سد نوفا كاخوفكا / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

على مر التاريخ، كانت السدود هياكل إنشائية حيوية لتسخير موارد المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية، فضلاً عن تسهيل الري والسيطرة على الفيضانات. ومع ذلك، كانت توجد حالات تحولت فيها السدود لتصبح أهدافاً لأعمال عسكرية أو عمليات هدم متعمدة في أوقات الصراع.

وفي واقعة حديثة، فُجر سد كاخوفكا الخاضع لسيطرة القوات الروسية في منطقة خيرسون جنوب أوكرانيا، فيما تبادلت كييف وموسكو إلقاء اللوم في هذا الحادث. إلى درجة أن أوكرانيا وصفت الهجوم بأنه "عمل إرهابي" ضد بنيتها التحتية، فيما زعمت روسيا أنه كان "عملاً تخريبياً" نفذته كييف.

وعلى وقع حادثة التخريب التي طالت سد كاخوفكا في 6 يونيو/حزيران الجاري، نستكشف في هذا التقرير بعضاً من أشهر عمليات هدم السدود في التاريخ الحديث، كما نستعرض العواقب المدمرة والتأثيرات الدائمة التي تعرضت لها المناطق المتضررة.

سد كاخوفكا (أوكرانيا)

الفجوة التي تعرض لها هيكل السد تسببت في فيضانات أغرقت المناطق المحيطة بالسد والتي بدورها تسببت في إجلاء أكثر من 17 ألف شخص من سكان تلك المناطق. وفي حين أن انهيار السد يشكل تهديداً لآلاف الأشخاص، فإن سلامة محطة زاباروجيا للطاقة النووية، التي تبعد 150 كيلومتراً، كانت أيضاً موضوعاً للنقاش لا سيّما بعد أن أثيرت مخاوف بشأن تبريد المفاعلات. ومع ذلك، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لا يوجد خطر نووي على المحطة الأكبر في أوروبا في هذه المرحلة وأن للتبريد مصادر بديلة متوفرة.

وخلال الأسابيع الأولى من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، تمكن الجيش الروسي من السيطرة على المدخل الجنوبي للسد (الضفة اليسرى للنهر)، فيما يسيطر الجيش الأوكراني على المدخل الشمالي (الضفة اليمنى للنهر)، ما يجعل إمكانية وصول كلَيهما إلى السد وتفجيره ممكناً بالقصف أو التفخيخ.

يذكر أن السد، الذي شُيد على نهر دنيبرو عام 1956 ويحجز خلفه بحيرة ضخمة تحتوي على 18 مليون متر مكعب من المياه، يحظى بأهمية استراتيجية واضحة للطرفين ما زاد إشكالية تحديد الجهة المتورطة في التفجير. ففيما تستفيد روسيا من السد لتوفير إمدادات مياه الري والشرب لشبه جزيرة القرم، من شأن تفجير السد أن يعرقل الهجوم المضاد الأوكراني من خلال منطقة خيرسون، ما يسهم بالمجمل العام في منع أوكرانيا مهاجمة الجبهة ودفع الهجوم نحو جبهات أخرى.

سد دنيبر (أوكرانيا)

في 1941، فجّر الروس سد دنيبر في زاباروجيا، الذي كان يغذي محطة دنيبروستروي للطاقة. كان هدف السوفييت حينها الحؤول دون وقوع السد والمركز الصناعي في أيدي القوات النازية، إذ جاء في البيان الخاص بالعملية: "اتُخذت الاحتياطات كافة لمنع الألمان استخدام السد والآلات".

في أعقاب ذلك، أعاد الألمان بناء السد جزئياً بعد الاستيلاء على المنطقة. وبعد ذلك بعامين، فجّرت القوات النازية التي طردتها القوات السوفيتية من أوكرانيا السد مرة أخرى. ليعيد السوفييت في نهاية الحرب بناء السد مرة أخرى.

سدود موهني وإديرسي (ألمانيا)

خلال الحرب العالمية الثانية، كان وادي الرور الألماني مركزاً صناعياً مهماً لدعم آلة الحرب النازية. في مايو/أيار 1943، وجزءاً من عملية "العقاب"، استهدف السرب رقم 617 التابع لسلاح الجو الملكي البريطاني سدود موهني وإديرسي التي كانت توفر الطاقة الكهرومائية والمياه للمنطقة.

استخدُمت "القنابل الارتدادية" التي صممها خصوصاً المهندس البريطاني بارنز واليس لتفجير السدود، كان سلاح الجو الملكي يهدف إلى اختراق السدود وإغراق الوادي، مما أدى إلى شل الإنتاج الصناعي الألماني.

أسفر الهجوم عن أضرار جسيمة، إذ تسببت الفيضانات الكارثية في دمار هائل في اتجاه مجرى النهر. جرى تدمير 11 مصنعاً، وتضرر 114 مصنعاً بشدة. كما توفي ما يقرب من 1300 شخص في الفيضانات.

وعلى الرغم من أن المهمة لم تعطل الإنتاج الألماني بالكامل، خصوصاً أن الألمان أصلحوا السدود بسرعة، فإن الهجمات كان لها تأثير كبير في الصناعة الألمانية والسكان المدنيين.

سد نوريك (طاجيكستان)

خلال الحرب الأهلية في طاجيكستان في التسعينيات، أصبح سد نوريك هدفاً لأهميته الاستراتيجية. يقع السد على نهر فاخش، وهو أحد أطول السدود في العالم ومصدر حيوي للكهرباء في طاجيكستان. كما كان مصدراً لتزويد الدول المجاورة بالطاقة، بما في ذلك أفغانستان.

في عام 1992، استهدفت قوات المعارضة سد نوريك بهدف عرقلة سيطرة الحكومة على موارد البلاد. ومع ذلك، وبسبب البناء القوي للسد وصمود المدافعين عنه، صُدَّ الهجوم، وظل السد على حاله. تؤكد محاولة هدم سد نوريك العواقب المحتملة لاستهداف البنية التحتية الحيوية في أثناء النزاعات.

سد بيروكا (كرواتيا)

خلال الحرب الكرواتية في عام 1993، جرى تفجير قنابل يُزعم أن القوات الصربية كانت زرعتها على سد بيروكا المُشيّد على نهر سينيتي.

ملأت المياه من السد المتضرر محطة توليد الكهرباء ووادي المصب، لكن صمود جزء من هيكل السد حال دون وقوع كارثة كبيرة.

في الختام، تُذكرنا هذه الحوادث بالعلاقة المعقدة بين الحرب والبنية التحتية، مع التركيز على إمكانية حدوث عواقب مدمرة على نطاق واسع. فمع استمرار نشوب النزاعات، من الضروري أن تحمي الاتفاقات الدولية البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك السدود، من التدمير المتعمد. لا تحافظ هذه التدابير على الموارد القيمة فحسب، بل تخفف أيضاً من الآثار الإنسانية والبيئية على السكان المدنيين في مناطق النزاع.

TRT عربي
الأكثر تداولاً