وسط انحراف أوروبا عن طريق الحرير.. كيف تعزّز تركيا نفوذها التجاري بالمتوسط؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

على هامش زيارته لكوريا الجنوبية نهاية يوليو/تموز، أكّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن العالم يمر بأيام تشهد بوادر تحول دائم في النظام الدولي. وقال فيدان: "بعد خمسة قرون، أصبحت آسيا مركز العالم للإنتاج والتكنولوجيا والابتكار والتجارة. وبينما يفقد العالم الغربي موقعه المركزي، نرى أن مركز ثقل السياسة العالمية يتحول إلى الشرق. وبطبيعة الحال، تزيد هذه التطورات الاهتمام والمنافسة بآسيا".

انطلاقاً من هذه الرؤية، واستمراراً في تبنّي سياسة الحياد وعدم الاصطفاف مع اشتعال المنافسة التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تستعد تركيا وسط هذه البيئة المتغيرة لتعزيز نفوذها التجاري في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي والفريد الذي يربط الشرق بالغرب.

وبينما يكافح بعض الدول للموازنة بين علاقاتها مع الولايات المتحدة والاستفادة من المزايا التجارية مع الصين من ناحية أخرى، يبدو أن إيطاليا -التي كانت أول دولة في مجموعة السبع تدعم مشروع طريق الحرير الصيني- تخطّط للانسحاب من الاتفاقية مع بكين، وفقاً لتقرير نشره موقع TRT Haber.

الابتعاد عن محور بكين

تحت ضغط الولايات المتحدة، وعلى عكس أسلافها، تعطي رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إشارات للابتعاد عن محور بكين. وحسب عضوة هيئة التدريس في جامعة ALKÜ ديرين دوغان، كانت تصريحات ميلوني قبل قدومها إلى السلطة عام 2020 تنادي في الواقع بتغيير سياسة بلادها تجاه الصين.

وبينما لم تتردّد ميلوني في التعبير عن رأيها بأن التجارة مع الصين ضد بلدها، اتخذت روما خطوة ضدّ الصين من خلال مخاطبة ممثل تايوان في إيطاليا، التي أسّسَت معها مجموعة صداقة من خلال زيادة العلاقات الدبلوماسية، بصفته "سفيراً".

كما سبق أن أشارت رئيسة الوزراء الإيطالية إلى شهر ديسمبر/كانون الأول موعداً للخروج من طريق الحرير في اجتماعها مع الرئيس الأمريكي بايدن. يُذكر أنه إذا لم تطلب روما انسحاباً رسمياً بحلول هذا التاريخ، فسيُجدَّد المشروع تلقائياً.

بالإضافة إلى تحركات إيطاليا الأخيرة، قررت مجموعة السبع في منتصف العام الماضي مواجهة مشاريع توسع الاقتصاد الصيني في العالم، وعلى رأسها مبادرة "الحزام والطريق" التي تنظر إليها أوروبا بعين الحذر. في هذا الصدد قررت المجموعة "جمع 600 مليار دولار بحلول 2027، للاستثمارات في البنية التحتية العالمية"، إذ سيوفر المشروع الذي سُمّي "البوابة العالمية" أواخر عام 2021، هيكلاً لدول مجموعة السبع لتوحيد مواردها لتمويل الاقتصادات الناشئة من أجل وقف التوسع الاقتصادي الصيني داخلها.

من ناحية أخرى، تشعر إدارة بكين بالقلق من أن انسحاب إيطاليا من المشروع سيخلق تأثير الدومينو وسيُعرقَل مشروع طريق الحرير.

تركيا تزيد نفوذها بالمتوسط

وفقاً للخبراء، قد يفتح هذا الوضع المحتمل مساحة لتركيا. فقد يؤدي ابتعاد إيطاليا ومعها المعسكر الغربي إلى زيادة أهمية تركيا في البحر الأبيض المتوسط، لا سيما وأنها في موقع الدولة الأكثر فائدة في هذا التوازن العالمي المتغير. فيما تؤكد دوغان أن الاستراتيجيات التي تتبعها إيطاليا واليونان بتأثير من الولايات المتحدة مع الصين من شأنها أن تفتح أبواباً لوجستية أوسع لتركيا في حوض المتوسط.

ولطالما كان موقع تركيا الجغرافي الممتد بين قارتين، أوروبا وآسيا، أحد الأصول المهمة لطموحاتها التجارية. موقعها الاستراتيجي على مفترق طرق التجارة الرئيسية يضعها كجسر طبيعي بين الشرق والغرب، مما يسمح بحركة سلسة للسلع والخدمات.

وتتمتع تركيا بخط ساحلي واسع على طول البحر الأبيض المتوسط، بحضور بحري قوي، مما يسهل التدفقات التجارية مع دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، في حين تعزز البنية التحتية للنقل المتطورة في البلاد، بما في ذلك المواني والطرق السريعة والسكك الحديدية التي أنشأتها حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة طوال أكثر من عقدين، من اتصالها.

فقد أدى تحديث وتوسيع المواني التركية وربطها بخطط السكك الحديدية والطرق السريعة إلى تحويل تركيا إلى مركز لعمليات إعادة الشحن والأنشطة اللوجستية، فضلاً عن إنشاء مناطق التجارة الحرة (FTZs) في موقع استراتيجي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلى إتاحة الحركة الفعالة للبضائع داخل البحر الأبيض المتوسط وخارجه.

بدائل لوجستية تركية

وبينما يتراجع دور طريق الحرير الصيني، والممرَّين الشمالي عبر الأراضي الروسية والجنوبي عبر قناة السويس، في نقل البضائع إلى أوروبا، بسبب الحرب التجارية أو الحرب الأوكرانية أو بُعد المسافة، تزداد أهمية الممر الأوسط وبقية الممرات التجارية التي تمر عبر تركيا.

ويُعتبر "الممر الأوسط" بين الصين وأوروبا طريقاً جديداً متعدد الوسائط، إذ سيمر عبر قيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان. وبعد عبور بحر قزوين بالعبّارة ستُنقَل البضائع والحاويات إلى تركيا من خلال استخدام خط سكة حديد باكو-تبليسي-قارص وصولاً إلى تركيا، ومنها عبر نفق مرمراي أسفل مضيق إسطنبول في إسطنبول، سيواصل القطار طريقه إلى أوروبا.

وبجانب الممر الأوسط، يوجد مشروع طريق التنمية المكوَّن من خط سكة حديد وطريق سريع بطول 1200 كيلومتر، وسيبدأ من الخليج ويمر عبر مدن العراق المهمة وصولاً إلى تركيا فأوروبا. وهو المشروع الذي من شأنه أن يزيد أهمية الممر الأوسط ويجعله منافساً قويّاً لطريق الحرير الصيني.

وختمت ديرين دوغان حديثها بقولها: "في الواقع، نحن نتحدث عن مكان تعمل فيه تركيا كقاطرة. إنها نقطة مهمة للغاية بحجم تجارة يصل إلى 600 مليار دولار".

TRT عربي
الأكثر تداولاً