تابعنا
أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي خيارات صعبة ربما تهدد مستقبله السياسي وهو الذي يسعى للظفر بلقب أطول رئيس وزراء يبقى في الحكم.

هل خطوة حلّ الكنيست الإسرائيلي جزء من لعبة صراع البقاء التي يديرها نتنياهو لصالح عدم تقديمه إلى المحاكمة؟ أو أن أزمةً سياسية تتعرض لها إسرائيل في هذه المرحلة؟

هل عقدة تشكيل الحكومة ناجمة عن احتراب داخلي بين تياري المتدينين والعلمانيين؟ وهل الاتهامات وحل الكنيست بما ستُفرز من تداعيات ستؤول إلى نهاية نتنياهو؟

المسألة غير مرتبطة فقط بالاتهامات وإنما بمحاولات نتنياهو التهرب منها أو تأجيلها المستمر. ولذلك، سنعالج قضايا عدة ذات صلة بالموضوع، وأنماط سلوك نتنياهو السياسية بشأنها.

فمن اليوم الأول الذي تم فيه تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات الكنيست الأخيرة، بدأت تطفو على السطح أزمات عدة.

فمن جهة أولى، لم تكن لديه أزمة في بناء تحالف مع الأحزاب المتدينة واليمنية، التي عبّرت عشية الانتخابات عن رغبتها في الانضمام إلى الائتلاف الحكومي.

أزمته كانت مع حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان، إذ أدرك نتنياهو أنه بدون حزب ليبرمان لن يستطيع تشكيل حكومة جديدة. فبدون هذا الحزب لن تنال حكومته الثقة البرلمانية.

لذا وضع ليبرمان شروطاً مُعَرْقِلة. وفي مقدمتها تحجيم قوة الأحزاب المتدينة. ومن جهة أخرى فإن لليبرمان حسابات سابقة مع نتنياهو الذي –أي الأخير– وافق على هدنة مع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، دون موافقة ليبرمان. بالإضافة إلى رفض نتنياهو التوجه إلى أحزاب اليسار أو المركز للانضمام إلى حكومته كحزبي "العمل" و"ميرتس" لعلمه المسبق أنّه سيفقد دعم أحزاب يمينية ومتدينة متحالفة معه.

أمّا المركب الثاني في الأزمة السياسية فمتعلق بموضوع الحصانة القانونية المطلقة التي يطالب بها عدد من مقربي نتنياهو في الليكود.

وتعني هذه الحصانة إفلات نتنياهو من المحاكمة حول ملفات الفساد ما دام يشغل منصبه. وقد اعتبر قانونيون وسياسيون أنّ خطوة كهذه تجعل إسرائيل فاقدة لمشروعها الديموقراطي. ويرى آخرون أنّها ستجعل من نتنياهو حاكماً أوتوقراطياً، لا يختلف عن حكام معظم دولة المنطقة والعالم الثالث.

أمّا المركب الثالث في الأزمة فهو إدراك نتنياهو الكامل أنّه في حال عدم تمكنه من تشكيل حكومته الجديدة، وعلى الرغم من تمديد تكليفه بهذه المهمة وفقًا للقانون، فإنّه سيُعيد التكليف إلى الرئيس الإسرائيلي، والذي بدوره سيُكلف زعيم الحزب الثاني من حيث عدد مقاعده في الكنيست بمهمة تشكيل حكومة جديدة.

وفي هذه الحالة سيكون بني غانتس زعيم حزب أزرق–أبيض هو العنوان المقصود. وهذا يعني فشل نتنياهو في مهمته، وبالتالي بقائه في الكنيست عضواً كباقي الأعضاء في حزبه. ولكن في صفوف المعارضة. وعندها تصبح عملية نزع الحصانة البرلمانية عنه مسألة سهلة لتقديمه إلى المحاكمة.

أمّا المركب الرابع في هذه المسألة فهو إدراك نتنياهو لعامل الزمن، وبراعته في إدارة أزماته وصراعاته ضمن التحايل على هذا العامل والاستفادة منه.

ستجعل الحصانة من نتنياهو حاكماً أوتوقراطياً لا يختلف عن حكام معظم دولة المنطقة والعالم الثالث.

