين تركيا ومصر على تحقيق قفزة في العلاقات بين أنقرة والعواصم الخليجية.

فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان صرّح سابقاً بأنه يأمل أن تسهم عملية التطبيع مع مصر في تشكيل ديناميكية مشابهة مع دول الخليج. فقد خيّم التوتر في السنوات الأخيرة على علاقات تركيا مع دول الخليج باستثناء قطر. فمنذ عام 2017 حتى يناير/كانون الثاني من العام الجاري، قطعت السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وأغلقت مجالاتها الجوية معها، وذلك تحت ذريعة "دعم جماعات إرهابية". غير أنه في يناير 2021 جرت مصالحة بين تلك الدول. وقد تَسبَّب دعم تركيا لقطر خلال سنوات الحصار المفروض عليها في زيادة توتر العلاقات بينها ودول الخليج.

لا شك أن انتهاء الأزمة الخليجية في يناير الماضي، سيسهم بشكل إيجابي في تطبيع العلاقات بين تركيا ودول الخليج. وحتى لو لم يتم بعد إطلاق عملية تطبيع شفافة كما يحدث بين تركيا ومصر، فإن خطوات ملموسة تم اتخاذها في اتجاه تطبيع العلاقات مع السعودية.

ونلمس حاليّاً انخفاضاً في حدة التوتر بين البلدين الذي بلغ ذروته مع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول. وفي مايو/أيار الماضي أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو زيارة للسعودية وعقد لقاءً مع نظيره السعودي، غير أن استمرار السعودية في مقاطعة المنتجات التركية يُظهِر أنه من الصعب تطبيع العلاقات بين البلدين بشكل كامل على المدى القصير. ومع ذلك فإن تحفيز واشنطن للرياض لتطبيع علاقاتها مع أنقرة قد يخلق تأثيراً إيجابياً في هذا الملف.

ومع بدء تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، تم اتخاذ خطوات إيجابية بشكل متبادل مع الإمارات، وهي دولة خليجية أخرى يخيم التوتر على علاقاتها مع تركيا. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، صرح أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية حينها بأنه لا يوجد أي سبب لعدم تطبيع العلاقات مع تركيا. فيما صرح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بأنه يتوقع خطوة ملموسة في هذا الإطار من الإمارات. وفي أبريل/نيسان الماضي عيّنَت تركيا سفيراً جديداً لها في الإمارات. ويُنتظر أن تتطور هذه الخطوات مع مرور الوقت لتصير عملية تطبيع ملموسة.

وعلى هذا النحو، فإن بدء عملية تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر واتخاذ خطوات ملموسة في هذا الإطار سيسفر عن نتائج مهمة على المدى القصير في ملفَّي ليبيا وشرق المتوسط.

ومع ذلك فإنه من المهم تجنب قراءة المعادلة الإقليمية من حيث السياسة الخارجية المتغيرة لتركيا فقط، بل أيضاً يجب مراعاة تغير المعادلة في المنطقة. ففي الشهور الأخيرة تُلاحَظ توترات بدأت تطفو على سطح العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات. ويُعَدّ تركيز مصر في الملفّ الليبي بشكل أساسي على توسعة صلاحية حدودها البحرية، وتضارب المصالح بين السعودية والإمارات الذي ظهر بشكل جليّ في الاجتماعات الأخيرة لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، من بين أبرز انعكاسات هذه التوترات. ويمكن لتركيا عبر سياسة خارجية واقعية أن تستفيد من هذه التصدعات في تسريع وتيرة تطبيع علاقاتها مع الدول الثلاث.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً