تابعنا
مع اقتراب جو بايدن من دخول البيت الأبيض يوماً بعد يوم بعد أن بات من شبه المؤكد أن جميع محاولات الرئيس ترمب للطعن في نتائج الانتخابات باءت بالفشل، يتزايد القلق في بعض عواصم المنطقة خصوصاً تلك التي كانت تربطها علاقات مميزة مع الرئيس ترمب وأفراد عائلته.

وحتى لا نذهب بعيداً بالتنبؤ فالحديث هنا يدور عن الرياض وتحديداً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وفر له صهر الرئيس ترمب جاريد كوشنير غطاء حديداً لممارسة سياسات توصَف بالتهور، كالحرب على اليمن واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، هذا فضلاً عن السجل السيئ في حقوق الإنسان المتعلق بسجن الناشطين السياسيين وتعذيبهم.

منبع القلق السعودي من بايدن يتأتى من بعض تصريحاته التي كررها بلا مناسبة حول عدم نيته بيع السلاح للسعودية على خلفية حربها في اليمن، أو أنه لن يتستر على محمد بن سلمان في انتهاكاته لحقوق الإنسان. هذا فضلاً عن توجهات الرجل العامة التي أكد فيها تطلُّعه إلى تعزيز الديمقراطية في العالم وهو الأمر الذي يتنافى تماماً مع توجهات غالبية الأنظمة في المنطقة ومنها النظام السعودي، التي توصف بأنها شمولية بحتة. 

فهل يتخلى بايدن عن السعودية؟ 

الإجابة عند الكثير من المراقبين "لا" والسبب لديهم يعود إلى أن سياسة التخلي لا تأتي عادة بالنتائج المرجوة. ونظراً إلى المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، فإن سياسة التخلي عن السعودية ربما تضر بها. قد يعمد الرئيس بايدن إلى الوقوف في مسافة وسط، بين سياسة التخلي التي ظهرت إلى حد ما أيام الرئيس أوباما وبين سياسة "الشيك المفتوح" التي اتبعها الرئيس ترمب. 

قد يعمل الرئيس بايدن على تجنُّب سياسة سلفه الرئيس أوباما خصوصاً أثناء ولايته الثانية التي قُرِئتْ خليجياً وسعودياً على وجه التحديد بأنها سياسة تَخَلٍّ عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين بالمنطقة. كان ذلك بعد أن دعمت إدارة الرئيس أوباما ثورات الربيع العربي إلى حد ما، وتخلت عن حليفها القوي آنذاك حسني مبارك. وتعزز القلق الخليجي بعد ذلك عندما ذهب الرئيس أوباما إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 من دون التشاور والتنسيق مع حلفائه ومن دون وضع ما يلزم من ضمانات تخفف من حدة قلقهم خصوصاً تجاه سياسة إيران في المنطقة، التي يرونها تهديداً جوهرياً لأمنهم القومي.   

سياسة التخلي وفق رأي هذا الفريق ربما تعطي نتائج عكسية أيضاً، وذلك من خلال دفع السعودية نحو الاعتماد أكثر على بعض الدول الصاعدة وعلى رأسها الصين، خصوصاً في ظل التقارير التي تتحدث عن الشراكة الثنائية بين البلدين في تطوير البرنامج النووي السعودي. إن سياسة التخلي عن السعودية بناء على ذلك سوف يزيد من حدة التوتر الإقليمي ويزيد من سباق التسلح النووي بين دول المنطقة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضع مستقبل المنطقة كلها على المحك. فالولايات المتحدة التي عملت طويلاً على تجنيب المنطقة سباقاً نووياً لن تكون مسرورة أن تكون السعودية وبناء على سياسة التخلي هي التي تشعل هذا السباق.   

ما يدعم عدم ذهاب بايدن أيضاً إلى اعتماد سياسة التخلي عن السعودية هو الأهمية الاستراتيجية التي لا تزال تتمتع بها السعودية في المنطقة. فيوجد العديد من الملفات الإقليمية، من الحرب على الإرهاب إلى التطبيع مع إسرائيل، لا يمكن التعاطي معها من غير انخراط مباشر وفعّال من السعودية. فلا تزال السعودية، شئنا أم أبينا، لاعباً محورياً في المنطقة، ولا بد من التفاهم معها وعدم الالتفاف عليها. 

لا أعتقد أن بايدن ستكون لديه مشكلة مع السعودية كدولة بقدر ما هي مشكلته مع محمد بن سلمان، ولذلك فإن الخطوة الأولى في إعادة تحديد شكل العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ستبدأ من احتواء بن سلمان والحد من نفوذه داخل العائلة المالكة. وربما تفضل إدارة بايدن التعامل مع الحرس القديم في الرياض من أمثال الأمير محمد بن نايف (هذا إذا لم يتخلص منه بن سلمان).

إن النخبة الحاكمة في السعودية تدرك تماماً أن تحالفها مع الولايات المتحدة لا يشكل مجرد اختيار، بل هو مسار جوهري لبقاء السعودية كدولة وبقاء نفوذها في المنطقة. ولتجنُّب المواجهة مع إدارة بايدن ربما تذهب هذه النخبة الحاكمة إلى الضغط باتجاه ترميم صورة السعودية في المجتمع الدولي، بداية من خلال احتواء ابن سلمان وإنهاء بعض الملفات العالقة كالحرب على اليمن على سبيل المثال والحصار المفروض على قطر. وقد بدأت التقارير في الأيام الأخيرة تتحدث عن قرب إنهاء ملف الحصار على قطر، وعودة العلاقات معها إلى وضعها الطبيعي.

إذن ستعمل السعودية على إحداث بعض الترميمات في سياستها الداخلية والخارجية حتى تتجنب الفتور مع إدارة الرئيس بايدن أو حتى دوائر صنع القرار في واشنطن وعلى رأسها الكونجرس الذي بات المزاج العام فيه يرى السعودية عبئاً على الولايات المتحدة. في المقابل ستعمل إدارة بايدن على اعتماد مقاربة الانخراط الذكي مع السعودية بالحفاظ عليها ضمن دوائر الحلفاء المقربين للولايات المتحدة، مع السعي لتعديل سلوكها سواء مع بن سلمان أو غيره.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRT عربي

TRT عربي
الأكثر تداولاً