تابعنا
اكتُشف "الأسبرتام" كمُحلٍّ صناعي عام 1965، ولم تصادق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية  على استخدامه حتى عام 1974، إذ سمحت باستخدامه كـ"مادة آمنة" في حال التزام الطرق التصنيعية المنصوص عليها، والتزام شروط استخدامِه الموافَق عليها، وفي المواد الجافة فقط.

من المقرّر أن تعلن منظمة الصحة العالمية مادة الأسبرتام (Aspartame)، أحد أكثر المُحليات الصناعية شيوعاً في العالم، مادة مسرطنة محتمَلة في شهر يوليو/تموز الحالي.

وستدرجه الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لـ"الصحة العالمية"، على أنّه "من المحتمل أن يكون مادة مسرطنة للإنسان" للمرّة الأولى، وفق مصادر لوكالة "رويترز".

و"الأسبرتام" عبارة عن مُحلٍّ صناعي (Artificial Sweetener)، يعد الأكثر شيوعاً واستخداماً ضمن فئة المُحليات الصناعية الموافَق عليها والمسموح بها، ويتكوّن من نوعين من الأحماض الأمينية، وهما الأسبارتيك (Aspartic Acid) وحمض الفينيل ألانين (Phenylalanine)، إضافةً إلى الميثانول.

واكتُشف "الأسبرتام" كمُحلٍّ صناعي عام 1965، ولم تصادق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على استخدامه حتى عام 1974، إذ سمحت باستخدامه كـ"مادة آمنة" في حال التزام الطرق التصنيعية المنصوص عليها، والتزام شروط استخدامِه الموافَق عليها، وفي المواد الجافة فقط.

وفي عام 1983 سمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باستخدام "الأسبرتام" في المشروبات الغازية والحلويات، ثمّ أزالت عنه كل القيود عام 1986، وأصبح يمكن استخدامه في أي منتج.

استخدامات "الأسبرتام"

تعادل حلاوة "الأسبرتام" حلاوة السكر الأبيض بما يُقارب 200 ضعف، مما يجعل استخدامه بكمية صغيرة جداً يمنح نفس درجة الحلاوة المرغوبة مقابل استخدام كمية كبيرة من سكر المائدة، وبالتالي يزوّد الجسم بصفر سعرات حرارية ولا يسبّب رفع سكر الدم.

كما أنّه لا يسبّب تسوس الأسنان، مما جعله بديلاً مناسباً للسكر الأبيض، خصوصاً لمرضى السكري، فيما يعد ممنوعاً تماماً لمرضى "الفينيل كيتون يوريا" (PKU).

ويدخل "الأسبرتام" كمُحلٍّ صناعي في نحو 6000 منتجٍ على مستوى العالم، من ضمنها المشروبات الغازية، والمنتجات المخصصة للحمية (Zero calorie, Sugar free)، والعلكة، وحلويات الأطفال، والمكملات الغذائية، وحبوب الإفطار، والمخاليط الجافة لبعض الأغذية مثل القهوة سريعة التحضير، والجيلاتين، ومنتجات الألبان.

ولا يُستخدَم عامةً في المنتجات التي تحتاج إلى حرارة، كالمخبوزات، نظراً لكونه لا يحتمل درجات الحرارة العالية التي تسبّب تكسره وتحول الميثانول لمادة الفورمالدهايد المعروفة كمادة سامّة.

خطورة "الأسبرتام"

لطالما عُدَّ "الأسبرتام" مُحلياً صناعياً مثيراً للجدل، إذ جرت دراسته ومراجعة الدراسات المرتبطة به مراراً وتكراراً منذ اكتشافه حتى يومنا هذا؛ للتأكد من سلامته، كما تفاوتت آراء الخبراء حول إمكانية تسبّبه بتلفٍ في الدماغ وأنواع من السرطانات، دون نفيٍ تامٍّ أو إثبات قطعي.

وحسب لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية بشأن المضافات الغذائية (JECFA)، فمنذ عام 1981 "الأسبرتام" آمن للاستهلاك ضمن الحدود اليومية المقبولة.

وتضيف اللجنة: "على سبيل المثال، يجب على شخص بالغ يزن 60 كغم أن يشرب ما بين 12 و36 علبة من (الدايت صودا)، اعتماداً على كمية الأسبرتام في المشروب كل يوم ليكون في خطر".

وكما ورد في موقع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، أعاد العلماء دراسة العلم المتعلق بالتعرض لـ"الأسبرتام" وسلامته في الغذاء في كل مرّة قُدم فيها التماس أو اعتراض على استخدام هذه المادة.

واستجابت "FDA" للاعتراضات التي أُثيرت فيما يتعلّق بالاستخدامات المعتمَدة للمادة على مدار السنين، كما أنّها منذ عام 1996 إلى الآن واصلت متابعة الدراسات العلمية المرتبطة بـ"الأسبرتام" وكذلك نسب تعرّض المستهلك له.

وفي دراسة نُشرت عام 2021 حول سلامة الاستخدام العام لـ"الأسبرتام" في المنتجات الغذائية، نتج عنها أنّ نواتج تحلّل المادة في الجسم إلى (حمض الأسبارتيك، والفينيل ألانين، والميثانول) أكثر ضرراً من مادة الأسبرتام نفسها، ولم يثبت في الدراسة إن كانت مادة الأسبرتام مضرّة بحد ذاتها، ولكن ارتبط استهلاك المادة بالتأثير على مستويات السمنة ومقاومة الأنسولين وعدم تحمّل الغلوكوز والتأثير على الجهاز التناسلي في الفئران.

