تابعنا
توجد المواد الأبدية حولنا في كثير من الأماكن، أخطرها الموجودة في مياه الشرب، كذلك في التربة ومصادر المياه القريبة من مكبات ومواقع التخلص من النفايات، كما أنه من الممكن أن توجد في الرغوة المستخدمة لإطفاء الحرائق.

تُعَدّ مواد السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل (PFAS) التي تُعرَف بالمواد الكيميائية الأبدية مجموعة من المواد الكيميائية المصنَّعة التي يجري استخدامها في الصناعة والمنتجات الاستهلاكية منذ أربعينيات القرن الماضي، وهي تشمل قائمة تضمّ آلاف المواد الكيميائية المختلفة.

يُشار إلى أنّه جرى استخدام ودراسة بعضها على نطاق واسع أكثر من البعض الآخر، ومن أهمّ مصادر القلق الشائعة حول مواد السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل أنّها بشكل عام تتحلّل ببطء شديد جداً.

ويعود السبب في ذلك إلى احتواء جميع هذه المواد -رغم اختلاف تراكيبها الكيميائية- على رابطة قوية بين ذرتَي الكلور-فلور التي لا تتحلل بسهولة، ما يعني أنّه من الممكن لها أن تتراكم في أجسام البشر والحيوانات والبيئة بمرور الوقت، ولذلك يشيع استخدام مصطلح "المواد الأبدية" للدلالة عليها.

أين نجد المواد الكيميائية الأبدية؟

توجد المواد الأبدية حولنا في كثير من الأماكن، أخطرها الموجودة في مياه الشرب، كذلك في التربة ومصادر المياه القريبة من مكبات ومواقع التخلص من النفايات، كما أنه من الممكن أن توجد في الرغوة المستخدمة لإطفاء الحرائق، ويستعين بها عديد المصانع سواء في أثناء الإنتاج أو التصنيع، ومن أمثلة هذا الصناعات طلاء الكروم، والإلكترونيات، وبعض صناعات المنسوجات والورق.

ويمتد وجود المواد الأبدية في الغذاء الذي نتناوله أيضاً، إذ جرى رصد وجودها في الأسماك التي تعيش في بيئة ملوثة بها، كذلك في منتجات الألبان من الماشية التي تعرضت لها، وبعض منتجات تغليف الأطعمة أيضاً.

ووفقاً لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، فرغم أنّ المواد الأبدية قيد الاستخدام لأكثر من 80 عاماً، فإنّ الفهم العلمي والأجهزة التقنية اللازمة لاختبارها بتركيزات منخفضة جداً في الغذاء لم يبدأ إلا في السنوات الخمس الماضية، وعليه فقد بدأت الأبحاث حديثاً بالسعي لدراسة وجودها بمستويات منخفضة للغاية، أي التي تصل إلى تراكيز أجزاء لكل تريليون.

ولا يتوقف وجود المواد الأبدية على ما سبق، بل نجدها أيضاً في المنتجات المنزلية والعناية الشخصية التي نتعرض لها بشكل يومي، مثل منتجات التنظيف، وأدوات الطهي غير اللاصقة، والدهانات، والمنتجات التجميلية، وبعض الشامبوهات، وغيرها.

ما علاقة المواد الكيميائية الأبدية بسرطانات النساء؟

في تحليل واسع النطاق للتعرض الكيميائي للمواد الأبدية وغيرها من المواد الكيميائية وارتباطها بالسرطانات المرتبطة بالهرمونات، وجد مجموعة الباحثين في كلية كيك (keck) للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا بالتعاون مع باحثين من جامعات أمريكية أخرى عدّة أنّ النساء قد يكنّ أكثر عرضة للإصابة ببعض السرطانات بنسبة قد تصل إلى الضعف مقارنة بالرجال.

اعتمدت الدراسة على نتائج إحصاءات قامت بها مراكز السيطرة من الأمراض والوقاية منها (CDC) التي شارك فيها أكثر من 10 آلاف شخص بين عامَي 2005 و2018.

وبيَّنَت النتائج أنّ النساء اللواتي جرى تشخيصهنّ مسبقاً بالإصابة بسرطان الجلد أو سرطان المبيض أو سرطان الرحم كان لديهنّ تراكيز أعلى من المواد الأبدية في الدم والبول.

وتعليقاً على هذه الملاحظات أشارت أمبر كاثي المؤلفة الأولى للدراسة وعالمة أبحاث مساعدة في كلية الصحة العامة بجامعة ميشيغان إلى احتمالية أنّ المواد الكيميائية المدروسة قد تعطّل وظيفة الهرمونات لدى النساء، وهي إحدى الآليات التي تزيد احتمالات السرطان المرتبطة بالهرمونات لدى النساء.

وأشار القائمون على الدراسة إلى أنّ الأبحاث السابقة حول الرابط بين التعرض للمواد الأبدية والإصابة بالسرطان ضمّت رجالاً ونساءً، في حين تتميز هذه الدراسة المنشورة نتائجها قبل عدة أيام بأنّها حاولت الفصل بين كلا الجنسين، وقد أوصت بتبنّي ذلك في الدراسات المقبلة بهدف استخدام طرق تقييم تعتمد على الرصد الحيوي للطرق المختلفة للتعرض لهذه المواد.

ونبّه الباحثون كذلك إلى أنّ الخلفية العرقية/الإثنية قد تنطوي على مخاطر أكبر للإصابة بالسرطان، إذ كان لدى الأمريكيات المكسيكيات وغيرهنّ من النساء من أصل هسباني (إسباني) احتمالات أعلى للتشخيص المسبق بسرطان الثدي أو الرحم المرتبط بالتعرض للمواد الأبدية، ما يفتح الباب أمام الحاجة إلى وجود دراسات موسعة في المستقبل.

على صعيد آخر تُشير الأبحاث إلى أنّ المستويات العالية لبعض المواد الأبدية قد تؤدي إلى مخاطر صحية أخرى عامة، مثل زيادة مستويات الكوليسترول، وتغيّرات في إنزيمات الكبد، وانخفاض استجابة اللقاح لدى الأطفال، وكذلك زيادة خطر ارتفاع ضغط الدم أو تسمم الحمل لدى النساء الحوامل، هذا إلى جانب انخفاضات في أوزان الرضع عند الولادة.

تجنُّب التعرُّض أمر ممكن

رغم أنّ تجنُّب التعرُّض للمواد الأبدية قد يبدو أمراً مستحيلاً لوجودها حولنا في كل مكان، فإنّه بالإمكان عند اتباع مجموعة من التدابير الحدّ من المستويات العالية التي قد نتعرض لها بصورة يومية.

من الجيد تجنب المنتجات التي يجري الترويج لها على أنّها غير لاصقة أو مقاومة للبقع والماء، وتشمل هذه المنتجات السجاد والأثاث والملابس والمعدّات الخارجية المقاومة للبقع.

الشيء نفسه ينطبق على أدوات الطهي المقاومة للالتصاق، فإذا كان ملصق المنتج يحتوى على كلمة "تفلون" (Teflon) فهذا يعني تعرضاً أعلى للمواد الأبدية، وتشمل الخيارات البديلة أدوات الطهي المصنوعة من الحديد الزهر، والفولاذ المقاوم للصدأ (الاستانلس ستيل)، والألومنيوم، وكذلك الأواني والمقالي الخزفية.

يضاف إلى ذلك الأوعية المستخدمة لحفظ ونقل الطعام التي تستخدم أيضاً بهدف منع الالتصاق، وكذلك كثير من علب الوجبات الجاهزة وأكياس المخابز، لاحتوائها على طلاء يهدف إلى منع الزيوت من التسرب، ويدخل في تركيبه بعض المواد الأبدية.

من الأفضل الابتعاد عن شراء أي منتج يندرج في قائمة محتوياته على فلورو (Fluoro) أو PTFE أو تفلون، التي قد توجد في أحمر الشفاه، ومساحيق التجميل، ومنتجات النظافة الشخصية مثل خيط تنظيف الأسنان والشامبو.

وتُعَدّ مياه الشرب على رأس القائمة بالنسبة إلى مصادر التعرض للمواد الكيميائية الأبدية، ويعتبر تجنبها الأكثر صعوبة مقارنةً بالتدابير الأخرى، لكنّها الأكثر تأثيراً، وعليه فإنّه يُنصح باستخدام المُرشِّحات التي بإمكانها تصفية المياه من المواد الأبدية.

وتُعتبر من أكثر المُرشِّحات فاعلية تلك التي تعتمد على تقنية التناضح العكسي (ٍReverse Osmosis)، وهي عملية تصفي المياه من خلال غشاء شبه نافذ، وكذلك من الممكن استخدام مرشحات الكربون الحُبيبية المنشطة (Granular Activated Carbon) التي تصفي المياه من خلال الاعتماد على امتصاص الكربون النشط للملوثات.

TRT عربي