تابعنا
توصّلت الدراسات إلى أنّ الدلافين ينادي بعضها بعضاً بالأسماء، وأنّ أمهات الخفافيش تتحدث إلى صغارها وتُعلِّمها أو تؤنِّبها كما تفعل الأم البشرية، كما أنَّ نحل العسل يستخدم حركات الجسم وأصواتاً للتواصل.

تساءلت أجيال من العلماء في حقب متفاوتة حول التواصل عند المخلوقات غير العاقلة، وطرحت تساؤلات مفادها "هل تتكلم الحيوانات مع بعضها؟ وهل يمكن للبشر التحدث إليها؟".

وفي سبيل ذلك حقق العلماء مؤخراً عدداً من الاكتشافات المثيرة في مجال التواصل عند بعض أصناف الحيوانات مع باقي أفراد قطعانها، بفضل الذكاء الاصطناعي.

دلافين تغنّي وخفافيش تربّي

وتوصّلت الدراسات إلى أنّ الدلافين ينادي بعضها بعضاً بالأسماء، وأنّ أمهات الخفافيش تتحدث إلى صغارها وتُعلِّمها أو تؤنِّبها كما تفعل الأم البشرية، كما أنَّ نحل العسل يستخدم حركات الجسم وأصواتاً للتواصل.

وكانت منهجيّة الدراسات التقليدية تتطلّب من العلماء مراقبة نوع واحد من الحيوانات، وتسجيل صوته في محاولة لربط الصوت بالحركة وفهم سلوكه، ومن ثم محاولة تفسير "لغة" الحيوان.

وتتطلّب منهجيّة البحث تلك، ساعات مراقبة طويلة لنوع واحد من أنواع الحيوانات، يوضع داخل حظيرة معيّنة تحوي فرداً أو بضعة أفراد فقط.

لكنّ فهم سلوك الحيوانات، حين تعيش طليقة في الطبيعة، كان مهمّة أشبه بالمستحيلة، وخاصّةً في ظل وجود قرابة 8 ملايين نوع من الحيوانات.

وبدلاً من ذلك، اتّجه العلماء في السنوات الأخيرة، إلى الذكاء الاصطناعي لما يمتاز به من قدرات كبيرة، ولم يكن عليهم سوى تزويده بكمّيّات جيّدة من البيانات للحصول على تحليل أشمل لسلوك الحيوانات.

ترجمة الأغاني وفهم المشاعر

ولعلّ أبرز المشاريع الحديثة التي استخدمت الذكاء الاصطناعي لتفسير سلوك أو لغة حيوان بذاته كان مشروع "هواوي" الذي أطلق عام 2018، وسُمِّي "ذبذبة الحب" (The Frequency of Love).

حينها أعلنت الشركة أنّ الذكاء الاصطناعي الذي طوّرته تمكّن من تفسير "أغاني الحوت الأحدب" في المحيط، وهي موجات صوتية يطلقها ذكور الحوت للنداء على الإناث للتزاوج.

ويمكن أن تستمرّ تلك "الأغاني" 20 دقيقة، وأن تتكرّر لمرَّات عدّة خلال ساعات، وتستطيع الإناث سماعها على مدى مئات الكيلومترات.

إنّ أغنية الحب هذه غير مفهومة للأذن البشرية، ومن ثمّ عَمدت هواوي لترجمتها عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي الذي طوّرته وتحويلها إلى معزوفة.

كذلك، فإنّ هناك العديد من التطبيقات التي راجت للتعامل مع الحيوانات، وخاصة القطط، ومنها تطبيق "تابلي"، الذي يمتاز بقدرته على كشف الحالة المزاجية للقطط باستخدام ذكاء اصطناعي طوّرته شركة "Sylvester.ai" الكندية المختصة في القطط، باستخدام كاميرا الهاتف الجوال.

وعبر استخدام خوارزميات التعلّم الآلي يحلّل التطبيق وضْع أذن ورأس القطط، ومدى ضيق فتحة عيونها، وتعبير الوجه واتجاه الشعيرات، ووفقاً للمطورين، بلغت دقة التطبيق في تحليل شعور القطط 97%، إذا ما زُوّد التطبيق بصورة عالية الجودة وواضحة لوجه القط.

