من اليسار: عادل الطيار، وألفا سعدو، وحبيب زايدي، وأمجد الحوراني، كانوا أول الأطباء الذين لقوا حتفهم أثناء مواجهة فيروس كورونا في المملكة المتحدة (مصدر الصورة عائلات الأطباء)
تابعنا

لم أكن أعلم عندما جاء لزيارتي في المنزل الذي وضعتني فيه إدارة الهجرة البريطانية ليساعدني في مواجهة مصاعب تلك الفترة القاسية منتصف عام 2018، أنه بعد أقل من عامين على هذه الزيارة سيكون على موعد مفاجئ مع قاتل خفي حصد أرواح ما يقارب مئة ألف شخص حتى الآن، إنه الطبيب السوري المسلم الدكتور فايز عايش الذي فقد حياته وهو يساعد الآخرين أثناء مواجهته وباء كورونا في مدينة أبسويتش التي تبعد سبعين ميلاً عن العاصمة البريطانية لندن، لينضم إلى ركب الأوائل من الراحلين عنا من الأطباء المسلمين الذين اختاروا أن يكونوا في خط المواجهة الأول ضد هذا الفيروس القاتل.

سبق الدكتور فايز عايش أربعة أطباء مسلمين من المهاجرين هم الدكتور أمجد الحوراني والدكتور حبيب زايدي والدكتور عادل الطيار والدكتور محمد سامي شوشة. وكلهم اختاروا المواجهة المباشرة وخدمة المرضى داخل المملكة المتحدة ما دفع جوان رولينغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، أن تنشر تغريدة علقت فيها على وفاتهم قائلة: "ارقدوا بسلام. نرجو ألا ننسى أبداً ما قدمه المهاجرون وأطفالهم وأحفادهم لهذا البلد، لا سيما في القطاع الصحي".

وهي محقة إلى حد بعيد. فالمهاجرون في بريطانيا، وفي القلب منهم المسلمون، يعيشون أوقاتاً صعبة في السنوات الأخيرة خاصة مع صعود الشعبوية متمثلة في التيار الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الداخل البريطاني.

داخل مستشفى سانت توماس في وسط العاصمة البريطانية لندن يرقد رئيس الحكومة بوريس جونسون داخل غرفة العناية المركزة لمتابعة تطورات حالته الصحية التي تدهورت في الأيام الاخيرة على وقع إصابته بفيروس كورونا.

ووفقاً للأرقام الصادرة عن دائرة الصحة الوطنية في بريطانيا فإنه من بين كل خمسة أطباء في بريطانيا يوجد طبيب غير بريطاني حاصل على مؤهل من خارج بريطانيا.

ولذلك ربما يكون أحد أفراد الفريق الطبي الذي يشرف على علاج رئيس الوزراء البريطاني الآن ويقدم له الرعاية الطبية المناسبة وربما كان سبباً في إنقاذ حياته، من الأطباء المسلمين. وهناك احتمال كبير أن يجد جونسون أحد المهاجرين الذين طالما هاجمهم واحتقرهم ووصف نساء المسلمين المنتقبات بصناديق البريد، هو سبب رئيسي في شفائه من فيروس كورونا.

بريطانيا التي أصابها وباء كورونا بحالة من التناقض الشديد؛ لقد أصبحت بعض المواقع الإخبارية والصحف اليومية الصادرة فيها في ورطة كبيرة بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها ولا زال يقدمها الأطباء المسلمون من المهاجرين. فكيف ستكتب عن أبطال الصف الأول وهم من المسلمين.

صحف مثل الجارديان والإندبندنت وهيئة الإذاعة البريطانية BBC كتبت عن تلك القصص ولكن الأزمة الحقيقية في الصحف التي تتبنى الخطاب الشعبوي، ويسيطر عليها بعض الرموز اليمينية مثل "ديلي تليجراف- وديلي ميل- وديلي إكسبريس" والتي غاب فيها أي ذكر ولو ضئيل لوفاة الأطباء المسلمين في مواجهة كورونا.

واللافت أن تلك الصحف كانت لا تأتي على ذكر المسلمين إلا وألحقت به كلمة الإرهاب والعنف كما فعلت مع كل حادثة "إرهابية" يتهم فيها أحد المسلمين مثل حادثة الطعن في لندن عام 2017، أو كالحملة التي شنتها ضد المساجد في بريطانيا وادعت أنها منابر لجمع التبرعات لتمويل الإرهاب، وذكرت صحيفة الجارديان في دراسة أجرتها عام 2019 بعد تحليل 11 ألف مقال عن المسلمين في الصحافة البريطانية أن نسبة 78% من الأخبار التي نشرت في تلك الصحف تناولت المسلمين بشكل سلبي.

المسلمون في بريطانيا وفي القلب منهم الأطباء يقدمون خدمات جليلة لهذا المجتمع ويضحون بأنفسهم وأرواحهم. ولكن على النقيض هناك من يكره أن يظهر للجاليات المسلمة في بريطانيا أي أثر ولو كان فيه إنقاذ البلاد من جائحة كورونا.

الشهر الماضي ومع ارتفاع وتيرة الإصابات والوفيات في بريطانيا قالت مؤسسة " أخبر ماما" وهي مؤسسة منوط بها توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون في بريطانيا، في تقرير نشرته صحيفة الجارديان أن هناك حملة ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف تدعي أن المسلمين هم السبب الرئيسي وراء انتشار فيروس كورونا مع نشر مقاطع فيديو لمسلمين يخرجون من أحد المساجد في مدينة برمنجهام في إشارة إلى عدم التزامهم بقرار الإغلاق الذي أصدرته الحكومة. وتبين بعد ذلك أنها مشاهد قديمة أرادوا بها التحريض ضد المسلمين بشكل كبير.

الحكومة البريطانية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي نظموا حملة لدعم الفريق الطبي في بريطانيا وتقديم التحية للعاملين في وزارة الصحة. وبالفعل وقفنا أمام منازلنا مرتين للتصفيق للعاملين في الفريق الطبي في مشهد إنساني رائع، ولكني أتساءل ماذا لو كان أوائل الضحايا من الفريق الطبي من الإنجليز وليسوا من المسلمين. ألم تكن الصفحات الأولى لكل الصحف البريطانية ستكتسي بالسواد مع وضع صورهم وصور أبنائهم في الصفحة الأولى لتخليد ذكراهم؟ ألم تكن الحكومة البريطانية والنشطاء ليدعوا إلى حملة جديدة للتصفيق لهؤلاء الأبطال؟ فلماذا لم يحظَ أبطال الجالية المسلمة من الأطباء بمثل هذا التكريم؟

أسئلة كثيرة ستواجه بوريس جونسون وحكومته وبعض الصحف التي تتبنى أفكاره بعد انتهاء أزمة وباء كورونا، وأتوقع أن تفرض الأحداث واقعاً جديداً ومغايراً تماماً في طريقة التعامل مع المهاجرين من مسلمين وغير مسلمين في بلد تبين لنا في تلك الأزمة أنه في أمسِّ الحاجة لكل الطاقات والكفاءات التي تعيش على أراضيه.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.  

الطبيب فايز عايش الذي قضى أثناء أداء مهامه كطيب في أحد المستشفيات البريطانية في مواجهة فيروس كورونا المستجد
TRT عربي