تابعنا
تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إلى أن 158 مليون امرأة وفتاة يقعن في براثن الفقر نتيجة مباشرة لتغير المناخ، بما يزيد على 16 مليوناً من العدد الإجمالي للرجال والفتيان المتأثرين.

يتسبب تغيُّر المناخ في مجموعة واسعة من التأثيرات في كوكب الأرض، بما في ذلك موجات الحرارة الأكثر تواتراً وشدةً، والتغيّرات في أنماط هطول الأمطار، والكوارث الطبيعية المتصاعدة مثل الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، كما يؤثِّر في النُّظم البيئية والتنوع البيولوجي والزراعة وصحة الإنسان.

وفضلاً عن ذلك، تتأثر الحقوق الأساسية للإنسان بالآثار السلبية الكبيرة التي يخلّفها تغيّر المناخ، بما في ذلك حق الحصول على الغذاء والمياه والتعليم والسكن اللائق والرعاية الصحية. وفي حين أن تغيّر المناخ يشكل تهديداً للجميع، إلّا أنه لا يؤثّر في الجميع بالتساوي، وتتفاقم قابلية التأثر بتغير المناخ بسبب عدم المساواة والتهميش المرتبط بالجنس، والانتماء العرقي، وانخفاض الدخل، وغيرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.

نتيجة لذلك، تعاني النساء والفتيات، بوصفهن إحدى الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً في المجتمعات الفقيرة والنامية، بشكل غير متناسب، هذه الآثار، وتتفاقم هذه المعاناة مع نقص الموارد المالية وعدم تكافؤ فرص العمل والتعليم والأوضاع الهشّة التي تعيشها النساء والفتيات في هذه المجتمعات التي تعتمد بشكل كبير على الأعمال الحسّاسة للمناخ مثل الزراعة لكسب لقمة العيش.

ويحتفل العالم بيوم المرأة العالمي في الثامن من مارس/آذار من كل عام، بهدف الاحتفاء بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء، كما يعدّ فرصة للتركيز على قضايا المرأة والظروف والتحديات التي تواجهها في مختلف المجتمعات.

المرأة والزراعة وإنتاج الغذاء

تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إلى أن 158 مليون امرأة وفتاة يقعن في براثن الفقر نتيجة مباشرة لتغير المناخ، بما يزيد على 16 مليوناً من العدد الإجمالي للرجال والفتيان المتأثرين.

وتلعب المرأة دوراً مهماً في الإنتاج الزراعي، لكنها في كثير من الأحيان لا تتمتع بالمساواة في الوصول إلى الموارد والخدمات الزراعية أو عمليات صنع القرار الرسمية المتعلقة بالزراعة وتغير المناخ، ورغم أن أكثر من ثلث عمالة النساء في جميع أنحاء العالم تقع في القطاع الزراعي، فإن النساء يمثلن أقل من 15% من مُلاك الأراضي.

يؤثر تغيّر المناخ سلباً في إمكانية توفر الغذاء وسهولة الحصول عليه والقدرة على استهلاكه وإنتاجه، وكثيراً ما تكون النساء أكثر عُرضة لنقص الغذاء وحالات النُّدرة في ظلّ الأزمات البيئية والمناخية، إذ يتمتّعن بفرص أقلّ للوصول إلى الموارد والفرص والمعلومات.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إلى توسّع الفجوة بين الجنسين في مجال انعدام الأمن الغذائي في عام 2021، إذ كانت 31.9% من النساء في العالم يعانين انعداماً معتدلاً أو حادّاً في أمنهنّ الغذائي، مقارنةً بنسبة 27.6% من الرجال.

ويتجاوز عبء العمل الواقع على كاهل المرأة الريفية خلال الأحداث المناخية القاسية عبء الرجل، إذ تعمل النساء بجدٍّ أكبر لتأمين الدخل، وتعويض النقص في المحاصيل الزراعية، ما قد يجبر كثيراً من الفتيات على ترك المدرسة للمساعدة في الأعمال المنزلية، وقد يُجبَرن على الزواج المبكر أو القسري لتخفيف الأعباء المالية عن أسرهن.

كما يمكن أن تؤدي ندرة الموارد الطبيعية بسبب تغير المناخ إلى إجبار النساء والفتيات على السير لمسافات أطول لتأمين المياه وجمع الحطب والوصول إلى أراضٍ زراعية جديدة، وقد يُعرضهنّ ذلك إلى مخاطر أكبر من العنف والاعتداء الجنسي.

المرأة والكوارث الطبيعية

تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن 80% من المشرّدين بسبب تغير المناخ هنّ من النساء، وعند حدوث كوارث بيئية وطبيعية مثل تلك الناتجة عن الأعاصير والسيول والفيضانات، فإن النزوح القسري للسكان بسبب هذه الكوارث يؤدي إلى جعل النساء أكثر عُرضة للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي، إذ غالباً ما تفتقر مراكز الإيواء أو المخيمات إلى الحماية والخصوصية، حيث تنام النساء أو يغتسلن أو يرتدين الملابس.

