تابعنا
اعتاد العدو الصهيوني على فرض الأمر الواقع في فلسطين حتى قبل إعلان كيانه الغاصب عن طريق عصاباته الإرهابية التي أطلقها منذ بدايات القرن التاسع عشر ليكرس هذه السياسة على مدار احتلاله المتدرج للأرض الفلسطينية.

ولم تمنعه اتفاقات أوسلو عام 1993 ولا علاقاته التطبيعية مع الدول العربية من الاستمرار في سياسات الاستيطان والتهجير والضم وغيرها مستخدماً قوته وإرهابه وتحالفه مع الولايات المتحدة وعجز الأمم المتحدة الفاضح.

وكان دائماً ما يتم إجهاض الهبات والتحركات الجماهيرية من قبل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية التي شكلت ذراع الاحتلال للحيلولة دون اندلاع انتفاضات.

خطة ضم موسعة

ولم يكن نتنياهو ليعلن عزمه ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل تشكيل حكومته وبعدها لولا أن توفرت له ضمانات بتطبيق الخطة دون عوائق أو ردود فعل رسمية سلبية، وهي:

أولاً: عدم معارضة شريكه في الائتلاف الحكومي.

ثانياً: دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لها بما يضمن عدم إدانتها في مجلس الأمن.

ثالثاً: تواطؤ دول عربية محددة على تمرير الخطوة ومحاولة إضعاف الموقف الأردني المعارض لها لأنها تعزز سيناريو الوطن البديل.

رابعاً: كل ما سبق يجعل المعارضة الأوروبية لهذه الخطوة غير فاعلة في منعها أو وقفها.

ومن المرجح أن تذهب حكومة نتنياهو إلى خيار الخطوة الواحدة الموسعة بضم أراضي غور الأردن ومناطق (ج) من الضفة الغربيةالتي تشمل المستوطنات وما يحيطها، وذلك لاستغلال الظرف الراهن قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي ترمب الذي أطلق ما سمي بصفقة القرن التي تشكل غطاء للإجراء الإسرائيلي.

إلا أن أكثر ما يثير قلق العدو هو ردود الفعل الفلسطينية داخل الأرض المحتلة، والتأثير المحتمل لذلك على دور ومكانة بل وحتى استمرار السلطة الفلسطينية التي تشكل ذخراً استراتيجياً للعدو لكبح جماح الفلسطينيين، ومنعهم من مقاومة العدو بالأشكال كافة،ومنها الانتفاضات العارمة التي تصل مناطق التماس مع العدو.

تهديد واستمرار التعاون

رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الإعلان الإسرائيلي بالإعلان عن انسحاب السلطة من الاتفاقات الموقعة مع أمريكا وإسرائيل، ويشمل ذلك طبعاً اتفاقات التنسيق الأمني. ولكن كل السلوك السابق والحالي على الأرض يقول إن السلطة لم تتخل يوماً عن التعاون الأمني مع الاحتلال والذي يشكل الرابط الأقوى والأعمق معها منذ اتفاق أوسلو 1993، حيث تشكل فيه أجهزتها الأمنية مع الاحتلال غرفة عمليات مشتركة للتصدي للمقاومة، ما أثمر بالفعل عن خفض كبير في عمليات المقاومة، واعتقال وقتل مقاومين كثر.

ولم يوضح عباس كيفية تطبيق الاتفاق فيما أكد مسؤولون أمنيون من الطرفين استمرار العمل بالتعاون فيما بينهم.

وإذا كانت الاتفاقات السياسية لم تعد تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه، فإن وقف الاتفاقيات الأمنية يتطلب تفاهمات تتعلق بمعيشة الفلسطينيين الحياتية اليومية، وتنقلات قيادات السلطة، وحركة فتح لا يمكن أن تتم بدون التعاون مع العدو الصهيوني.

ولذلك لا تشكل هذه التصريحات أي قيمة حقيقية في الواقع، أو رادعاً حقيقياً للاحتلال، ولا يوازي وقعها عند العدو وقع عملية واحدة لفلسطيني متسلح بسكين مطبخ.

التصدي للخطة.. الإمكانات والفعل

إن الشق الأخطر في الضم هو تحويل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى جزء من أرض الكيان التي احتلها عام 1948، وهو تحول مهم في مجرى الصراع، يقتضي إبطاله بتحركات سياسية وقانونية، إلا أن الأجدى هو مواجهة الخطة على الأرض، وتدفيع الاحتلال ثمناً عالياً جراءها.

فهذه الخطة ستلحق أضراراً فادحة بنحو ربع مليون فلسطيني يعيشون في المنطقة (ج) التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وأخطرها ترحيلهم من مساكنهم، أو تحويلهم لمواطنين من الدرجة الثانية أو معاملتهم كما يعامل أهل القدس بكل إجراءات التضييق المفروضة عليهم.

وإذا كان من الممكن الحفاظ على تواصل جغرافي بين المدن والبلدات الرئيسية في مناطق (أ) و (ب) فإن نحو 170 تجمعاً سكانياً سيحتاج إلى طرق تخضع للأمن الإسرائيلي لربطها بالكتلة الرئيسية بكل ما يعنيه ذلك من زيادة معاناة الفلسطينيين.

ويعيش في نفس المنطقة نحو 400 ألف مستوطن بحراسة جنود الاحتلال، ما يجعل الفرصة سانحة للاشتباك المباشر مع العدو ومقاومته بكل ما هو متاح.

وتحقق المقاومة هنا أهدافاً مثل: عرقلة خطط الاحتلال على الأرض، ومنعه من التمادي في فرض الواقع على الأرض، وجعله يدفع ثمناً باهظاً لاحتلاله، وإدامة الصراع مع المحتل، وفتح آفاق تطوير وسائله.

وفي مناطق السلطة فإن المهمة الوطنية تقتضي مواجهة العدو في خطوط التماس، وإفشال خطة التنسيق الأمني بما يعيد الصراع إلى مربعه الحقيقي دون الالتفات لموقف السلطة المعروف التي سيتعين عليها حينئذ حسم موقفها إما بالانحياز لشعبها وخياراته الوطنية أو التواطؤ مع العدو لإجهاض التحرك الشعبي والمقاوم.

خارطة مرتجاة للتحرك

وبصرف النظر عن الموقف العربي الذي بدا بعد صفقة القرن أكثر تساوقاً مع جهود تصفية القضية، فإن الفلسطينيين سيشكلون حجر الرحى في المواجهة بما يحمّل القوى الفلسطينية غير المنضوية في مشروع التسوية الفاشل مسؤولية تاريخية للتحرك بتصعيد المقاومة، وتشكيل مرجعية وطنية فلسطينية من الفصائل والشخصيات للنضال وصياغة محددات وأهداف ووسائل محددة له.

ومن أولى المنطلقات اعتبار أن الشعب الفلسطيني لا يزال في مرحلة تحرر، واعتماد المقاومة الوسيلة الاستراتيجية لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في التحرر والعودة.

فهل تلجأ هذه القوى لتجاوز السلطة بعد أن فشلت المصالحة في الوصول إلى توافق معها على المقاومة؟ وهل تتجاوز الانقسام برغبة وطنية تشمل من يوافق عليها؟

إن أي إطار مرجعي ينبغي أن يخطط لإدارة الوضع الداخلي الفلسطيني، وبلورة بديل اقتصادي عن الاحتلال من خلال شبكة علاقات شعبية ورسمية، والعمل من خلال المحافل الدولية سواء من خلال إطار منظمة التحرير أو من دونها.

فلا يمكن رفع مستوى الصراع مع العدو الصهيوني، إلا بتحرك فلسطيني منظم، تتحمل حماس مسؤولية كبيرة بحكم امتلاكها شبكة علاقات خارجية جيدة.

لا بديل عن المقاومة

ولنا أن نتوقع توصل المجموع الوطني لأنجع السبل للمقاومة بما قد يشمل التنسيق بين أذرعتها العسكرية، وتشكيل تكتلات شعبية تقود النضال الشعبي، وتعمل على تحريك الجماهير للوصول لانتفاضة منظمة ضد العدو تحاكي انتفاضات 1987 و2000 وتتجاوز سلبياتهما.

كما نفترض أن تحتل قضية القدس والدفاع عنها والتصدي للتهويد الإسرائيلي فيها أولوية متقدمة في الصراع، سواء بتحركات أهلها ودعم الفلسطينيين في الضفة وغزة والشتات، ودعم الأمة العربية والإسلامية.

والمرجو أيضاً بقاء دور غزة السياسي وفي المقاومة حاضراً بقوة، وعاملاً مهماً في إرباك العدو وإشغاله عبر أكثر من جبهة.

ويتوقع أن يشكل تحريك دفة الصراع من الداخل الفلسطيني تحفيزاً للجماهير العربية التي بدورها ستشكل غطاء للمقاومة، ومنع إجهاضها من قبل السلطة والأنظمة العربية، وعائقاً أمام مسيرة التطبيع العربية التي تسعى لإنهاء القضية وتصفيتها.

والمؤمل استمرار مؤسسات الشتات الفلسطيني بتحريك قضية عودة اللاجئين، وتشكيل مؤسسات داعمة للنضال الفلسطيني في مختلف الدول.

فهل تتحقق هذه التطلعات التي تدور في عقل كل مخلص لفلسطين في المرحلة المقبلة في سبيل مواجهة التغول الصهيوني الكبير بعد صفقة القرن المدمرة؟

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً