تابعنا
لم يصدر عن مارك زوكربيرغ أي بيان صحافي يشير إلى فزعه من التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا. ولكن العديد من المؤشرات تدل على أن الرجل يعيد حساباته متجاوزاً طموحه السابق المتعلق بعالم ميتافيرس الافتراضي وتركيز الاهتمام أكثر بتقنيات الذكاء الصناعي.

على الرغم من أن العمل على تقنيات الذكاء الصناعي وتطويرها مضى عليه العديد من السنوات ولا يعد بالأمر الجديد، فإن الإعلان عن روبوتات الدردشة (الذكاء الصناعي التوليدي) من قبيل ChatGPT أخذ العديد، من بينهم أساطين التكنولوجيا، على حين غرة. من بين هؤلاء كان مارك زوكربيرغ الذي تصدر عناوين الأخبار قبل عامين مُبشّراً بعهد جديد للإنترنت مع الميتافيرس. وهو عهد يبدو أنه لم يتحقق بعد.

ربما مازال من المبكر الحكم على التأثيرات التي سوف تُحدِثها روبوتات الدردشة والذكاء الصناعي التوليدي على عالم ميتافيرس، ولكن يبدو أن الخوف الذي ينتاب عمالقة التكنولوجيا منه تؤشر إلى أن التهديد حقيقي والوقت ليس في صالحهم إذا أرادو البقاء في المنافسة. من بين هؤلاء على سبيل المثال إيلون ماسك الذي أصدر، بصحبة عدد من التكنولوجيين والمتخصصين في الذكاء الصناعي، دعوة إلى إيقاف العمل على تدريب ChatGPT لمدة ستة أشهر، وكل من لاري بايج وسيرجي برين مؤسسا جوجل اللذين عادا إلى مقر شركة ألفا في محاولة منهما لتدارك الأمر واللحاق بالركب.

لم يصدر عن مارك زوكربيرغ أي بيان صحافي يشير إلى فزعه من التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا. ولكن العديد من المؤشرات تدل على أن الرجل يعيد حساباته متجاوزاً طموحه السابق المتعلق بعالم ميتافيرس الافتراضي وتركيز الاهتمام أكثر بتقنيات الذكاء الصناعي.

لقد توقع زوكربيرغ، وهو ملياردير وسائل التواصل الاجتماعي، الذي أعاد تسمية إمبراطوريته في عام 2021، تحت اسم "ميتا" جامعاً تحت مظلتها كلاً من فيسبوك وانستغرام وواتس آب، أن تكون ميتافيرس هي حدث القرن في الصناعات التكنولوجية، والجيل الثاني من منصات التواصل الاجتماعي.

ولتوضيح الأمر بشكل أكثر دقة، كان يراد من ميتافيرس أن تكون عالماً افتراضياً غامراً يجري التواصل فيه بين المستخدمين من خلال ارتداء سماعات رأس ونظارات خاصة للواقع الافتراضي. بالنسبة لزوكربيرغ لم يكن ميتافيرس مجرد نسخة جديدة من الإنترنت بل هو إنترنت جديد. شدة تفاؤله هذه قد جلبت عليه السخرية من بعض منتقديه والذي يعد إيلون ماسك من أبرزهم حيث وصفه بأنه "زوك الرابع عشر" في إشارة واضحة إلى الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الذي اشتهر بغطرسته وإسرافه وأفكاره الغريبة والطموحة.

لتحقيق هذا الطموح استثمرت ميتا مليارات الدولارات في تطوير هذا المشروع الضخم للغاية، الأمر الذي انعكس على رضا المساهمين حيث ظهرت علامات الاستياء والتشكيك من قدرة ميتا فعلاً على تحقيق اختراق في العالم الافتراضي. هذا فضلاً عن الخسائر الجمة التي تكبدتها الشركة. ففي عامي 2021 و2022 خسر Reality Labs وهو القسم المسؤول عن تطوير العالم الافتراضي التابع لميتا ما يقرب من 24 مليار دولار.

يرى المراقبون أن هذه الخسائر في طريقها إلى الانحسار، ليس بسبب أن ميتا قد أحدثت اختراقاً في تكنولوجيا العالم الافتراضي، بل لأن زوكربيرغ قد أعلن وفاتها إلى حد بعيد وبدأ بالتوجه إلى التكنولوجيا اللامعة الآن، ألا وهي الذكاء الصناعي.

في هذا الصدد كتب زوكربيرغ في منشور له على Facebook بتاريخ 27 فبراير/شباط: "نحن ننشئ مجموعة منتجات جديدة عالية المستوى في ميتا ستركز على الذكاء الصناعي التوليدي لتسريع مساهمتنا في هذا المجال"، وأضاف أن الشركة تنشئ فريقاً مركزياً موحداً مهمته الأساسية هي التجارب على الذكاء الصناعي ومحاولة إحداث اختراق يذكر. وأكد أنه على المدى القصير، ستركز ميتا "على بناء أدوات إبداعية وأكثر قدرة على التعبير"، أما على المدى الطويل، فستركز الشركة "على تطوير شخصيات الذكاء الصناعي التي يمكن أن تساعد الناس بعدة طرق مختلفة".

وكانت شركة ميتا، في وقت سابق من فبراير، قد أصدرت نموذجها من روبوتات الدردشة المسمى LLaMA وذلك رداً على إصدار ChatGPT-3. وقد صرح أندرو بوسورث، مدير التطوير التكنولوجي في ميتا أنه من المتوقع أن يبدأ تسويق النموذج هذا العام، والذي يمكن أن يحسن فاعلية الإعلان، وذلك جزئياً عن طريق إخبار المعلن عن الأدوات التي من شأنها زيادة ودعم فعاليته.

بطبيعة الحال هذا لا يعني أن مشاريع تطوير ميتافيرس سوف تتوقف، في الغالب سوف تجري إعادة توجيهها بطريقة أخرى من خلال منحها طابعاً أكثر خصوصية، وذلك عبر توجيهها إلى بعض القطاعات المستهدفة مثل خبراء التشفير وألعاب الفيديو. هذا يعني أن ميتا سوف تستمر في تطوير تقنيات مثل سماعات الرأس الافتراضية. بالنسبة لزوكربيرغ تستطيع ميتافيرس أن تنتظر وهو الأمر الذي لا يمكن تطبيقه على الذكاء الصناعي الآخذ بالتطور بطريقة لا يمكن تصورها. هذا فضلاً عن وجود قناعة تتشكل بأن ميتافيرس سوف يكون عالماً مختلفاً تماماً إذا جرى تضمينه بتقنيات الذكاء الصناعي.

على سبيل المثال، ولتوضيح كيفية تطبيق الذكاء الصناعي التوليدي على ميتافيرس يقول كبير التقنيين في ميتا إنه "في السابق، إذا كنت أرغب في إنشاء عالم ثلاثي الأبعاد، كنت بحاجة إلى تعلم الكثير من رسومات الكمبيوتر والبرمجة. أما في المستقبل، قد تكون قادراً فقط على وصف العالم الذي ترغب في إنشائه وجعل نموذج اللغة الكبير يولد هذا العالم من أجلك. ولذا فهو يجعل أشياء مثل إنشاء المحتوى في متناول المزيد من الأشخاص".

من المهم الإشارة هنا إلى أمرين أولهما أن تطوير ميتافيرس وتطوير الذكاء الصناعي لا يتعارضان. فالأول يتبع بنية الإنترنت كشبكة أو منصة مفتوحة لا مركزية، بينما الثاني هو أداة. ربما يحدث نوع من ترتيب الأولويات هنا. ولكننا سوف نصل إلى نقطة ما سيكون كلا التقنيتين مرتبطاً بالآخر ومتداخلاً معه بشكل عضوي.

الأمر الثاني والذي لا يقل أهمية هو أن مارك زوكربيرغ قد فقد الريادة- حاليا على الأقل- ولكنه لم يفقد القدرة على التكيف السريع مع متطلبات السوق. إن تقديم تطوير الذكاء الصناعي على ميتافيرس في رؤية زوكربيرغ يدل على ذلك، فبعيداً عن طوباوية اتباع الحلم وخلق عالم جديد، تبحث ميتا عن طريقة لاسترضاء المستثمرين وتعويض خسائرها في السنتين الماضيتين والحفاظ على حصتها في سوق الإعلانات، حيث تتقاسم مع جوجل ما نسبته 80% منه.

TRT عربي