كما يؤدي عدم تمكين المرأة، والفجوة في حصولها على المعلومات والموارد والتدريب إلى جعلها أقل قدرة على الوصول إلى الإغاثة والمساعدة، عند وقوع الكوارث، ما يزيد من تهديد سُبل عيشها ورفاهيتها وتعافيها، ويخلق حلقة مفرغة من الضعف أمام الكوارث المستقبلية.

وتتعرض صحة النساء والفتيات للخطر بسبب تغير المناخ والكوارث البيئية من خلال تقييد الوصول إلى الخدمات والرعاية الصحية، فضلاً عن زيادة المخاطر المتعلقة بصحة الأم والطفل، وقد تزيد الحرارة الشديدة من حالات الإملاص (ولادة جنين ميت)، كما يؤدي تغير المناخ إلى زيادة انتشار الأمراض السارية مثل الملاريا وحمى الضنك وفيروس زيكا، التي تؤثر بشكل أسوأ في الأمهات والأطفال حديثي الولادة.

كما يعد العنف ضد النساء والفتيات، والإيذاء الجسدي، والاتجار بالبشر، من ملامح فترات ما بعد الكارثة، وينبع هذا غالباً من الضغوط النفسية الناجمة عن المخاوف المالية وصدمات الكوارث ومشكلات الصحة العقلية المتفاقمة، ويزداد هذا التوتر بشكل خاص في الملاجئ المزدحمة أو المساكن المؤقتة، وقد يؤدي إلى سلوكٍ عدوانيٍّ تجاه النساء، بما في ذلك الاعتداء الجنسي.

أما في فترات التعافي من الكوارث، فقد تضطر النساء والفتيات إلى العمل بجهد أكبر لتأمين متطلبات الحياة اليومية لأسرهنَّ، ويشمل ذلك الاصطفاف للحصول على إمدادات الإغاثة، والاضطرار إلى التنقل لمسافات أبعد للحصول على المياه أو الطهي في ظروف صعبة، وغالباً ما تحدث هذه الأنشطة في أثناء النهار، مما يحدّ من وصول النساء والفتيات إلى التعليم أو العمل خارج المنزل.

المرأة والتكيف مع تغير المناخ

لا يمكن للعمل المناخي أن يكون ناجحاً أو مستداماً ما لم يشمل النساء، بوصفهن أطرافاً نشطة وفعالة في التكيف والتخفيف من آثار تغيّر المناخ، لا ضحايا فحسب.

تشكل النساء ما يقرب من نصف سكان العالم، وبالتالي يمثلن جزءاً كبيراً من الموارد البشرية والأفكار والابتكارات الحاسمة التي يمكن أن تؤدي إلى الحلول.

وقد طورت النساء ولفترة طويلة، المعرفة والمهارات والممارسات الرشيدة، لا سيما تلك المتعلقة بجمع المياه وتخزينها، وحفظ الأغذية وترشيدها، والإدارة المستدامة للأراضي والموارد الطبيعية، كما تميل النساء إلى اتباع عادات يومية أكثر استدامة، واتخاذ القرارات التي تؤثر بشكل إيجابي في رفاهية المنزل، ويظهر هذا التأثير من خلال الممارسات الحكيمة في التسوق والطهي وإعادة الاستخدام وإصلاح الملابس وترشيد الطاقة وفصل النفايات.

أما على المستوى الوطني والدولي، وعندما يتعلق الأمر بقيادة المرأة للعمل المناخي، فإن الأدلة ترسم صورة قاتمة، إذ لا تزال المرأة ممثَّلة تمثيلاً ناقصاً إلى حد كبير في مناصب صنع القرار على جميع المستويات، بما في ذلك في مجال تغير المناخ، على سبيل المثال، وعلى غرار السنوات السابقة لم يكن هناك سوى 15 من بين 133 من قادة العالم المشاركين في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف الأخير، من النساء.

ولكي تكون الحلول المناخية فعالة، يجب أن تأخذ في الاعتبار المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في جميع مراحلها.

وكشفت مراجعة حديثة لخطط العمل الوطنية للمناخ أن 55 دولة فقط لديها تدابير محددة للتكيف مع المناخ تشير إلى المساواة بين الجنسين، وأن 23 دولة فقط تعترف بالمرأة طرفاً مساهماً في تسريع تحقيق تقدم في الالتزامات المناخية.

ومما يثير القلق أن التقديرات تشير إلى أن 2.4% فقط من جميع مساعدات التنمية الخارجية المتعلقة بالمناخ مخصَّصة للمساواة بين الجنسين بوصفها هدفاً رئيسياً، رغم الالتزامات المناخية التي تعهدت بها الحكومات والجهات المانحة الدولية في المحافل متعددة الأطراف.

TRT عربي
الأكثر تداولاً