تابعنا
مع تفشي فيروس كورونا في العديد من دول العالم كشفت نتائج تقرير دولي نشر مؤخراً أن الولايات المتحدة هي أكثر الدول التي تبذل جهوداً في مكافحة انتشار الأوبئة ذات الطابع العالمي، فيما احتلت السعودية قائمة الدول العربية وجاءت مصر في المركز التاسع عربياً.

ويقيّم Global Health Security Index مؤشر أمن الصحة العالمي (GHS) الذي يشمل 195 دولة حول العالم، قدرتها على منع الأوبئة والتخفيف من حدتها. ويعتمد ترتيب مؤشر GHS بالكامل على البيانات التي توفرها البلدان المذكورة من تلقاء نفسه أو البيانات المتوفرة عنها لدى المنظمة الدولية، وعمل القائمون على مشروع GHS مع فريق استشاري دولي مكون من 21 خبيراً من 13 دولة لتكوين 140 سؤالاً، تشمل ست فئات و34 مؤشراً و85 مؤشراً فرعياً لتقييم قدرة الدول على مواجهة تفشي الأوبئة.

وتشمل هذه الفئات قدرة الدول على "منع" نشوء مسببات الأمراض وانتشارها، و"الاكتشاف المبكر والإبلاغ عن الأوبئة ذات الاهتمام الدولي"، ومدى "الاستجابة السريعة" والتخفيف من حدة انتشار المرض، ومدى قدرة "النظام الصحي" على معالجة المرضى وحماية العاملين في القطاع الصحي، و"الامتثال للمعايير الدولية"، ومدى "خطر" وقوع الدول في وجه التهديدات البيولوجية".

وتشير النتائج إلى أن "الجاهزية" الدولية لمكافحة تفشى الأوبئة ضعيفة نوعاً ما، ولا توجد دولة في العالم "مستعدة كلياً" لها، وكل الدول لديها "فجوات يجب أن تعالجها". كما أشار التقرير إلى الضعف الكبير في قدرة الدول الفقيرة على منع الأمراض واكتشافها وقدرتها على الاستجابة للطوارئ الصحية، وأرجع ذلك إلى الفجوات العميقة التي تعاني منها الأنظمة الصحية في الدول الأفقر وتحديداً الدول الإفريقية.

ماذا لو تفشى فيروس كورونا في القارة الإفريقية؟ تجارب القارة الأفقر عالمياً مع الأوبئة والأمراض هي تجارب كارثية خلفت وراءها آلاف القتلى والمصابين. فمن عام 2014 إلى عام 2016 حصد فيروس إيبولا أرواح أكثر من 11 ألف مواطن إفريقي في سيراليون وليبيريا، وفشلت كل محاولات السيطرة على هذا الفيروس مع الضعف الكبير في المنظومة الصحية، أضف إلى ذلك ضعف الخدمات الصحية بشكل كبير وغياب التوعية الصحية وطرق التعامل مع الإصابة بالفيروس.

صحيفة بلومبرج البريطانية ذكرت في تقرير لها أن دول القارة الإفريقية هي الخاسر الأكبر من تفشي فيروس كورونا من الناحية الاقتصادية، نظراً إلى الصلات الوثيقة بين إفريقيا والصين ما يزيد من صعوبة منع الرحلات الدورية بين الصين منبع كورونا وبين العديد من الدول الإفريقية التي تحتاج إلى إتمام الشراكات الاقتصادية الكبيرة بينها وبين إمبراطورية الصين الاقتصادية، لتصبح إفريقيا تحت الضغط الاقتصادي عرضة لانتشار هذا الفيروس الذي لم يتضح بعد إن كان الطقس الإفريقي الحار كافياً للقضاء عليه والحد من انتشاره أم لا، مع إعلان نيجيريا عن أول حالة مصابة بهذا الفيروس لشخص قادم من إيطاليا.

رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس عبّر للمشاركين في اجتماع وزراء الصحة الأفارقة في أديس أبابا نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، عن أمله أن يساعد هذا الاجتماع في التوحد معاً كقارة في التصدي بقوة لهذا الفيروس، ولكن تبقى المشكلة الحقيقية احتمالية أن ينتشر فيروس كوفيد-19 في دول بها منظومة صحية ضعيفة كغالبية الدول الإفريقية، والسبب هو أن أجهزة دعم التنفس المستخدمة لتوفير الرعاية المركّزة للمرضى المصابين بفيروس كورونا غير كافية في كثير من الدول الأفريقية.

نحن نتعامل الآن مع فيروس لا يحترم الحدود ولا يفرّق بين الأجناس والأعراق ولا يهمه حجم الناتج المحلي الإجمالي في الدولة ولا مستوى التنمية، ولذلك فقد حثّ رئيس منظمة الصحة العالمية كل دول العالم على الاستعداد لمواجهة فيروس كورونا عبر الأخذ بعين الاعتبار أربعة سيناريوهات محتملة والتعامل معها جميعاً بنفس الوقت: الاستعداد لاكتشاف أول حالة، والاستعداد لاكتشاف مجموعة من الإصابات، وتحديد أول دليل على انتقال الفيروس في المجتمع، والتعامل مع الانتقال، وهذا ما يمكن أن نسميه الجانب الاستراتيجي لمواجهة التفشيات الوبائية علمياً، ولكن الواقع يختلف إلى حد كبير في الكثير من الدول الإفريقية، إذ يخضع لممارسات أخرى لا علاقة لها بالسيناريوهات الأربعة التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية.

على سبيل المثال، مصر التي أعلنت وزيرة الصحة فيها أنه لا وجود لفيروس كورونا وأنها خالية تماماً من أي حالة إصابة، فوجئنا جميعاً بوزير الصحة الفرنسي يعلن عن ست حالات جديدة مصابة بفيروس كورونا وكلها قادمة من مصر بعد قضائهم زيارة سياحية. تايوان أيضاً أعلنت عن حالة مصابة بكورونا قدمت من مصر، ثم أعقبتهم كندا لتعلن هي الأخرى عن حالة جديدة لمواطن وصل للتو من مصر. فكيف واجهت مصر هذا الأمر؟

مبادرة رئاسية بعودة المصريين العالقين في مدينة ووهان الصينية وسرعة إعداد فندق للحجر الصحي لجميع المصريين العائدين ومستشفى للعزل الطبي للمصابين منهم، في فترة قياسية لا تتجاوز 48 ساعة فقط. تبعه خروج وزيرة الصحة وكبار المسؤولين في مظاهرة إعلامية لاستقبال العائدين في المطار. ثم تصريحات يومية عن المتابعات الصحية والمعيشية لهم، وبلغ الأمر ذروته بإقامة حفل توديع لهم عند انتهاء فترة الأسبوعين السابق تحديدها للبقاء في الحجر الصحي، وكان يبدو واضحاً أن الحكومة المصرية قد اعتبرتها حالة نجاح تعنى السيطرة على المرض العابر للقارات.

الفشل المصري في التعامل مع السيناريوهات الأربعة التي طالبت بها منظمة الصحة العالمية ينذر بمخاطر جمة في احتمالية تفشي هذا الفيروس في بلد إفريقي وعربي تعداده تجاوز مئة مليون نسمة منذ أسابيع. ولكن يبدو أن وزيرة الصحة المصرية قررت التعامل مع كورونا بطريقة مختلفة، فأعلنت عن زيارة مفاجئة إلى منبع الفيروس هناك إلى الصين، علها تعود بمصل أو طريقة للعلاج من كورونا.

وهذا الفشل ربما لا يشمل مصر فقط، ولكن دولاً عربية أخرى وربما العديد من دول العالم الثالث، وإذا كان انتشار فيروس كورونا يعود بالأساس إلى أسباب بيولوجية تتعلق بتركيبته الكيميائية، فإن ضعف الإمكانيات اللوجستية في التعاطي معه خصوصاً في الدول التي لا تتمتع ببنية تحتية صحية متينة قد يجعل هذا الانتشار مضاعفاً ويصعّب السيطرة عليه على المدى المنظور.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً