أعلنت مايكروسوفت عن إطلاق نسخ محدثة من المتصفح (Edge) والمحرِّك (Bing) مدعومين بآخر إصدار من بوت الدردشة (ChatGPT-4).. / صورة: AFP (Lionel Bonaventure/AFP)
تابعنا

في عام 1945 كتب المهندس والمخترع الأمريكي فانيفار بوش مقالاً في مجلة "The Atlantic Monthly" بعنوان "كما قد نفكّر"، تَخيَّل فيه وجود مكتبات مرتبطة معاً وكل شرح لمعنى معيَّن يوصلنا إلى شرح معنى آخر في مكتبة أخرى، وهو نفس الدور الذي تؤدّيه "الارتباطات التشعبية" اليوم.

وُلد مصطلح "الويب" لأول مرة عام 1982، في حينها كانت البيانات منتشرة ومختبئة في نفس الوقت في خوادم عدة. وكان أنسب وصف يليق بتلك المرحلة هو "الفوضى"، إذ لا تناسق ولا ترتيب معلوم لكيفية استعراض تلك البيانات من خوادمها الخازنة لها.

ظهرت محاولات عديدة من شركات مختلفة لتنظيم تلك المرحلة، كان أبرزها أول ظهور لما يمكن وصفه بمحرّك بحث يُدعى "Archie" في سبتمبر/أيلول من عام 1990.

عقب ذلك جاءت محاولات عدة حتى ظهر مصطلح "WWW" الذي يشير اختصاراً إلى "World Wide Web" عام 1993، إذ بموجبه رُمّزَت البيانات والمواقع بالشكل الذي نراه اليوم، وأبرز محركات البحث التي راجت في تلك المرحلة محرك بحث "ياهو".

استمرّ ياهو مستعرضاً للمواقع حتى دخل كل من غوغل ومايكروسوفت على خط المنافسة، غوغل بمحرِّك بحثها المعروف "Google" وَمايكروسوفت بمحرك بحث "MSN".

سرعان ما أزاحت غوغل كل منافسيها بسبب الموارد القوية التي يقدمها محرك بحثها، بل إن الإنترنت اقترن بـ"غوغل" في تصوُّر كثيرين.

حاولت مايكروسوفت العودة إلى المنافسة عام 2009 بمحرك بحث جديد أطلقت عليه "Microsoft Bing"، ومنذ إطلاقه حتى قبل شهر من كتابة هذا المقال، كان محرك بحث Bing ضمن التصنيفات المنخفضة في مؤشر السوق كما تقول ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft.

ظلّ محرّك بحث مايكروسوفت (Bing) وَمتصفحها (Edge) على هذا الحال حتى ظهرت نتائج الشراكة بينها وبين شركة OpenAI لتبدأ ولادة جيل جديد من محركات البحث، أو ليُعاد اختراع البحث كما يقول يوسف مهدي، نائب رئيس الشركة ورئيس قسم التسويق للمستهلكين في مايكروسوفت، فما الذي جرى؟

ثورة جديدة في عالم التصفح

مع تنامي قدرات الذكاء الصناعي وجدت مايكروسوفت ضالتها في تلك التقنيات، ووجدت أن أفضل طريقة لتحقيق السبق على غوغل، تعزيز محركات بحثها بتلك الأنظمة، لذا قدّمَت مايكروسوفت عام 2019 تمويلاً لشركة (OpenAI) المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك قيمته مليار دولار.

كوّن الاثنان شراكة متعددة لسنوات لتطوير تقنيات الحوسبة الفائقة للذكاء الصناعي، على خدمة الحوسبة السحابية Azure من مايكروسوفت.

في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي طرحت OpenAI نموذجها الأخير من بوت الدردشة ChatGPT الذي ينتمي إلى الجيل الثالث للاختبار العامّ، ومنذ إطلاقه يتصدر حديث الساعة عن ميزاته وقدرته. لكن المفاجأة الكبرى جاءت إعلان مايكروسوفت عن إطلاق نسخ محدثة من المتصفح (Edge) والمحرِّك (Bing) مدعومين بآخر إصدار من بوت الدردشة (ChatGPT-4).

تلك الإضافات ستمنح منتجات مايكروسوفت تقدماً كبيراً على غوغل، إذ ستمتلك منتجاتها ميزات لا تجدها في أي متصفح آخر، منها:

نسخة محسَّنة من البحث.

إجابات كاملة وملخصة، على سبيل المثال يمكنك الحصول على إرشادات مفصَّلة حول كيف تستبدل بالبيض مكوناً آخر في كعكة تخبزها في تلك اللحظة، دون التمرير خلال نتائج متعددة.

تجربة دردشة جديدة، إذ يمكنك الدخول في دردشة مع بوت لإجراء عمليات بحث أكثر تعقيداً، مثل التخطيط لمسار رحلة تفصيلي أو البحث عن التليفزيون الذي يجب شراؤه، كما يمكن أن يساعدك على كتابة رسالة بريد إلكتروني.

تجارب إبداعية.

إضافة إلى ذلك كله، يستشهد Bing الجديد أيضاً بجميع مصادره، حتى تتمكن من رؤية الروابط إلى محتوى الويب الذي يشير إليه.

أمّا متصفح Edge فأُضيفت إليه وظائف وإمكانيات جديدة، من ذلك، إضافة وظيفة الدردشة والإنشاء. فمثلاً باستخدام Edge Sidebar يمكنك طلب ملخَّص لتقرير مالي مطول حول منتج معين، ثم تستخدم وظيفة الدردشة لطلب مقارنة مع البيانات المالية لشركة منافسة ووضعها تلقائياً في جدول.

يمكنك أيضاً أن تطلب من Edge مساعدتك على إنشاء محتوى، مثل منشور على LinkedIn، من خلال إعطائه بعض المطالبات للبدء.

وبسبب ذلك وأكثر، وصل عدد طلبات البحث اليومي على محرك مايكروسوفت إلى 10 مليارات طلب.

الجميل في ما يراه عديد من الخبراء، أنّ مايكروسوفت استخدمت إصداراً خاصّاً ومحدَّثاً من بوت الدردشة، وأضافت إليه لمساتها ليصدر طراز خاص بالبحث ومحسَّن وأسرع من البوت الأصلي أطلقت عليه "Microsoft Prometheus".

وبعد الإقبال على متصفح مايكروسوفت، أعلنت الشركة أنها ماضية في الاستثمار في شركة "OpenAI"، هذه المرة بمبلغ 10 مليار دولار، وأن الخطوة القادمة هي التعاون بين الشركتين لتطوير نسخ من الذكاء الصناعي تعمل على معالجة مشكلات معينة مثل مشكلة المعلومات المضللة والمحتوى المشبوه وأمان البيانات ومنع ترويج المحتوى الضارّ أو التمييزي.

غوغل أول الواصلين بعد مايكروسوفت

على مدار 13 عاماً حاولت مايكروسوفت اللحاق بغوغل لكنها فشلت، واستمرت غوغل بتفوقها بنسبة بلغت بين 86-96% في سوق محركات البحث العالمية.

لكن في أول رد فعل للشركة بعد إطلاق محرك بينغ بمزاياه الجديدة، أعلنت إدارة غوغل "الرمز الأحمر" إشارة إلى خطورة الموقف، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، إذ ترى الشركة بوت الدردشة ذاك بمثابة تهديد حقيقي لها.

في هذا السياق أعلنت غوغل إطلاق خدمة Bard AI للذكاء الصناعي في محرِّك بحثها، وهذا يعني رسمياً أن المعارك بين الشركات لإصدار محرك بحث أفضل وأكثر دقة وموثوقية ومتفاعل مع الجمهور قد بدأت.

لكن خبراء يرون أن مايكروسوفت خبأت مفاجأة لغوغل، فلن تقتصر خدمة بوت الدردشة على محرِّك البحث، بل ضمَّنَته الشركة في مجموعة Microsoft 365 من برامج الأعمال.

وقالت الشركة إن "ميزات الذكاء الصناعي الجديدة، التي يطلق عليها اسم Copilot، ستكون متاحة في بعض تطبيقات الأعمال الأكثر شعبية للشركة، بما في ذلك Word وPowerPoint وExcel".

من جانبها أعلنت غوغل ميزات جديدة للذكاء الصناعي قادمة إلى مجموعة Google Workspace، بما في ذلك القدرة على صياغة رسائل البريد الإلكتروني والرد عليها وتلخيصها وتحديد أولوياتها وكتابة المستندات، بالإضافة إلى إمكانيات أخرى.

TRT عربي
الأكثر تداولاً