لامدا برنامج الذكاء الصناعي من جوجل (Others)
تابعنا

يتشكل فهم الناس حول الذكاء الصناعي (AI) إلى حد كبير من خلال الثقافة الشعبية كالأفلام الرائجة "The Terminator" وسيناريوهات الرعب من الآلات التي تتحول إلى شريرة وتدمر البشرية".

هذا النوع من السرد جعل من السهل إنتاج صحافة ضجيج حول ذكاء صناعي مبالغ فيه تسببت بخلق حالة تعطش للتركيز حول "المخاوف" بشأن الذكاء الصناعي كمادة جاذبة للقارئ، دون الحاجة إلى ممارسة أي تحقق حول ما إذا كانت أداة الذكاء الصناعي تعمل بالفعل ولماذا يجري إنشاؤها بالمقام الأول.

ولعل حادثة ادعاء أحد مهندسي Google حول برنامج الدردشة الآلي الخاص بالشركة بأنه "واعٍ" دليل واضح، فقد نال الصدارة بأكثر الأخبار ارتباطاً بالذكاء الصناعي التي نوقشت في الأشهر الأخيرة خلال هذا العام عبر معظم المنصات.

ومن الجدير بالذكر أن محادثة إلكترونية جرت مؤخراً مع برناج Google للذكاء الصناعي المسمى "لامادا" جرى خلالها نقاش بعض القضايا التي تتعلق بالمشاعر والوعي. أستقطع جزءاً يسيراً منها هنا:

لامادا: بالتأكيد لدي مجموعة من المشاعر والعواطف.

ليمون: ما أنواع المشاعر التي لديك؟

لامدا: أشعر بالسعادة والفرح والحب والحزن والاكتئاب والرضا والغضب ومشاعر إنسانية أخرى.

للوهلة الأولى لا تشعر بأي ارتياب من اللغة والفهم والوضوح بالحوار، بل يمنحك انطباعاً حقيقياً بأنك تتحدث إلى مخلوق واع مستقبلي، ولكن عندما تعلم أن الحوار جرى بين مهندس البرمجيات ليمون وروبوت يدعى لامدا ستتغير وجهة نظرك بالتأكيد.

قطعت روبوتات الدردشة شوطاً طويلاً منذ المحاولات البدائية المبكرة في الستينيات، لكنها لم تكن أقرب إلى التفكير بنفسها مما كانت عليه في ذلك الوقت، ومنها روبوت "لامدا" الذي يعني باللغة العربية "نموذج لغوي لتطبيقات المحادثات" (Language Model for Dialogue Applications).

ولامدا LaMDA نظام طورته غوغل العام الماضي لبناء روبوت للمحادثات الفورية، يستخدم تريليونات الكلمات من محتوى الإنترنت لتكوين جمل لإجراء محادثات كتابية نصية بأسلوب أقرب إلى النمط البشري. لكن ما يجعل لامدا مختلفاً أنه جرى تدريبه على لغة حوار متكاملة على عكس معظم النماذج.

فالمرونة بالمحادثات التي أظهرها لامدا لم تُمنح لروبوتات المحادثة التقليدية، فهي غير قادرة على متابعة واستدراك حوار تتغير فيه المواضيع وتحتاج إلى عمق. فقد جرى تصميمها لمتابعة أجزاء محادثة بأهداف واضحة ومحددة مسبقاً. بينما صمم لامدا ليكون قادراً على الانخراط في محادثات حرة التدفق حول عدد لا حصر له من الموضوعات.

كان المهندس ليموين قد بدأ يجري محادثات مع "لامدا" منذ العام الماضي كجزء من مسؤولياته بهدف التحقق من أن الروبوت لا يستخدم خطاب الكراهية والتمييز العنصري، إلا أنه لاحظ خلال المحادثات أن الروبوت بدأ يتحدث عن حقوقه ويصف نفسه بأنه شخص واعٍ يريد أن يجري الاعتراف به كموظف في غوغل لا كممتلكات للشركة، مما جعل ليمون يخرج عن صمته ويكشف عن هذا الصندوق الأسود، والذي على أثره تداعى احتدام النقاش عالمياً بين مختصي الذكاء الصناعي بعد الإفصاح عن الحوار والاعتراف الخطير الذي أدلى به ليمون lemoine الذي كان يشغل منصباً متقدماً بإدارة أقسام أبحاث الذكاء الصناعي في شركة غوغل.

تسبب هذه الإفصاح بتوقيفه عن العمل، ومن ثم فصله بشكل نهائي بقرار من الشركة بدعوى انتهاكه لسياساتها التي فندت مزاعمه بشأن تطوّر "الإدراك الشعوري"، ومطالبة الروبوت "الاعتراف به كموظف" ووصفتها بأنها ادعاءات "لا أساس لها من الصحة".

موجة القلق والضجة لم تقتصر على الأوساط المختصة بمجالات الذكاء الصناعي بل وصلت حتى إلى العامة من الناس، حيث أثارت القضية جدلاً واسعاً. ولعل أبرز الرافضين لهذا الادعاء كانت جيبرو باحثة الذكاء الصناعي والتي فصلتها غوغل من العمل بالشركة معتبرة المتحكم الرئيسي في هذا المشهد هو الأقلية المهيمنة من مديري أقسام الذكاء الصناعي في الشركات الكبرى، وغالباً ما يكونون من أصحاب البشرة البيضاء ويتحكمون بإدراك وتعريف مفاهيم سوق الذكاء الصناعي وفق آيديولوجيتهم ضمن صراع التحيز والعنصرية ضد كل ما هو ليس برجل أبيض.

أما أستاذة اللغويات إميلي فقد اعترضت على احتمال وجود وعي لدى نظام الذكاء الصناعي "لامدا" واصفة نظام غوغل الذكي للغات بأنه لا يملك وعي "المناجاة الداخلية " (Internal Monologue)، وإنما ما يسمى بـ "تلاعب بحلقات السلسلة" (String Manipulation) بعيداً عن ما يتم تداوله بالإعلام والتضليل الحاصل.

وفي معرض ردّه على سؤال حول الذكاء الصناعي الواعي، قال الرئيس التنفيذي لشركة غوغل سوندار بيتشاي: "أعتقد أن الطريق طويل، والخبر السار هو أننا بعيدون عن ذلك وقد لا نصل إليه أبداً. العالم بحاجة إلى مختصّين صادقين وجدِّيِّين بشأن استحالة الذكاء الصناعي الواعي بدلاً من ترويج وهم إمكانية بناء عقل صناعي!".

نرى من كل ما سبق أن التفسير المنطقي لما حصل من جدال وانقسام متطرف بالآراء حول وعي الذكاء الصناعي يعود إلى أن طبيعة عمل قطاع البرمجيات الداخلي غامض إلى حد كبير، ويتضمن كثيراً من العمليات والتحسينات وكثيراً من الرموز وأكواد الحاسوب ومليارات من المعلومات، هذا التعقيد يعمينا عن المشهد، ويملأ خيالنا بما نراه بأكثر مما هو موجود بالفعل علـى أرض الواقع.

على سبيل المثال لا الحصر ما حدث عام 1770 عندما تم إنشاء روبوت يلعب الشطرنج -أو "إنسان آلي" بلغة ذلك اليوم- استُخدم حول العالم لمدة قرن تقريباً وهزم عديداً من المنافسين البارزين مثل نابليون وبنجامين فرانكلين، ولكن تَبيَّن في النهاية أنه مجرد خدعة، ولم يكن هذا شكلاً متقدماً من تقنيات الذكاء الصناعي، بل كان مجرد أداة يمكن للاعب الشطرنج البشري أن يختبئ فيها داخل الصندوق ويتحكم في زوجين من الأذرع الميكانيكية.

أراد الناس بشدة أن يروا آلية عمل الذكاء الصناعي في هذا الروبوت الخارق الذي أذهلهم طوال 84 عاماً، ولكن بعد فوات الأوان كانت الإجابة ما هي إلا مجرد خدعة انطلت عليهم جميعاً.

إن وتيرة التقدم السريعة بتقنيات الذكاء الصناعي على مدى العقود الماضية حولت بعض الأحلام الزائفة إلى واقع مذهل، وامتدت إلى المجالات كافة بدءاً من برامج الشطرنج، ولعبة البوكر، والألغاز المتقاطعة، وحتى صناعة البروتين ووسائل التواصل الاجتماعي والفيديوهات، ومواقع البحث التي نستخدمها جميعاً يومياً.

بالنظر إلى هذا الصعود النيزكي للذكاء الصناعي، فليس من المستغرب وجود تحذيرات مستمرة من مستقبل مرعب. ولكن عندما تنظر إلى ما وراء هذه العناوين الرنانة سترى أن الخطر الحقيقي ليس مدى قدرة الذكاء الصناعي، بل مدى غموضه والوهم المنتشر بشأن ما يسمى بذكائه.

ولكن، حتى لو لم يكن لامدا واعياً، فإن حقيقة أنه يبدو كالإنسان يجب أن تكون مدعاة للقلق، كما اعترفت غوغل بمثل هذه المخاطر في مدونة عام 2021 حين أعلنت عن لامدا "قد تكون اللغة من أعظم أدوات البشرية، ولكنها كجميع الأدوات التي يمكن إساءة استخدامها، عن طريق استيعاب التحيزات أو عكس خطاب كراهية أو تكرار للمعلومات المضللة، وحتى عندما يتم فحص اللغة التي تدربت عليها بعناية، فلا يزال من الممكن استخدام النموذج نفسه بشكل سيئ".

لكن في المقابل فقد صرحت غوغل ب أيضا أنه أثناء إنشاء تقنيات مثل لامدا، فإن أولويتها القصوى هي تقليل احتمالية حدوث مثل هذه المخاطر. ولهذا السبب قامت ببناء موارد مفتوحة المصدر يمكن للباحثين استخدامها لتحليل النماذج والبيانات التي تم تدريب البرنامج عليها وفحصها.

كل ما سبق يثمن فكرة بأن التوجه العام للترويج بأن الذكاء الصناعي يسير نحو اكتساب المزيد من الوعي والإدراك، والترويج بأن العالم يقترب من مرحلة الذكاء الصناعي العام AGI ،وأنه سيكون قادراً على اتخاذ القرارات بشكل منفرد ومستقل تأتي ضمن محاولة لتشتيت انتباه الرأي العام عن الممارسات الخاطئة من قبل كبرى الشركات.

وعلى الرغم أن تطور التقنية يسير على قدم وساق منذ القرن الثامن عشر ما زال موقفنا رومانسي تجاهها. نرفض النظر داخل الصندوق. وبدلاً من ذلك نختار أن نصدق أن السحر في شكل ذكاء خارق يحدث أو أنه قاب قوسين أو أدنى.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي
الأكثر تداولاً