المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل (Pool/Reuters)
تابعنا

يشار إلى أن حزب ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كان تمكن بصعوبة من تشكيل حكومة ائتلافية عقب انتخابات 2017، ومع ذلك واجهت ميركل تحديات كبيرة في الفترة اللاحقة على خلفية بعض الخلافات مع شركائها في الحكومة (الحزب الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي).

فمقابل سياسة ميركل المعتدلة إزاء ملف اللاجئين، يتبنى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي موقفاً متشدداً من اللاجئين، الأمر الذي كان سيؤدي إلى انهيار الائتلاف.

وقد ساهمت تنازلات من طرف ميركل في تجاوز هذه الخلافات، إلا إن الاضطرابات داخل الحزب ظلت مستمرة. وعقب ذلك، تعرض كل من حزب ميركل والاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى خسائر في عدد الأصوات بانتخابات بعض مجالس الولايات.

وخلال تلك الأثناء، أعلنت ميركل أنها ستتخلى عن رئاسة الحزب، مع المحافظة على منصبها في رئاسة الحكومة. وعقب فترة دامت 3 سنوات، أُعلن في يناير/كانون الثاني 2021 انتخاب أرمين لاشيت رئيس حكومة ولاية شمال الراين وستفاليا، لرئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي، وفي أبريل/نيسان الماضي، اتفق الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي على ترشيح لاشيت لمنصب مستشار ألمانيا عقب ميركل.

لعل السؤال الأهم المتداول حول هذه العملية المعقدة، هو هل أرمين لاشيت سينجح في اقتناص منصب مستشار ألمانيا عقب ميركل؟ إضافة إلى كيف سيكون تأثير هذه الحقبة الجديدة على ملفات مثل اللاجئين والمهاجرين والمسلمين على وجه الخصوص؟

لا شك أن إجابة هذا السؤال ليست سهلة في الوقت الراهن، فلاشيت، مرشح المحافظين، سيواجه مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وزير المالية أولاف شولتس، كما أن حزب الخضر المعارض أعلن أنه سيدفع لأول مرة بمرشح لمنصب مسشار ألمانيا.

وبينما أظهرت استطلاعات رأي أن شعبية حزب الخضر ومرشحته لمنصب المستشار أنالينا بيربوك قد زادت بوتيرة سريعة خلال الشهور الماضية، فإن التوازنات تغيرت مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة على خلفية تصريحات صادرة عن بيربوك، فضلاً عن الانتصار الكبير الذي حققه حزب ميركل في الانتخابات المحلية بولاية ساكسونيا-أنهالت شرقي البلاد.

وعند النظر إلى استطلاعات الرأي في هذا الإطار يتضح أن انتخابات 26 سبتمبر/أيلول المقبل ستكون معركة حامية الوطيس، مع توقعات بتصدر تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي الأحزاب بالبرلمان.

وعلى هذا النحو سيتولى لاشيت مهمة تشكيل حكومة فيدرالية جديدة وسيواجه خيارات ائتلافية متنوعة. ويرفض لاشيت أي نوع من التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، المعروف بمناهضته للإسلام، كما لا يُتوقع أن يشكل لاشيت ائتلافاً مع حزب اليسار.

ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن ملفات مثل تعاظم تهديد اليمين المتطرف، والفشل في الحد من العنصرية المؤسسية، والتمييز ضد المسلمين، تبرز كعدد من التحديات الكبيرة التي تواجهها ألمانيا في الوقت الراهن وعليها أن تبقى على جدول الأعمال حتى التوصل إلى حلول لها.

لكن من المستبعد أن تجري مناقشات جادة حول مثل هذه الملفات في فترة الانتخابات، وبدلاً من ذلك يُتوقع أن تدور المناقشات حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة، لا سيما مع استمرار تأثيرات أزمات كبيرة يواجهها الاقتصاد الألماني على خلفية جائحة فيروس كورونا المستجد.

ومع ذلك ينبغي عدم إغفال أن خطر العنصرية واليمين المتطرف مشكلة يجب حلها بشكل حاسم. وزيادة عدد حالات اليمين المتطرف في الشهور الأخيرة وخاصة في الشرطة الاتحادية والجيش الألماني والتحقيقات التي فُتحت بشأنها، أمر يشير إلى أن هذه القضية بحاجة إلى إصلاح مؤسسي على المدى الطويل.

كما يُتوقع أن تتواصل الأحاديث حول أوضاع المسلمين والمهاجرين في ألمانيا في فترة الانتخابات المقبلة والمرحلة التالية لها. فالأحزاب اليمينية المتطرفة ستواصل التعرض بطريقة شعبوية وتمييزية للمواضيع المتعلقة بالإسلام.

وبخصوص لاشيت، يُتوقع في حال توليه منصب مستشار ألمانيا أن يواصل بصفة عامة سياسات التوازن الحالية التي تتبناها ميركل. فهو أيضاً أعرب في 2015 عن دعمه للسياسة المعتدلة إزاء ملف اللاجئين، كما يفضل الحوار مع المسلمين في ألمانيا.

ورغم هذه التوقعات، فإنه من الضروري عدم إغفال أن لاشيت ضم إلى فريقه المقرب عدداً من الأسماء المهمة المعروفة بتوجهها المحافظ داخل الحزب، ما يعني أنه قد يضطر إلى اتباع سياسات أكثر محافظة بعد الانتخابات. فيما يواصل الغموض تخييمه على مدى تأثير هذه العوامل على الحقبة الجديدة.

وعلى النحو ذاته، تظل طبيعة السياسة الخارجية لألمانيا في الحقبة الجديدة وإلى أي مدى سيتم الحفاظ على سياسات ميركل، من الأمور التي بحاجة إلى الوضوح بعد الانتخابات.

وخلال فترة الانتخابات، يُتوقع أيضاً أن تتناول الأحزاب الألمانية الصغيرة ملف السياسة الخارجية بصورة شعبوية، فيُرجح أن تتعامل هذه الأحزاب مع دول مثل روسيا وتركيا من منظور شعبوي أكثر ممَّا هو عقلاني.

وستظل معضلة إلى أي مدى سيواصل لاشيت نهج ميركل في هذا الملف محل تساؤل، فرغم أن بعض الإشارات تصدر منه في اتجاه مواصلة نهج ميركل فإن طبيعة الكتل التي سيشكل معها الحكومة هي ما سيحسم هذا الموضوع.

فمثلاً تدور تساؤلات عن إلى أي مدى ستواصل ألمانيا جهودها عقب حقبة ميركل بخصوص مستقبل ليبيا وسوريا وملف اللاجئين، ففي حال شكّل تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي أو الحزب الديمقراطي الحر، فيُرجح أن تتواصل السياسات الألمانية كما هي، أما في حال تشكيل الحكومة بالتعاون مع الخضر، فقد تتشكل مواقف مختلفة.

وفي السياق ذاته، يُتوقع أن تتضح خلال الأسابيع المقبلة توجهات مرشحي الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر بخصوص السياسة الخارجية للبلاد.

فمثلاً من أبرز الملفات التي يُتوقع أن تشغل جدول أعمال الحكومة الألمانية الجديدة، هو مستقبل مشروع السيل الشمالي 2 لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا المثير للجدل وتأثيراته على العلاقات الألمانية الأمريكية. فبينما يعارض الخضر المشروع بشكل حاسم، يدعم تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي، استكمال المشروع.

وعلى هذا النحو، فإنه في حال فوز لاشيت في الانتخابات، فإنه يُتوقع مواصلة سياسات ميركل بصورة عامة، غير أنه يظل من المهم عدم إغفال دور وتأثير الشركاء الآخرين في الحكومة الجديدة. أما في الوقت الراهن فيصعب إصدار تنبؤات دقيقة حول هذا الأمر.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً