كيف تتجاهل حكومة ماكرون أزمة المشرَّدين؟ / صورة: InfoMigrants (InfoMigrants)
تابعنا

تضرب فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة موجة صقيع قاسية. ونشرت وكالة الأرصاد الجوية الفرنسية نشرة إنذارية يوم الأربعاء، تحذر فيها السكان من استمرار موجة الصقيع في المناطق الشمالية والغربية والوسطى للبلاد، إذ ستبلغ درجات الحرارة مستويات متدنية تحت الصفر مع تساقطات مطرية وثلجية وتراكم الجليد على الطرقات.

وفي ظل هذا الطقس الصعب يقضي آلاف من الأشخاص بلا مأوى لياليهم في العراء، ما تسبب بموت عدد منهم تحت وطأة البرد وانعدام الرعاية الصحية، بالمقابل تتجاهل الحكومة الفرنسية بشكل تام التعاطي مع القضية، بالرغم من تحذيرات المنظمات الحقوقية بأن أعداد هؤلاء المشردين تتضاعف كل سنة، بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تمر به البلاد.

يموتون برداً بالعشرات

في 17 يناير/كانون الثاني الجاري، نشرت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، خبر وفاة لوران (63 عاماً)، والذي كان يعيش مشرداً في شوارع ضاحية الكرملين بيستر بالعاصمة باريس. ليصبح الضحية الرابعة، خلال أسبوع، للموت بسبب البرد وانعدام المأوى.

وقبل وفاة لوران بيومين أعلنت جمعية "On veut du soleil" الخيرية، أن مشرداً من أصول بولندية يدعى بافل، يبلغ من العمر 63 سنة، لقي حتفه بمدينة فان يوم الأحد 15 يناير/كانون الثاني. وذكرت صحيفة "ويست فرانس"، أنه عُثر على بافل مغمى عليه يوم السبت، ليلفظ أنفاسه الأخيرة بعدها في مستشفى المدينة.

وفي 9 يناير/كانون الثاني، اكتُشفت امرأة تبلغ من العمر نحو 60 عاماً، ميتة تحت بطانيتها، في أحد شوارع كاربينتراس، وفقاً لما نقلته فرانس برس عن مديرية الأمن العام الفرنسية. وفي اليوم نفسه، عُثر على رجل من نفس العمر، يعيش في الشارع، ميتاً في قبو في بولوني بيانكور، حسبما ذكر مصدر في الشرطة.

وأثارت هذه الأحداث المتتالية سخطاً واسعاً في أوساط الجمعيات الحقوقية والمعارضة الفرنسية، متهمة الحكومة باللا مبالاة إزاء معضلة الأشخاص دون مأوى. وقال الكاتب والناشط الحقوقي جان ماري روغول، الذي كان نفسه مشرداً في السابق، "لا يفعلون شيئا لإنقاذ الأشخاص بلا مأوى (...) لدينا كثير من مراكز الإيواء والملاعب المغطاة المغلقة، لماذا لا تريد الحكومة فتحها؟".

وعلّق توماس بورتس، النائب عن تحالف NUPES اليساري المعارض، اغضباً: "لوران (63 عاماً) توفي في الشارع. الوفاة الرابعة في غضون أيام قليلة. ولا كلمة واحدة من ماكرون. هذه الأرواح لا تساوي شيئاً لهذه الحكومة. رئيس العار. رئيس الوفيات في الشوارع!".

وكان فريق نيابي من المعارضة اليسارية، على رأسه نائبة حركة "فرنسا الأبية" ماتيلد بانو ونائبة الخضر ساندرين روسو، أعلن قضاء ليلة الثلاثاء في العراء، في حركة لإبراز تضامنهم مع الأشخاص بلا مأوى.

وصرّحت ساندرين روسو بعد قضاء ليلتها في الخارج: "الأشخاص الذين نمنا معهم في الشارع لديهم عمل، ولكن لا مأوى لهم (...) بالأمس كان هناك أم خضع طفلها لعملية جراحية في القلب. كان نائماً في المستشفى لكنها في الشارع. عار عليك يا إيمانويل ماكرون".

وأعلنت النائبة اليسارية ماتيلد بانو، في كلمة بثتها على وسائل التواصل الاجتماعي، أن حزبها رفع دعوة قضائية على الحكومة، يتهمها فيها بـ"التماطل في تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر"، كما الضغط على الحكومة من أجل مصادرة البيوت الفارغة واستخدامها للإيواء المستعجل للأشخاص المشردين.

أزمة متفاقمة وتجاهل ماكرون!

وتتزايد حالات وفاة الأشخاص بلا مأوى في فرنسا، وحسب الإحصاءات، بلغ هذا الرقم في عام 2022 نحو 624 حالة وفاة. وفي الثلث الأول من عام 2023، لقي ما لا يقل عن 117 شخصاً بلا مأوى حتفه في فرنسا. ووفق أرقام مؤسسة "القس بيير"، التي تعنى بأوضاع المشردين في فرنسا، يفقد ما بين 500 و600 مشرد حياتهم كل سنة في الشوارع الفرنسية.

وحسب ذات المؤسسة، يبلغ عدد الأشخاص بلا مأوى في فرنسا نحو 330 ألف شخص، بالإضافة إلى 4.1 مليون شخص يعيشون في سكن غير لائق. وبهذا تعد فرنسا أول بلد أوروبي من حيث عدد الأشخاص بلا مأوى، وتضاعف هذا العدد خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما أنه معد ليتضاعف مرة أخرى خلال العقد القادم.

وحسب مدير مؤسسة "القس بيير"، مانويل دوميرغ، فإن عدد الأشخاص بلا مأوى تضاعف خلال العقد الأخير "بسبب أزمة السكن التي شهدتها فرنسا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية عام 2008". ويضيف دوميرغ أن الآثار الاقتصادية السلبية التي أدت إليها جائحة كوفيد، إضافة إلى ارتفاع مستويات التضخم، ساهمت في زيادة كبيرة لأعداد المشردين خلال السنوات الأخيرة.

وينتقد الفاعلون الميدانيون تقصير حكومة ماكرون في الاستجابة لهذه الأزمة، خاصة وهو الذي وعد بالقضاء على التشرد خلال حملته الانتخابية عام 2017. وكانت الحكومة الفرنسية رصدت نحو 120 مليون يورو لمعالجة هذه المشكلة، لكن المنظمات الفاعلة في المجال ترى أن هذا الإجراء غير كافٍ.

وحسب كريستوف روبرت، المندوب العام لمؤسسة "القس بيير"، فإنه "لا يكفي فتح مظروف (المالي)، عليك أداء المهمة وإنشاء خلايا الطوارئ، كما تعزيز نظام الإقامة في حالات الطوارئ".

TRT عربي
الأكثر تداولاً