بن سلمان (AA)
تابعنا

تزخر منطقة الشرق الأوسط بالمشاكل، وبالعوامل المزعزعة للاستقرار. وإذا كانت جميعها أو غالبيتها من النوع الذي يمكن إدارته أو التحكم في مخرجاته إلى حد ما، فإن عاملاً واحداً يلوح في الأفق سوف يغير المعادلة، ويقلب كل الموازين التي كانت سائدة في المنطقة منذ عقود. هذا العامل يتعلق بسباق التسلح النووي الذي تغذيه سياسة الولايات المتحدة غير المتسقة تماماً مع المبادئ الدولية في الحد من انتشار السلاح النووي. وعدم الاتساق هذا يظهر من خلال سياستها الصارمة مع إيران، في حين تتساهل مع كل من إسرائيل والسعودية والإمارات.  

حتى اليوم لا يوجد في منطقة الشرق الأوسط قوة نووية غير إسرائيل، وعلى الرغم من أن القادة في دولة الاحتلال الإسرائيلي لم يعلنوا رسمياً عن امتلاكهم للسلاح النووي أو حجم هذا السلاح، فإن الكثير من التقارير تشير إلى أن إسرائيل تملك ما يقرب من 90 رأساً نووياً يعتمد على البلوتونيوم، في حين أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لإنتاج 100-200 سلاح نووي إضافي.

وقد سعت إسرائيل منذ امتلاكها برنامجها النووي في ستينيات القرن الماضي إلى منع أي من القوى العربية في منطقة الشرق الأوسط من امتلاك ليس السلاح النووي بل حتى التكنولوجيا النووية. وقد أصبحت هذه السياسة تعرف باسم "مبدأ بيغن" نسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، الذي سمح في عهده لسلاح الجو الإسرائيلي بقصف مفاعل أوزيراك النووي في العراق في يونيو/حزيران عام 1981.

لقد كان "مبدأ بيغن" ملهمَ السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الملف النووي في المنطقة. ففي وقت مبكر من عام 1979 كتب بيغن إلى رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر للتعبير عن قلقه بشأن التعاون النووي بين باكستان وليبيا، وفي عام 0072 أمر رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت بشن غارة دمرت منشأة نووية كبيرة في سوريا.

وفي عام 2010، وإثر الخلاف المتصاعد بين إسرائيل بزعامة نتنياهو والولايات المتحدة في أثناء إدارة الرئيس السابق أوباما في التعاطي مع الملف النووي الإيراني، أعطى نتنياهو أوامره للقوات الجوية بشن هجوم على منشأة إيران النووية، ولولا الضغط الكبير الذي مورس عليه من قبل البيت الأبيض، والخلاف الكبير في دوائره الأمنية، لكنا رأينا هجوماً إسرائيلياً آخر على أحد البرامج النووية في المنطقة.

وتسعى إيران إلى تطوير برنامجها النووي منذ تسعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من تأكيد القيادات الإيرانية أن برنامجهم للأغراض السلمية فقط، وأن إيران لا تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية لأغراض عسكرية، فإن العديد من الأوساط الدولية، خصوصاً الأمريكية، ترى أن برنامج إيران النووي سوف ينتهي إلى امتلاك إيران القنبلة النووية.

الخشية الدولية من امتلاك إيران للسلاح النووي تنبع من الخوف أن يقود ذلك إلى سباق تسلح في منطقة الشرق الأوسط، ونظراً لطبيعة الأنظمة غير الديمقراطية فيها، هذا فضلاً عن عوامل التوتر الشائكة بين قواها الرئيسية، فإن الخشية من أن تصبح المنطقة ساحة لحرب نووية تصبح مبررة بشكل كبير.

لقد تعالت الآمال بحل سلمي لأزمة برنامج إيران النووي عندما استطاعت إدارة الرئيس أوباما، ومن خلال ماراثون من المفاوضات، التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران من جهة وبين مجموعة 5+1 (التي تضم بالإضافة إلى الولايات المتحدة كلاً من الصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) من جهة أخرى عام 2015.

غير أن مجيء الرئيس دونالد ترمب أعاد الأزمة إلى مربعها الأول، ومن خلال سياسته التي تمحورت حول الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران من جديد، تلاشت تلك الآمال وأصبحت لغة التصعيد هي سيدة الموقف. هناك رأي بدأ يسود في أوساط المراقبين بأن سياسة القوة مع إيران لن تردعها عن امتلاك سلاحها النووي، بل ستجعلها أكثر تصميماً على امتلاك هذا السلاح الذي ستجد فيه الضمانة الوحيدة ضد أي حرب أمريكية محتملة عليها.

وتؤدي إسرائيل، خصوصاً رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، دوراً حيوياً في تصلب سياسة إدارة الرئيس ترمب ضد إيران. وإن كان من المبكر التكهن إلى أين ستقود هذه السياسة في حال تم انتخاب ترمب لولاية ثانية، سواء تجاه الاستمرار في سياسة العقوبات أم الذهاب خطوة أبعد تتمثل في شن عملية عسكرية لضرب منشآت إيران النووية، فإن من المؤكد أن هذه السياسية لن تسهم في حل الأزمة، والحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

وتتعقد المشكلة أكثر خصوصاً مع انطلاق قطار التطبيع وعمليات التقارب بين بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين، والسعودية، وبين إسرائيل. وفي الوقت الذي تتخذ إسرائيل والولايات المتحدة موقفاً صارماً تجاه برنامج إيران النووي، لا يبدو أن الموقف ذاته يتم اتخاذه ضد برامج الرياض وأبو ظبي النووية. ولا شك بأن سياسة الكيل بمكيالين هذه من شأنها أن تحفز أكثر من سباق التسلح النووي في المنطقة.

على سبيل المثال، لم تعرب إسرائيل عن أي معارضة لاتفاق للتعاون النووي السلمي بين واشنطن وأبو ظبي في عام 2009، والذي عمل على تسهيل نقل التكنولوجيا النووية إلى الإمارات العربية المتحدة لبناء مفاعل نووي ادعِي أنه لأغراض مدنية. وقد أصرت إدارة الرئيس آنذاك باراك أوباما على شروط صارمة، بحيث تتخلى أبو ظبي عن التخصيب وإعادة المعالجة. ولكن ذلك لم يمنع المسؤولين الإماراتيين من اقتراح إمكانية إعادة تقييم الصفقة، بعد منح إيران الحق في تخصيب اليورانيوم بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقعته مع القوى العالمية.

في حالة السعودية يبدو الأمر أشد تعقيداً من الإمارات بطبيعة الحال. من الناحية السياسية السعودية لم توافق على التوقيع على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يعزز من قدرة الوكالة على التحقق من الاستخدامات السلمية لجميع المواد النووية. كما أن السعودية لم تستبعد القيام بعمليات التخصيب، الأمر الذي يثير شكوكاً حول سعيها الحقيقي لامتلاك برنامج نووي لأغراض عسكرية.

ويرى بعض الخبراء أن مقاومة السعودية للقيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم واستخراج البلوتونيوم من شأنها أن ترقى إلى إعلان عام بأن المملكة تريد الاحتفاظ بخيار الأسلحة النووية مفتوحاً.

من الناحية العملية، فقد عملت الصين على تقديم مساعداتها للسعودية في بناء منشأة لاستخراج الكعكة الصفراء لليورانيوم، وهو ما يعد إرساء لأسس برنامج تخصيب اليورانيوم. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً في صحيفة الغارديان، قد يكون لدى السعوديين الآن ما يكفي من خام اليورانيوم لإنتاج الوقود النووي.

وقد قاومت الرياض قيود حظر انتشار الأسلحة النووية التي من شأنها أن تمنعها من تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك عندما كان هناك مشاورات من قبل إدارة الرئيس ترمب لتزويد السعوديين بتكنولوجيا الطاقة النووية.

في المحصلة، إن عدم تجانس سياسة الولايات المتحدة تجاه القوى الإقليمية في المنطقة، فيما يتعلق بانتشار التكنولوجيا النووية، من شأنه أن يعرض المنطقة لخطر سباق التسلح النووي، وهو أمر لا يختلف اثنان على أنه غاية في الخطورة، ومن شأنه أن يضع مصير المنطقة ككل على المحك.  

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً