بعض الأغذية يدعم الذكاء لدى الإنسان (Others)
تابعنا

مما لا شكّ فيه أنّ الأغذية وبالتحديد التي تؤثر في صحة العقل والوظائف المعرفية والإدراكية والتي يطلق عليها اسم أغذية الدماغ (Brain Food) تشكّل أحد أكثر الجوانب جدلاً في سياق الحصول على حياة صحية، لا سيما تلك التي ترتبط بزيادة مستوى الذكاء.

الغذاء.. وقود الدماغ

يعمل الدماغ طوال الوقت، فهو يتحكم بحركاتنا وأفكارنا، وتنفسنا، ودقات قلوبنا، وحواسنا،.. إلخ، ولا يتوقف عن العمل حتى في أثناء النوم، وهذا بالطبع يعني أنّه بحاجة إلى الوقود ليكمل عمله بشكل طبيعي، ومصدر هذا الوقود هو الأغذية التي نتناولها وبكل بساطة فإنّ محتويات هذا الوقود لها تأثير مباشر على صحة الدماغ.

هذه حقيقة لا جدل فيها؛ فتناول الأطعمة عالية الجودة التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن ومضادّات الأكسدة تغذي الدماغ وتحميه من الإجهاد التأكسدي الناتج عن تراكم الفضلات والسموم، التي يطلق عليها اسم الجذور الحرة، والتي تنتج عن استخدام الجسم للأكسجين وتسبّب تلف الخلايا.

ومن زاوية أخرى فإنّ انخفاض جودة الأغذية له تأثير سلبي على الدماغ، فعلى سبيل المثال فإنّ قدرة الجسم على التخلص من الجذور الحرة تكون أقلّ لدى من يتبعون نظاماً غذائياً غنياً بالسكريات المكرّرة، ما يسبّب اختلالاً في وظائف الدماغ، هذا فضلاً عن تأثيراتها السلبية الأخرى على الجسم.

يجد القارئ الكثير من العناوين التي تروّج لأغذية معينة على أنّها أغذية تنمّي الذكاء أو حسب ما ذكر سابقاً تحت اسم "أغذية الدماغ"، هذا إلى جانب وجود مزيج كبير من الدراسات المتناقضة وتغير بلا حدود في النصائح الغذائية التي يجري تقديمها وسماعها من حين إلى آخر، الأمر الذي يجعل البقاء في حالة تأهب دائمة للحصول على المعلومة الصحية هدفاً يستحق المتابعة ويتطلب الكثير من الجهد.

الأغذية التي تدعم الذكاء ما بين الحقيقة والخرافة

ثمة شيء من الحقيقة في ارتباط بعض الأطعمة بالتأثيرات الإيجابية على الدماغ، ولكن القول بأنّ تناول أغذية معينة بحدّ ذاتها سترفع مستوى الذكاء بشكل واضح هو أمر لا يتعدّى كونه ترويجاً لحقيقة مغلوطة، وفي الواقع فإنّ أغلب الدراسات تتركز حول تأثير أغذية الدماغ على الوظائف المعرفية إلى جانب تقليل فرصة الأمراض المرتبطة بانخفاض مستوى الإدراك مع التقدم بالعمر مثل ألزهايمر والخرف، وتوجد أدلة جيدة على أنّ ما نأكله يمكن أن يحدث فرقاً في خطر الإصابة بالانحدار الإدراكي؛ فعلى سبيل المثال أشارت إحدى الدراسات إلى أنّ تناول أطعمة معينة وتجنّب أخرى يبطئ من شيخوخة الدماغ بمقدار 7.5 سنوات إلى جانب تقليل فرص الإصابة بمرض ألزهايمر.

من ناحية أخرى لا بدّ من تأكيد أنّه مثلما لا توجد حبوب سحرية لمنع الانحدار الإدراكي والمعرفي، فإنّه لا يمكن لأيّ غذاء أن يضمن دماغاً حادّاً مع التقدّم في العمر، وبهذا الصدد فإنّ خبراء التغذية يؤكدّون أنّ أهمّ استراتيجية هي اتباع نظام غذائي صحي يتضمن الكثير من الفواكه والخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة، إلى جانب الحصول على البروتين من المصادر النباتية والأسماك، والحرص على اختيار الدهون الصحية مثل زيت الزيتون بدلاً من الدهون المشبعة أثناء الطهي.

"ما هو جيد للقلب مفيد للدماغ"، هذا ما يقوله الدكتور رونالد بيترسون ، طبيب الأعصاب ومدير مركز مايو كلينك الأمريكي لأبحاث مرض ألزهايمر، وهذا يعني التزام النظم الغذائية التي تحتوي على مكونات صحية للقلب من أجل الحفاظ على صحة الدماغ؛ مثل أحماض أوميغا 3 ومضادات الأكسدة وكميات أقلّ من الكوليسترول والملح والدهون المشبعة، وبصورة عكسية تظهر الأبحاث أيضاً أنّ أفضل أغذية للدماغ هي نفسها التي تحمي القلب والأوعية الدموية، وتعتبر العناصر الغذائية مثل فيتامين K واللوتين والفولات والبيتا كاروتين مفيدة للقلب والدماغ أيضاً، لأنها تحافظ على صحة الأوعية الدموية، وتساعد على المحافظة على التدفق الجيد للدم الأمر بالغ الأهمية لوظائف الدماغ الإدراكية.