أمّا في الدراسات التي أُجريت على البشر، فقد سُجلت حالات ولادة مبكرة، وردود فعل تحسّسية، وزيادة في وزن الأطفال حديثي الولادة. وفي دراسات أُجريَت على الإناث في سن 9 - 10 سنوات وُجد أنّ "الأسبرتام" يزيد من خطر الحيض المبكر في سن أقل من 11 عاماً.

واستهلاك "الأسبرتام" يمكن أن يسبّب اضطرابات المزاج، والإجهاد العقلي، والاكتئاب، كما أنّ استهلاكه في مرحلة الحمل يرتبط بإنجاب طفل يعاني من التوحد، إضافةً إلى أنّ استهلاك المادة على المدى البعيد يؤثر على الدماغ والتوازن والذاكرة والتعلّم.

أمّا فيما يتعلّق بالسرطان، فرغم أنّ الخصائص السمّية لمادة "الأسبرتام" غير محدّدة إلى الآن، فإنّ الدراسات التي أُجريت على الفئران وجدت له خصائص مسرطنة، بينما أثبتت الدراسات أنّ التعرض لمادة "الأسبرتام" قبل الولادة يزيد من حدوث الأورام الليمفاوية واللوكيميا لدى الإناث.

وفي 15 من مايو/أيار الماضي، وفي التوجيهات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية، نصحت بعدم استخدام المُحليات الصناعية كبديلٍ لسكر المائدة بهدف ضبط الوزن أو إنقاصه، إذ ورد بها أنّ استخدام المُحليات الصناعية ليست له فائدة بعيدة المدى في إنقاص دهون الجسم، إضافةً إلى أن لها من تأثيرات صحية على المدى البعيد كزيادة خطر الإصابة بالسكري، وأمراض الشرايين والوفاة للبالغين.

وفي 30 يونيو/حزيران الماضي، نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية حول اتجاه منظمة الصحة العالمية لإعلان "الأسبرتام" مادة محتمَلة أن تكون مسرطنة بعد مراجعة ما يقارب 1300 دراسة حول التأثير المحتمل للمادة على الصحة.

تأثير سلبي

ويرى أستاذ علم الغذاء والتغذية محمود أبو غوش، أنّ "الأسبرتام" من المُحليات الصناعية التي تُضاف بكميات بسيطة لكثير من الأغذية التي تُستخدَم في الحميات الغذائية المختلفة، وتخفيض مستوى الطاقة المستهلكة اليومية.

ويشير في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ بعض الدراسات حدّد كمية الاستهلاك اليومي من "الأسبرتام" بألّا يزيد على 40 ملغم/كغم من وزن الجسم بالنسبة إلى الأصحاء.

ويضيف أبو غوش أنّ الحديث عن التأثير السلبي لاستهلاك "الأسبرتام" على جسم الإنسان ليس بالجديد، إذ إنّه منذ أن سمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باستخدامه كمضاف للمواد الغذائية كان هناك تخوف من استخدامه، إذ تَبين بدراسات سابقة أنّ له تأثيراً سلبياً على صحة الحوامل وعلى الكبد وإحداث السرطانات، إلا أنّه لم تكن الدراسات كافية لإثبات ذلك.

ويلفت أستاذ علم الغذاء والتغذية إلى أنّه مع زيادة الإثباتات والدراسات حول هذا الموضوع، تَبين احتمال وجود علاقة قوية ما بين استهلاكه والسرطان.

وشدّد على أهمية إنجاز مزيدٍ من الدراسات الإكلينيكية لتحديد الكميات المستهلكة من "الأسبرتام" التي تُحدث السرطانات، إذ إنّ كثيراً من المواد المضافة للأغذية، كالمواد الحافظة مثل النيترات وبعض أنواع الألوان المضافة، إذا زاد مستوى استهلاكها على الحدّ المسموح تصبح مسرطنة.

أثره على الشركات العالمية

وترتبط مادة "الأسبرتام" بأسماء شركات وعلامات تجارية كبيرة مثل "كوكاكولا"، وغيرها كثير من الشركات التي تستخدم هذا المُحلي الصناعي في بعض منتجاتها أو كمنتج أساسي في حد ذاته، كونه مادة مصادَق عليها لمدّة تفوق أربعة عقود، وبالتالي فإنّ تصنيفه كمادة مسرطنة سيكون له أثر كبير على الشركات العالمية المعنية.

ويقول الخبير الاقتصادي مازن رشيد، إنّ هناك انقساماً حادّاً بين المنظمات الصحية حول إدراج مادة "الأسبرتام" كمادة مسرطنة، وفي حال أُدرجت كمادة مسرطنة فسيكون التأثير كبيراً جداً على جميع الشركات التي تستخدم المادة في منتجاتها مثل شركات المشروبات الغازية، مشيراً إلى أنّ مجرّد تسريب هذه المعلومات سيكون له تأثير على المبيعات وسيؤدي إلى تراجعها بسبب عزوف الأفراد عن شرائها وحرصهم على تجنب المنتجات التي تحتويها.

ويضيف لـTRT عربي: "لا يزال غير واضح إن كان إدراجها كمادة مسرطنة سيؤدي لإيقافها بشكل تام في الأسواق أم لا، ولكن التداعيات بشكل عام ستكون بانخفاض المبيعات بشكل كبير كأثر قصير المدى إلى أن تجد الشركات بديلاً لـ(الأسبرتام) وإعلان منتجاتها لاحقاً خاليةً منه، وفي حال إيقاف المادة عالمياً ستكون هناك خسائر مالية كبيرة للشركات تترتب على إتلاف المخزون من المادة نفسها والمنتجات التي تحتويها".

TRT عربي
الأكثر تداولاً