جوني منصور

فحتى تتم عملية تقديم لوائح اتّهام بحقه يفرض القانون في إسرائيل استدعائه إلى جلسة استماع مسبقة. وهذه الجلسة تمّ تحديدها لشهر أكتوبر/تشرين الأول القادم. وبعدها يُوصي المستشار القضائي للحكومة بتقديم لوائح اتهام.

ومن المعلوم أنّ تحقيقات الشرطة في عدد من الملفات الموجهة إليه تجري من سنوات عدّة. بالإضافة إلى تلكؤ المستشار القضائي ماندلبليت في تقديم اللوائح لعلاقات قريبة بين الاثنين (كان ماندلبليت يشغل وظيفة سكرتير لحكومة نتنياهو في السابق).

إذن، أدرك نتنياهو أنّ فشله في تشكيل ائتلاف حكومي جديد قد يضع حدّاً لحياته السياسية، وستكون مسألة تقديم لوائح الاتهام بحقّه في قضايا فساد وخيانة الأمانة، هي مسألة وقت وقريبة جدّاً.

وبالتالي ستكون نهايته السياسية عبارة عن سقوط مدوٍّ لزعيم سياسي عمل كل ما بوسعه لعدم خلق زعيم آخر سواء في حزبه أو أحزاب أخرى.

بالإضافة إلى محاولاته المستمرة لخلق حالة من القيادة الوحيدة التي تتحلق من حولها مجموعات من سياسيين لا يمكنها اللعب خارج ملعبه وإشرافه. وأنّه الوحيد الذي يمكنه الحفاظ على إسرائيل موحدة في الداخل وقوية عالمياً، كما صرّح سابقاً. وأنّه الوحيد الذي حقق إنجازات كبيرة لتعزيز وجود إسرائيل كأقوى دولة في المنطقة، مدعوماً من صديقه ترمب. والوحيد الذي يوفر الأمن لإسرائيل. وبدونه يكون فراغ سياسي.

لهذا، فضّل نتنياهو عدم إتاحة الفرصة لحزب أزرق-أبيض لتشكيل الحكومة، وتأجيل تقديم لوائح الاتهام على الرغم من موافقته على عقد جلسة الاستماع، ورفضه الرضوخ لضغوط ليبرمان، بل اتهامه بميوله اليسارية (عِلماً أنّ حزب ليبرمان هو يميني متطرف). وطبعاً رفضه المعلن عن أي تحالف ائتلافي مع أحزاب اليسار والمركز، بما فيها الأحزاب العربية التي لا يأخذها بعين الاعتبار أصلاً.

كل هذه العوامل المركبة دفعت نتنياهو إلى الإعلان عن تأزم المشهد السياسي والحزبي في جزئية تشكيل ائتلاف حكومي. وأنّه بدونه لن تتشكل أي حكومة. وبالتالي دعا إلى تشريع قانون حلّ الكنيست وإجراء انتخابات جديدة في شهر سبتمبر/أيلول القادم.

أدرك نتنياهو أنّ فشله في تشكيل ائتلاف حكومي جديد قد يضع حدّاً لحياته السياسية.

جوني منصور

وخلال الأشهر القادمة التي تسبق الانتخابات سيعمل نتنياهو على تفكيك مكونات أحزاب أخرى، ومنها أزرق-أبيض، ليعزز قوته السياسية. وسيعمل بقوة أكبر على إظهار نفسه زعيماً وحيداً لإسرائيل.

الاحتمالات المفتوحة أمامه عديدة، منها احتمال فوزه من جديد، وعندها يمكن التلاعب على مسألة تأجيل تقديم اللوائح.

أما الاحتمال الآخر فهو أنْ تُلحِق به هزيمة في حال تمكن حزب أزرق-أبيض" من تعزيز وجوده وزيادة عدد مقاعده. لكن تبقى مشكلة هذا الحزب كيفية تجنيد أحزاب أخرى، وخصوصاً في اليمين للانضمام إلى حكومة جديدة برئاسته. بالإضافة إلى بروز أصوات تعكس خلافات داخلية في صفوفه.

لهذا، فإنّ نتنياهو أمام مفترق مركزي في حياته السياسية. إمّا الفوز وتبقى لديه مساحة تحرّك أفضل لمعالجة ملفاته. أو أنْ تلحق به هزيمة وتفلت المقصلة من حبلها لتقطع رأس مساره السياسي. وينتهي فصل حياته السياسية.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

TRT عربي