على سبيل المثال، فإنّ الفاصوليا السوداء مفيدة للقلب والعقل في آن واحد، فضلاً عن فوائدها الأخرى، إذ يشير الباحثون في مرض السكري إلى أنّ إدماج البقوليات في النظام الغذائي يحسّن التحكم في نسبة السكر في الدم ويقللّ من أمراض القلب المزمنة، هذا إلى جانب أنّ الفاصولياء السوداء تُعدّ مصدراً جيداً للمغنيسيوم الذي يمكن أن يساعد على درء الخرف وفقاً لدراسة مختلفة.

بالرجوع إلى الدراسات والأبحاث العلمية نجد أنّ أغذية الدماغ تشمل العديد من الخيارات مثل: الأسماك الدهنية، والخضار الورقية، والمكسرات، والفول، والتوت بأنواعه، والحبوب الكاملة، والبذور، والأفوكادو، والبروكلي، والبيض، والشوكولاته السوداء، والقهوة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإنّه وفي دراسة استمرت لمدّة 20 عاماً على أكثر من 16000 من كبار السن، وُجِد أنّ أولئك الذين تناولوا كميات أكبر من التوت الأزرق والفراولة كان لديهم معدلات أبطأ في انحدار الوظائف الإدراكية للدماغ، وقد عزا الباحثون ذلك إلى الفوائد العالية لمركبات الفلافونويد الموجودة في التوت.

بناء على ما سبق يتوضح أنّ التركيز على تناول أغذية الدماغ لن يحولنا إلى عباقرة في غضون أسابيع، فالأمر لا يتعلق بتنمية الذكاء بحدّ ذاته وبشكل مباشر، ولا يتطلّب الأمر شراء بعض الأطعمة السحرية والاكتفاء بها كما يجري الترويج له، كما أنّه لا توجد مغذيات غير مهمة، إنّ فصل المقال في هذا الموضوع يتعلقّ بالحفاظ على صحة الدماغ بتناول الأغذية التي تحتوي على المواد والعناصر المهمة لقيامه بوظائفه الطبيعية ومنع الانخفاض الحاد في أدائه الإدراكي والمعرفي مع التقدم في العمر، وجدير بالذكر أنّ أيّ تغيير منشود يستغرق بعض الوقت ولا بدّ أن يكون مدعوماً بنظام غذائي متوازن، وهنا يكمن الفهم الحقيقي للصحة المتكاملة التي لا تهتم بجانب واحد وتتجاهل البقية.

أغذية الدماغ والأطفال

تجد أغذية الدماغ المقدّمة للأطفال اهتماماً خاصاً من الأمهات والآباء، لاسيما مع التوصيات الكثيرة التي تؤكّد أهمية تغذية الطفل وكيفية تأثير ذلك عليه في المستقبل، وبالنظر إلى أنّه وخلال الأشهر الستة والثلاثين الأولى من حياة الطفل، ينمو دماغه وتتشكّل معه كيفية التفكير لديه، وتفاعله مع المحيط، وكيفية حلّه للمشاكل، إلى جانب بناء العادات الغذائية التي قد ترافقه طوال العمر، فلا بدّ في الحقيقة من التركيز على نوعية أغذية الدماغ المقدمة للطفل والتي لا تختلف عن أنواع الأطعمة المقدمة للبالغين وإنما طريقة تقديمها لضمان تقبله لها.

يشير باحثان في كلية الطب بجامعة مينيسوتا في دراسة تحت عنوان: “دور التغذية في تنمية الدماغ: الفرصة الذهبية للألف يوم الأولى" إلى أنّ هنالك ثلاثة عوامل بارزة لها تأثيرات عميقة بشكل خاص على نمو الدماغ المبكر، وهي: الإجهاد النفسي، ووجود دعم اجتماعي قوي وصحي، وتوفير التغذية المثلى، كما يوصيان بإيلاء تغذية الأم قبل وأثناء الحمل والرضاعة اهتماماً مركزاً مع التأكيد على أهمية الرضاعة للطفل خلال السنة الأولى، وبالرغم من أنّ قدراً كبيراً من بنية وقدرة الدماغ تتشكّل في وقت مبكر من الحياة إلّا أنّ الأجزاء المعرفية والاجتماعية والعاطفية في الدماغ تستمرّ في التطور مدى الحياة.

قد تساعد بعض أغذية الدماغ على تحسين وظائف الدماغ والذاكرة والتركيز لدى الطفل، ولكنّ هذا لا يضمن أن يكبر الطفل ليصبح حادّ الذكاء، لكنّ التأكد من حصوله على الكثير من العناصر الغذائية الأساسية الموجودة في أغذية الدماغ يعدّ بداية ذكية مع الاهتمام بحصوله على تغذية متوازنة، وبهذا الصدد تقول بيثاني ثاير، اختصاصية التغذية والمتحدثة باسم جمعية الحمية الأمريكية: "أعط الجسم طعاماً غير صحي، وسيعاني الدماغ بالتأكيد".

يبدو أنّ الفشل في تحسين نمو الدماغ في وقت مبكر من حياة الطفل له عواقب طويلة المدى فيما يتعلق بالتعليم، وإمكانات العمل، والصحة العقلية للبالغين، ومن الممكن اعتبار أنّ هذه العواقب هي التكلفة النهائية التي يتكبدها المجتمع من مشاكل الحياة المبكرة للأطفال.



TRT عربي