وفي السياق ذاته، تحدّث باحثون يابانيون، من جامعة طوكيو عن استخدامهم تكنولوجيا مكّنتهم من تحليل أصوات الدجاج.

وقال الباحثون، في الدراسة التي لم تخضع بعد لمراجعة فريق نظراء، إنهم استطاعوا فك رموز ستِّ حالات عاطفية متميزة لدى الدجاج، بما في ذلك الجوع والخوف والغضب والإثارة والرضا والضيق، بدقة تصل إلى 80%.

ووضّح عضو جامعة طوكيو، البروفيسور ديفيد تشيوك، بقوله: "نستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي المتطورة التي نسمّيها تعلّم التحليل العاطفي العميق، وهو نهج رياضي مبتكر للغاية يسمح بالفهم الدقيق للحالات العاطفية من خلال البيانات السمعية".

وأشار الباحثون إلى أنّ الدّجاج حيوان اجتماعي للغاية، كما يخططون لإنشاء تطبيق مجاني يمكّن المزارعين من استخدام التكنولوجيا للتواصل مع دجاجهم.

مشاريع للتواصل مع الحيوانات

ومن المتوقّع أن تشهد السنوات المقبلة إطلاق المزيد من المشاريع، التي يمكن أن تُحدث صدىً كبيراً في مجال فهم قدرات التواصل لدى الحيوانات.

ويعدّ مشروع "كائنات الأرض" (Earth Species Project) المعروف اختصاراً بـ (ESP)، أحد أبرز تلك المشاريع، وهي مجموعة غير ربحية يقع مقرها في كاليفورنيا تأسست عام 2017، وتهدف إلى فكّ تشفير الاتصالات غير البشرية، باستخدام شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يسمى التعلم الآلي.

وتهدف المجموعة التي تضمّ عدداً كبيراً من العلماء والباحثين إلى إنشاء خوارزميات مختصّة قادرة على ترجمة كلام الحيوانات، إذ جمَع العلماء البيانات من مصادر عدّة، كالكاميرات المثبتة على أجساد الحيوانات، أو المزروعة في الحظائر والغابات وعلى ضفاف الأنهار، إضافة إلى طائرات الدرون وأنظمة إنترنت الأشياء.

وبعد ذلك خزَّنوا البيانات في خوادم الحواسيب، لتقوم الخوارزميات بإيجاد تفسيرات للأصوات المسموعة عبر ربطها مع سلوك الحيوانات أو ردَّات فعلها، ولتقديم ترجمة منطقية للأصوات التي تُطلِقها الحيوانات.

وبدورها أنشأت الخوارزميات أصواتاً حيوانية أو حشريّة مقَلَّدةً تحمل أمراً معيناً، ويُطلق الصوت في حضور المخلوقات المدروسة لمراقبة ردود أفعالها وما تثيره فيها من مشاعر.

وجرى تجريب هذه التقنية على نحل العسل، إذ توصّل الباحثون إلى أنّ النحل يُطلق إشارات لها دلالات واضحة من قبيل: "توقف" أو "تحرك" أو "احترس"، فضلاً عن إشارات أخرى أكثر تعقيداً تعبّر عن"الاستجداء" و"الاستغاثة" وتوجيه أوامر جماعية.

وبعد اختبار سبعة أو ثمانية نماذج أولية من الترجمات اللغوية للنّحل، صُنعت نحلةٌ روبوتية يمكنها الدخول إلى خليّة النحل وتوجيه أوامر (أصوات) يستجيب لها أفراد نحل الخلية.

وبحسب الباحثين استطاعت النحلة الروبوتية إعطاء أوامر بالتوقف أو التحرك ونفَّذت بعض أساليب التخاطب المعقّدة لدى النحل، مثل الرقصة الدائرية التي يقوم بها النحل عادةً لإرشاد باقي أفراد الخلية إلى أماكن الرحيق.

وقال آزا راسكين، أحد المؤسسين لمشروع ESP، إنّه "خلال العام أو العامين المقبلين سنكون قادرين على بناء تواصل بين الحيوانات".

ترجمة كلام الحيتان

وإضافة إلى ما سبق، هنالك أيضاً مشروع واعد، يتعلّق بترجمة كلام الحيتان، وهو مشروع (CETI) الذي تشرف عليه أنييلا روس، مديرة مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومهمته ترجمة أصوات حوت العنبر، ومن ثمّ التواصل معها.

ولاحظ أعضاء الفريق بعد تحليل تسجيلات العلماء طوال عشرين سنة الماضية، أنّ حوت العنبر يستخدم طبقات معيّنة من الصوت تسمى "الكودا" تتواصل من خلالها للتعرف على بعضها بعضاً.

كما اكتشفوا أنّ الحيتان تتعلّم هذه الرموز الصوتية بالطريقة نفسها التي يتعلم بها الأطفال الكلمات والأسماء، وذلك عبر تكرار الأصوات التي يصدرها البالغون حولهم.

وللتوصّل إلى هذه المعلومات خزّن الباحثون التسجيلات الصوتية مع تسجيلات فيديو لكاميرات مثبتة على ظهور الحيتان، حلّلتها خوارزميات متخصصة تفسّر السلوك من الصوت، وهذه الخوارزميات تمكّنت من ترجمة "كودا" مجموعة حيتان العنبر المدروسة وبدقة عالية.

وفي الشأن ذاته، هناك العديد من التطبيقات الرقميّة التي تحاول تفسير سلوك معيّن لدى بعض الحيوانات، ومن ذلك، تطبيق "ميرلين" (Merlin) وهو مجاني طوّره "مختبر كورنيل لعلم الطيور" للتعرف على الطائر عبر صوته.

ويأخذ "ميرلين" تسجيلات المُستخْدِم ويحوّلها إلى مخطط طيفي، وهو تصوّر لحجم ودرجة وطول نداء الطائر، وجرى تدريب النموذج الخوارزمي للتطبيق انطلاقاً من المكتبة الصوتية لجامعة كورنيل.

ويستطيع ميرلين التعرف بدقة على نداء أكثر من ألف فصيلة من الطيور، ويقارن التطبيق تسجيلَ المستخدِم بقاعدة بيانات eBird العالمية التابعة للجامعة، للتأكّد من أنّها أحد أنواع الطيور التي توجد في الموقع الجغرافي للمستخدم.

ومن الجدير بالذكر أنّه يمكن لِنماذج التعلم الآليّ أن تساعدنا مستقبلاً في التعرف على مشاعر حيواناتنا الأليفة.

وأوضحت الأستاذة المشاركة في دراسة سلوك الحيوان في جامعة كوبنهاغن، إيلودي إف بريفير، أنّه من الممكن تقييم الحالات العاطفية للحيوانات بناءً على أصواتها.

فوائد ومخاطر

ورغم الفوائد الكبيرة المرجوّة لهذه التطبيقات من حيث القدرة على فهم مشاعر الحيوانات والتواصل معها، ومساعدة الأنواع المهدّدة بالانقراض، لكنّها لا تخلو من بعض المخاطر المحتملة.

وعلى سبيل المثال، يمكن توجيه تحذير صوتي للنحل، مفاده عدم الاقتراب من منطقة معيّنة تحتوي على مبيدات حشرية، أو إرشاد مجاميع النحل إلى أماكن توجد فيها الزهور ورحيقها.

وكذلك يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصيد غير الجائر عبر بثّ تسجيلات أصوات الأنواع المستهدفة من الصيّادين لإغراء تلك الحيوانات بالاقتراب، ومن ثم اصطيادها.

ولكن رغم هذه المنافع هناك مخاوف حقيقية من إطلاق العنان لتطبيقات التواصل مع الحيوانات، إذ يمكن استعمالها للقضاء على أنواع حيوانية، أو في الاستغلال غير الأخلاقي للحيوانات، من خلال التحكم في سلوكها.

وتوضّح، الباحثة في مجال الابتكارات الرقمية ومؤلفة كتاب "أصوات الحياة: كيف تقرِّبنا التكنولوجيا الرقمية من عوالم الحيوانات والنباتات"، كارين باكر، أنّه "قد تكون هناك تداعيات غير مقصودة لهذا التواصل مع الكائنات".

TRT عربي
الأكثر تداولاً