تابعنا
بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تاريخ حافل من الهجمات السيبرانية المتبادلة ما يجعل احتمالية أن تلجأ إيران لشن هجمات إلكترونية على أهداف أمريكية رداً على اغتيال قاسم سليماني أمراً وارداً.

لقد وجهت الولايات المتحدة صباح يوم الجمعة3 كانون ثاني/ يناير ضربة موجعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية باغتيالها واحد من أرفع جنرالاتها العسكريين وهو قاسم سليماني الذي ينسب له النجاح المتمثل بتقوية النفوذ الإيراني في المنطقة العربية من اليمن وحتى لبنان مروراً بالعراق وسوريا وفلسطين من خلال تشكيل فصائل مسلحة تدين لإيران بالولاء.

بعيد الحادثة مباشرة تصاعدت التكهنات ليس حول إذا ما كانت إيران سوف ترد على هذه الضربة الموجعة لها بل كيف سترد وأين؟ وإن كان من الصعب التكهن بحجم وطبيعة الرد وتوقيته نظراً لتعقد المشهد وانفتاح المنطقة على كافة السيناريوهات. فإن استبعاد أن تكون إحدى جبهات الرد عبر الهجمات السيبرانية لن يكون واقعياً وذلك بالنظر إلى حجم التطورات الكبيرة التي حققتها إيران على مستوى الهجمات السايبرانية في السنوات الأخيرة حتى غدت واحدة من أبرز الدول في هذا المجال. وباتت حتى الولايات المتحدة تحسب لها حساباً حيث وردت بشكل صريح في الاستراتيجية الأمنية السايبرانية للولايات المتحدة والتي أفرج عنها مؤخراً كواحدة من الدول التي تشكل خطراً سايبرانياً على الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية. 

إن استهداف إيران للولايات المتحدة عبر هجمات سايبرانية يبقى وارداً بقوة وذلك نظراً لتاريخ الصراع بينهما المفتوح منذ فترة طويلة في هذا المضمار والذي كانت بدايته الحقيقة مع عملية "الألعاب الأولومبية" التي خططت الولايات المتحدة من خلالها لضرب مفاعلات إيران النووية الأكثر تطوراً في منشأةNataz بدودة إلكترونية سميت لاحقاً بـ Stuxnet والتي مثلت حينها السلاح السيبراني الأكثر تقدماً على الإطلاق.

كان ذلك منذ ما يقرب من العشر سنوات وتحديداً في نهاية عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن الذي كان يحاول البحث عن بدائل غير عسكرية للتعامل مع المشروع النووي الإيراني. عندها جاء له مستشاروه من وكالة الأمن القومي NSA بمشروع الهجمات الإلكترونية عبر تطوير سلاح سايبراني فتاك. وعندما لم يكتمل المشروع في ولايته، فقد أوصى به شخصياً لخلفه الرئيس السابق باراك أوباما الذي أقره وأمر بتنفيذه ليشكل بذلك الاستخدام الأول عالي النطاق في تاريخ الحروب السايبرانية. فقد كان سلاحStuxnet من القوة بحيث عده الكثير من الخبراء بأنه سلاح الدمار الشامل السايبراني.

أصابت هجمات Stuxnet ثلثي أجهزة الطرد المركزي في منشأة Nataz بالعطب. وقد قدر الخبراء حينها بأن المشروع النووي الإيراني قد تأخر بفعل هذه العملية ما يقرب من الثلاثة سنوات. لقد أصيب إيران حينها بالدهشة ليس لأن الهجمات هي الأكبر من نوعها حتى ذلك التاريخ، وليس لأن الهجمات عطلت مشروعها النووي لبعض الوقت، بل لأن هذا السلاح اخترق جميع أنظمتها الأمنية، ونفذ المهمات الموكلة إليه والإيرانيين لا يشعرون بشيء.

كان العلماء الإيرانيون في غفلة تامة، ولم يدروا أبدا ما الخلل الذي بات يصيب أجهزة الطرد المركزي التي انفجرت فجأة بدون أي مؤشرات على عطب واضح. ولولا أن الفايروس قد تسرب من أجهزة الحاسوب في منشأة Nataz لصيب ما يقرب من 2500 جهاز آخر حول العالم على غير ما كان مخطط له، لما علم الإيرانيون ربما بما قد حدث، وهذا كان جزء من العملية.

لم يكُن الرد الإيراني ليتأخر بعد اكتشاف أمر هذا الفيروس المتطور الذي كان حصيلة جهد مشترك بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، خصوصاً الوحدة 8200، إذ قامت إيران باستهداف شركة أرامكو السعودية بهجمات سيبرانية أقل تطوراً ولكنها كانت فعَّالة، ففي شهر رمضان، تحديداً في ليلة القدر 15 أغسطس/آب 2012، شنّ مجموعة من الهاكرز الإيراني هجمات سيبرانية على حواسيب شركة أرامكو، الأمر الذي أدَّى إلى مسح بيانات ثلاثة أرباع أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالشركة بما فيها المستندات وجداول البيانات ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها، وتم استبدال واجهة الحواسيب المستهدفة بصورة علم أمريكي محترق.

وإذا كان مقال واحد لا يعد كافياً لسرد التاريخ الطويل من الهجمات السايبرانية المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران فإن التذكير في آخر هذه الجولات يعد كافياً. فبعيد الاستهداف الكبير الذي أصاب حقول تكرير النفط التابعة لشركة أرامكو في شهر سبتمبر/أيلول 2019 والذي اتهمت فيه الولايات المتحدة والسعودية إيران بالمسؤولية عنه، وفي ردها على اسقاط طائرة الاستطلاع من غير طيار الأكثر تطوراً لدى الجيش الأمريكي من قبل إيران، قامت الولايات المتحدة بشن هجمات سايبرانية على إيران حسبما أوردت وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم. وقد أصابت هذه الهجمات منصات إطلاق الصواريخ لدى الإيرانيين. 

هذا وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت أنه وفي وقت سابق من ذات العام وتحديداً في حزيران/يونيو قامت الولايات المتحدة بشن هجوم سايبراني سري ضد إيران هدف إلى القضاء على قاعدة بيانات مهمة كان يستخدمها الحرس الثوري الإيراني للتخطيط لشن هجمات على ناقلات النفط وهو ما أدى إلى تدهور قدرة طهران على استهداف حركة الشحن البحري في الخليج لبعض الوقت على أقل تقدير حسب مسؤوليين أمريكيين كبار نقلت عنهم الصحفية هذه الأخبار. 

لا يوجد ما يمنع أن يكون الرد على اغتيال الجنرال قاسم سليماني سيبرانيّاً إذاً، ولكن بالتأكيد لن تَقنع إيران وتكتفي بذلك، فحجم الضرر الذي أصاب كبرياءها في اغتيال سليماني، والطريقة العلنية التي تمّت بها عملية الاغتيال عبر استهداف سليماني بصواريخ من طائرة دون طيار، سيجبرها على الرد بطريقة تحفظ لها ماء الوجه. فالهجمات السيبرانية في هذا المجال لا تكفي لأنها تحدث في السرّ، وغالباً لا تلفت انتباه الرأي العامّ. لذلك قد تلجأ إيران إلى انتهاج ردّ مزدوج يجمع بين الرد التقليدي بضرب أحد الأهداف الأمريكية والرد السيبراني بهجمات إلكترونية متطورة، وهذا الجمع هنا لا يُعَدّ استثناءً، فقد قامت به روسيا سابقاً إبان هجومها على جورجيا عام 2008.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً