أحد أفراد قوات حفظ السلام الدولية في جزيرة قبرص (AP)
تابعنا

وعقب هذا القرار بالطبع صدرت ردود فعل منتقدة ومندّدة من قبل كل من أنقرة وجمهورية شمال قبرص التركية، بسبب اتخاذ هذا القرار دون التشاور مع قبرص التركية أو الحصول على موافقتها.

بادئ ذي بدء تجدر الإشارة إلى أنّ قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جزيرة قبرص، أنشئت منذ عام 1964، بهدف منع النزاعات بين القبارصة الروم والقبارصة الأتراك وتحقيق القانون والاستقرار في الجزيرة، ويبلغ قوام هذه القوة الأممية ما مجموعه 861 فرداً بينهم 796 جنديّاً، و65 شرطيّاً.

وهنا يبرز سؤال هامّ، هو أن هذه القوة الأممية الموجودة منذ أكثر من نصف قرن في جزيرة قبرص، لماذا لم تحقّق أو تساهم في تحقيق أي حلّ مستدام؟ والسؤال الأهم هو لماذا لم تقف حاجزاً أمام الاعتداءات والجرائم العنصرية التي قام بها القبارصة الروم بحق الأتراك مطلع سبعينيات القرن الماضي، مما دفع أنقرة في ذلك الوقت إلى التدخل عسكريّاً عبر عملية السلام القبرصية عام 1974؟

لقد جاءت هذه القوة الأممية إلى جزيرة قبرص في الأصل من أجل توفير الحماية للقبارصة الأتراك الذين تعرض ما لا يقلّ عن 25 ألف مواطن منهم للتهجير من منازلهم، فضلاً عن مئات القتلى والجرحى الذين سقطوا في أحداث العنف الشهيرة خلال ديسمبر/كانون الأول 1963، وبعبارة أخرى، فإن الطرف المظلوم هنا هم القبارصة الأتراك لا الروم، مما يعني أن مهمة قوة حفظ السلام الأممية بالأصل هي توفير الحماية للقبارصة الأتراك من بطش وجرائم القبارصة الروم، إلا أن ذلك لم يحدث.

على الرغم من وجود قوة حفظ السلام في الجزيرة، وتحقيق ضمان حكم الجزيرة بشكل مشترك بين المجتمعين، واصل القبارصة الروم جرائمهم مرة أخرى عام 1974 حينما قام الحرس الوطني القبرصي بالاشتراك مع منظمة "أيوكا" الإرهابية بالانقلاب على الحكومة القبرصية الموحدة آنذاك، بأمر من المجلس العسكري في اليونان، بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان.

ونتيجة لذلك بالطبع لم تتردد تركيا في الوقوف إلى جانب القبارصة الأتراك، وتدخلت عسكريّاً لحمايتهم والحفاظ على الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، حيث يمثلون الغالبية العظمى. ومع إعلان وقف إطلاق النار في أغسطس/آب 1974 تشكّل خطاً عازلاً بين الشطرين الجنوبي الرومي والشمالي التركي.

وبالعودة إلى قوة حفظ السلام الأممية، نجد أن مهمتها انتقلت من داخل الجزيرة إلى الخط العازل الفاصل بين الشطرين، لذا فهي منذ 1974 حتى الآن تقوم بما تقول إنه مهمة حفظ السلام في الجزيرة، تمهيداً لتحقيق حل دائم فيها.

لكن حين النظر إلى المفاوضات المستمرة منذ ذلك الوقت، نجد أنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، وذلك لأن الوضع الراهن قد تغير، إذ لم يعد الحديث الآن عن مجتمعين فقط، بل عن دولتين مستقلتين، فالقبارصة الأتراك أعلنوا في 1983 استقلالهم وتأسيس جمهورية شمال قبرص التركية، لتكون تركيا الدولة الأولى التي تعترف بها، فيما يواصل المجتمع الدولي التعامل مع قبرص التركية على أنها إدارة تتبع جمهورية قبرص.

إذاً، يمكن القول عقب هذا الطرح إن قرار مجلس الأمن تمديد مهمة قوة حفظ السلام الأممية 6 أشهر إضافية، نابع من عدم اعترافه بقبرص التركية كدولة، ولذا فهو يعلن تمديد قوة حفظ السلام الأممية كل 6 أشهر منذ عام 1964 حتى الآن.

وفي المقابل، حينما ترفض قبرص التركية ومن خلفها أنقرة هذا القرار، وتعتبره مخالفاً لقواعد ومبادئ الأمم المتحدة، فإن قبرص التركية تهدف من ذلك إلى ترسيخ مبدأ حل الدولتين، والتوجه نحو الاعتراف بها كدولة، والتعامل مع الوضع على أساس دولتين لا مجتمَعَين.

حتى وقت قريب، لم تكن فكرة حل الدولتين بهذه القوة الموجودة عليها الآن، ونحن نتحدث عن آخر عامين على وجه التحديد، وهذا ما دفع قبرص التركية وأنقرة إلى التنديد بالقرار الأممي، لأن الجهود التركية الآن تركّز على ضرورة الاعتراف بقبرص التركية، ومن المتوقع أن تقوم دول صديقة لأنقرة بهذه الخطوة بشكل رسمي على المدى القريب.

إن التنديد التركي بتمديد قوة حفظ السلام الأممية، يُقرأ على أنه تأكيد لانتهاء حقبة المفاوضات المستمرة منذ نصف قرن بلا أي حلّ ملموس.

وبالطبع كانت تلك المفاوضات تركز على حلّ توحيد الجزيرة، وتشكيل حكومة مشتركة، وعلى الرغم من أنه كان حوار مع الجانب الرومي آنذاك، لم يتم التوصل إلى أي حلّ، وبدا واضحاً أن غالبية القبارصة الأتراك يقفون مع حل الدولتين، حسبما أظهرت الانتخابات الأخيرة أواخر 2020، التي انتهت بفوز أرسين تتار رئيساً للجمهورية، وهو يؤيد رؤية حل الدولتين بشكل تامّ.

تحاول قبرص التركية في المرحلة الحالية إثبات نفسها في الساحة الدولية، وتنشد الدعم من أصدقاء تركيا في هذا الصدد، ولا شك أنها ماضية في طريق تحقيق اعتراف دولي بها، بعد نجاحها في تحقيق استقلالها وسيادتها بدعم كبير من أنقرة.

ولذلك السبب بالذات تبرز مسألة افتتاح منطقة مرعش التي كانت مغلقة منذ عملية السلام القبرصية، كعلامة قوية على مضيّ قبرص التركية في هذا الطريق، والبرهنة على أنها ذات سيادة مكّنَتها من القيام بهذه الخطوة الحساسة إلى حد ما، في ضوء الإصرار على حل الدولتين، وحثّ الأمم المتحدة على التعامل معها كدولة مستقلة.

هل يمكن أن تواجه أنقرة أو قبرص التركية تلك القوات الأممية؟

على الرغم من صدور تنديد وانتقاد لقرار مجلس الأمن الأممي بتمديد مهمة قوة السلام في جزيرة قبرص، فإن أنقرة إلى جانب قبرص التركية تحترمان القانون الدولي، ولأجل ذلك تطالبان مجلس الأمن بالتشاور مع قبرص التركية قبل اتخاذ هذا القرار.

إلى جانب ذلك، ما دامت مهمة تلك القوات بقيت محصورة في الخط العازل، فلا يُتوقع أيُّ تحرك مُغايِر من قبرص التركية وأنقرة، أملاً في الحفاظ على الروح الدبلوماسية بهدف الوصول إلى حلّ مستدام قائم على اعتبار استقلالية وسيادة قبرص التركية.

وفي المقابل، حينما تقوم تلك القوة الأممية بتجاوز ذلك الخط أو تجاوز مهمتها الأصلية، فإن أنقرة بكل تأكيد ستقوم بخطوات على غرار ما قامت به عام 1974، وضمان حماية القبارصة الأتراك.

أخيراً، يجدر التذكير بأن مجزرة "سربرنيتسا" التي كانت إبادة جماعية بحق البوسنيين، ما كانت لتتم لولا ما قامت به الوحدة الهولندية العاملة ضمن قوات حفظ السلام عام 1995، إذ إن قوات الأمم المتحدة التي كان من المفترض أن تقوم بمهمة تحقيق السلام والاستقرار، سحبت الأسلحة من البوسنيين، وتركتهم يُذبحون بيد الجماعات الصربية المسلحة التي اقتحمت مدينة سربرنيتسا على أعين الأمم المتحدة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً