تابعنا
من الواضح أن الأردن قرر على ما يبدو أن ينهي مرحلة طالما نُظِر إليه فيها، على أنه "مضمون" و" في الجيبة" وأن خياراته معروفة سلفاً، وردود أفعاله محكمة بسقف خفيض، هذا الاعتقاد شجع إسرائيل على التمادي في الاستهتار والاستخفاف بمشاعر الأردنيين وحقوقهم.

منذ وادي عربة والأردن لا يعرف مصطلح "تحمير العين" مع إسرائيل. قتلوا القاضي الأردني زعيتر ولم تصعّد عمّان، قتلوا مواطنين أردنيين في سفارتهم، ولم تفعل الحكومة الأردنية ما يليق بالحدث.

لماذا اختلف الموقف الاردني؟ طفح الكيل

إسرائيل ظنت أن سلامها مع الأردن باتجاه واحد، فمهما حصل في الضفة الغربية وفلسطين لن يتأثر، معتقدة أن عمّان ستقبل بفصل المسارين الأردني والفلسطيني عن بعضهمها البعض.

كما أن إسرائيل، شبه لها وخيّل عليها، أن الطريق سالكة، باتجاه قبول الأردن بأن تكون ثمة حلول على حسابه، وأنه سيقضم الديموغرافيا الفلسطينية بهدوء ودون ضجيج.

طفح الكيل على ما يبدو. لأن حكومة نتنياهو أدارت الظهر للأردن، ولأنها عبثت بالوصاية على المقدسات، والأخطر قصة ضم غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية.

قناعة الأردن، أن إسرائيل بيمينها الحاكم، لم تعد مؤهلة لمشروع حل الدولتين، وأنها لم تعد تعترف بالجغرافيا الفلسطينية، وكل ذلك يمس الهوية الأردنية، وأمنها الوطني ومستقبلها.

من هنا، أعلن الأردن مقاربته الجديدة، القائمة على "اننا لسنا في الجيبة"، بل لابد أن يتعزز مفهوم الخلاف مع إسرائيل، ولابد من تعظيم عناصر التوتر.

رسائل الخشونة تتراكم

بعد الباقورة والغمر ورفض الطلب الإسرائيلي بالتمديد، واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب الذي أسفر عنه الافراج عن أسيرين أردنيين هما "اللبدي ومرعي".

بعد ذلك، تراكمت ثقافة الرسائل الخشنة الموجهة إردنيا تجاه الأخطاء الإسرائيلية. ولعل قضية المتسلل الإسرائيلي ومحاكمته علنيا مثلت رسالة واضحة بأن سياسة الليونة لم تعد تصلح في التعامل مع إسرائيل.

هي محاكمة غير عادية، في توقيتها، وهوية المتهم الماثل أمام القضاء، أول إسرائيلي منذ المعاهدة قبل ربع قرن على أقل تقدير، يقف هذه الوقفة، ومثلما تدين تدان، فإسرائيل تعتقل أردنيين يدخلون عبر البوابات الحدودية وبعد حصولهم على "التأشيرات" اللازمة.

وللأمانة، حتى الاردنيين متاجئين من السلوك الرسمي، هناك حالة ذهول، وهناك رغبة حقيقية بأن يكون الموقف استراتيجي يغادر مربع المرحلية والتكتيك الفصلي المؤقت.

سيوف الكرامة: تمرين عسكري يرسل رسالة شديدة العمق

العقيدة العسكرية الإسرائلية منذ سنوات لم تعد ترى في الجيوش العربية النظامية خطراً يستحق الأولوية والانتباه، بل انصرف جل اهتمامها للمنظمات "ما دون الدولة" كحماس وحزب الله، واعتبرتهم أهم وأكثر خطورة.

في هذا السياق، وفي الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاق السلام بين الإردن وإسرائيل، سرب المستوى السياسي الأردني تمرينا عسكرياً أردنياً يحاكي غزو إسرائيلي ويتصدى له.

التمرين أطلق عليه مسمى "سيوف الكرامة" مستنطقين معركة الكرامة التي تشكل في الذاكرة الوطنية الأردنية الانتصار الأردني على الجيش الإسرائيلي وإنهاء أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".

هذه الرسالة التقتطتها وسائل الإعلام الاسرائيلية وحللتها بزخم، كما واعتبرتها رسالة أردنية، تشي باستعداده لاعادة انتاج الخيار العسكري في ظل استمرار الانتهاك الإسرائيلية لمستقبل الأردن.

التمرين ينال اهتماما كبيراً في إسرائيل

حضر الملك عبد الله الثاني التمرين، الذي أنفذه لواء الحرس الملكي الآلي، وهو أحد تشكيلات المنطقة العسكرية الوسطى، بحسب بيان نشره الموقع الإلكتروني للقيادة العام للقوات المسلحة الأردنية. 

وجاءت عنواين تحليل الصحف العبرية: لماذا أجرى الأردن تدريبات عسكرية ضدّ غزوٍّ إسرائيلي؟ ولماذا استهدف التمرين التصدي لسيناريوهات غزو الأردن من الجهة الغربية من دون ذكر دولة بعينها، والتي سيكون تفجير الجسور على نهر الأردن عاملا حاسما فيها، وفق التحليل.

وأشار الاعلام الاسرائيلي إلى أنّ التمرين يتماهى بشكلٍ كبير مع الخطاب التعبوي والمعادي لإسرائيل والذي أصبح دارجًا في الإعلام الأردنيّ، خاصّةً مع لهجة الغضب التي يستخدمها العاهل الأردني بعد إعلان بنيامين نتنياهو عن خطة لضمّ وادي الأردن في أيلول (سبتمبر) الماضي.

إذن، الأردن غاضب، ورسالة عسكرة الغضب وصلت بقوة للداخل الاسرائيلي، وبتقديري أن رغبة الملك بالتصعيد واضحة، وتبدو كافة المرجعيات متفقة على ذلك.

ووحدة المسارين الأردني والفلسطيني لا رجوع عنه

المقاربة الأردنية الجديدة تقول ببساطة لم نعد كما تطنون في الجيبة ومضمونون، فقبلات الغرف الدافئة لا تعني التخلي عن ثوابت البلد ومصالحها الاستراتيجية.

والأهم أن الخشونة الأردنية تجاه إسرائيل، يستفاد منها، في تثبيت المواقف الأردنية وتصميغها، وإعلان أنها تساوي الحرب والقتال من أجلها.

من هذه الثوابت: تلازم المسارين الأردني والفلسطيني، لا فكاك ولا طلاق بينها، وما يروج له في بعض دول الخليج عن فصل العلاقة مع إسرائيل عن المسار الفلسطيني هو في العرف الأردني مرفوض وكفر بالثوابت.

نعم السلام الأردني سيرتبط بما يجري على الأراضي الفلسطينية، فهذا التلازم مصلحة عليا أردنية لا يمكن المساس بها، فهي تعادل وتساوي قضية المقدسات والوصاية عليها.

عسكرة الغضب ولا قداسة لوادي عربة

أيضا، رسائل الاردن تقول، ان خيار المعركة مطروح، وانه لم تدفنه "كذبة وادي عربة"، وهنا بدأ الحديث في الشارع الأردني عن عقيدة الجيش التي لم ولن تغادر العداء لإسرائيل.

أما اتفاقية وادي عربة، فهناك تسريبات إسرائيلية تقول إن الأردن سيعلق في حال قررت إسرائيل ضم الأغوار، فالمعاهدة لم تعد من مقدسات السياسة والحكم في الأردن.

أما الرأي العام الأردني فيعيش حالة رضى تامة عن اشتباك الدولة الخشن مع إسرائيل، ولكنه يراقب الأمر ويتابع ويرفض اية انتكاسة في الموقف أو تراجع.

اخيراً، هناك ارتياح عام لدى النخب والعوام على السواء، سببه، أن السلطة في الأردن أدركت حقيقة تعريف مصالح الأردن الحيوية، وانها تنافح عنها بشكل معقول.

TRT عربي