تابعنا
تصدَّرت تركيا المشهد أمام "الجنائية الدولية"، إلى جانب خمس دول، قدَّمت شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم الحرب في غزة.

اشتدّت ملامح المعركة القانونية لمحاكمة القادة الإسرائيليين إثر ارتكابهم جرائم حرب في قطاع غزة، وبادرت تركيا، ومعها أكثر من ألف محامٍ دولي، إلى المطالبة بمحاسبة الاحتلال أمام أنظار محكمة الجنايات الدولية.

ولمواجهة الضغوط المتوقَّعة التي تمارسها الولايات المتحدة واللوبيَّات (جماعات الضغط) الإسرائيلية، أعدَّت المنظمات والشخصيات والهيئات القانونية ملفّاً مُحكماً يوثق جرائم الاحتلال.

تركيا تتصدر المشهد

وتصدَّرت تركيا المشهد أمام "الجنائية الدولية"، إلى جانب خمس دول، قدَّمت شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم الحرب في غزة.

وباشرت أنقرة في وقت مبكر من العدوان الإسرائيلي جمع الأدلة لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية، وتقديم ملف الإدانة إلى محكمة الجنايات الدولية، إلى جانب جيش من المحامين الدوليين.

وصرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً: إن تركيا ستبذل قصارى جهدها لمعاقبة إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين في المحافل الدولية.

وأضاف أن بلاده تملك أدلة كثيرة لمتابعة الحكومة الإسرائيلية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولن تتخلّى عن هذا الأمر حتى لو توقف الجميع.

وذكر الرئيس أردوغان أن أكثر من ألف محامٍ تقدَّموا بطلبات إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في هذه الجرائم، وأن الطلبات ما زالت مستمرة.

في هذا الصَّدد، يقول عضو فريق الدفاع ورئيس الأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية في فرنسا، كمال العيفي، إن "مكتب المدعي العام للمحكمة تسلَّم الشكوى القضائية ضدَّ دولة الاحتلال الإسرائيلي".

ويبيّن العيفي في حديثه مع TRT عربي أن هيئة الدفاع تستند إلى الحقائق الموثقة وإعلانات النية الواضحة للمسؤولين الإسرائيليين لارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.

ويضيف أن "القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني يعتبران ترحيل شعب أو جزء منه قسراً من مكان إلى مكان آخر، وقتل المدنيين غير حاملي السلاح وغير المشاركين في الحرب، تطهيراً عرقياً، كما يعتبران استهداف المدارس ودور العبادة والمستشفيات وكل المنشآت المدنية في وقت الحرب إبادة جماعية وجريمة حرب".

لماذا فشلت دعوى سابقة؟

وحول أسباب فشل دعوى سابقة ضد الاحتلال الإسرائيلي، يوضح العيفي أن "دولة فلسطين لم تكن موقِّعة سابقاً على معاهدة روما التي أنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك دولة الاحتلال ليست عضواً فيها، فكانت المحاولات تصطدم بهذا المانع القانوني".

ويشير إلى أن "المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة عيَّنت فريقاً وحدّدت إطاراً قانونيّاً لبداية التحقيق في جرائم 2014، إلّا أن الموضوع أُجهض بفعل الموانع القانونية والضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي انتهت بخروج بنسودة من المحكمة".

ويؤكد العيفي أن "الموضوع يختلف حاليّاً، إذ إن فلسطين وقَّعت على المعاهدة وأصبحت عضواً في المحكمة ويمكنها مقاضاة الاحتلال، سواء بنفسها أو مقاضاة أي جهة أخرى بتحريك دعوى قضائية نيابةً عن الشعب الفلسطيني".

ويشير عضو فريق الدفاع إلى أن "جمعيات حقوقية أوروبية وعربية مقيمة في فرنسا وكَلت المحامي جيل دوفير، وقد تجمَّع حتى يوم 22 من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 خمسمائة محامٍ من مختلف دول العالم ليكوّنوا فريقاً قانونيّاً واحداً أمام المحكمة".

وتابع: "الدعوى قُبلت وبدأ التحقيق يوم الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ كان أول اجتماع بين مكتب المدعي العام للمحكمة وممثلين عن مقدمي الدعوى من المحامين".

بدوره أكد رئيس هيئة الدفاع، جيل دوفير، في تصريحات صحفية عقب تسليم الملف إلى الجنائية الدولية أن "القانون يصنف الإبادة الجماعية بأنها إبادة جسديّة للسكان، وتدمير للمجتمعات بجعل الحياة داخلها مستحيلة، بما في ذلك قطع المياه والكهرباء وتقليل الغذاء وتدمير المنازل والتهجير القسري، مع خطابات تصِف السكان بالحيوانات وتجرّدهم من إنسانيتهم".

وعلى هذا الأساس، يقول دوفير: "قدمنا شكوى بشأن الإبادة الجماعية، لأن ما تفعله إسرائيل يدخل في إطار كل الحالات التي تؤدي إلى هذه الجريمة، ولا نفتقر بتاتاً إلى الأدلة، لأن الدولة العبريّة لا تُخفي ما تفعله وتنشره بالصوت والصورة أمام العلن".

القضاء والقانون الدولي

ويدعو العيفي إلى انضمام أكبر عدد من الدول إلى فريق الدفاع عن فلسطين، ويؤكد أنه "يمكن لكل دولة عضو أن ترفع دعوى قضائية في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والتطهير العرقي عن طريق ممثلها القانوني، وهو ما فعلَه بعض الدول، ومنها جنوب إفريقيا في الأسابيع الماضية".

ويسمح القانون في دول الغرب لمزدوجي الجنسية من الفلسطينيّين بتحريك دعاوى قضائية دوليّاً أو محليّاً في دولهم التي يعيشون فيها ضد جيش الاحتلال وقادته وجنوده وقياداتهم السياسية، حسب توضيح العيفي.

من جهته، يؤكد العميد الركن المتقاعد صبحي ناظم توفيق، أن "إسرائيل مُدانة كليّاً، وما اقترفته من جرائم موثّقٌ أمام عدسات مئات من المراسلين والصحفيين، وفي الفيديوهات المعروضة على مدار الساعة أمام متابعي الحرب".

ويضيف توفيق لـTRT عربي أن "الإدانة يمكن أن تكون حتى على لسان الناطقين الرسميين للجيش الإسرائيلي، الذين يتحدّون العالم استهتاراً واستخفافاً بأرواح الفلسطينيين المدنيين من الأطفال والنساء".

القانون الدولي ومعاقبة الضعفاء

ويقول توفيق إن "الجنائية الدولية" لا تدين أي دول قوية أو مدعومة من دول قوية على ما اقترفته من جرائم ضد الإنسانية، منذ تأسيس عصبة الأمم سنة 1919 ووصولاً إلى انبثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عام 1945، وحتى يومنا هذا.

وحول أهمية التوجه نحو القضاء الدولي، يقول المستشار القانوني والمحامي الدولي، عبد العزيز بدر القطان، إن "القانون وُضع وسيلةً لتنظيم حياة البشر وتحصيل حقوقهم، وردع مَن يحاول التطاول على حقوق الآخرين".

ويرى القطان في حديثه مع TRT عربي أن إدانة منظَّمتي "العفو الدولية" و"هيومين رايتس ووتش" كيان الاحتلال، الموثَّقة جرائمه، يعطي بارقة أمل في دعم جهود وملف إدانة دولة الاحتلال أمام "الجنائية الدولية".

وعلى غير العادة، يرى القطان، الذي يرأس "لجنة القدس" التابعة لجمعية المحامين الكويتيين، أن فريق المحامين لديه إصرار قوي لإنصاف الفلسطينيين من خلال ممارسة الضغوط في مختلف الاتجاهات.

ويوضح المحامي الدولي أن "فريق المحامين يعتزم رفع ما لا يقل عن 400 دعوى ضدّ الاحتلال بتُهم، منها الإبادة الجماعية".

ويلفت القطان إلى دور التكنولوجيا في توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً: "حينما ارتُكبت جرائم ومذابح صبرا وشاتيلا ودير ياسين وغيرها، لم تكن التكنولوجيا بهذا التطور لتوثيق الجرائم، أما الآن فلدينا توثيق مباشر للجرائم أمام العالم وأمام عدسات الكاميرات".

إعادة هيكلة المنظمات الدولية

وحول تشكيل تحالف دولي يضم دولاً مثل تركيا والكويت ومن العالم الإسلامي والجنوب الكبير، يقول القطان إن "إمكانية تشكيل اتحاد دولي أمر وارد جدّاً، وإنْ جرى تفعيل هذه الآلية (التحالفات الدولية لأجل العدالة) ستلقى نجاحاً كبيراً، وستكون مقدمة لإعادة هيكلة أو إغلاق منظمات دولية منحازة لأطراف معينة، والاستعاضة عنها بأخرى تسهم في إنصاف الشعوب".

ويتابع: "تتوفّر فرص أكثر من أي وقت مضى لتفعيل طلبات إعادة هيكلة المنظمات الدولية، بالاعتماد على القوة البشرية الداعمة لهذه المبادرات والمنتشرة حول العالم لتشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب".

ويعتبر القطان أن "هذه القوة الصُّلبة تستطيع تحريك المجتمعات للضغط والتأثير في الحكومات، واستغلال الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر أفكار هذه المبادرات".

ومراراً، طالبت تركيا بإعادة هيكلة منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأصدر الرئيس أردوغان كتاباً تحت عنوان "من الممكن إنشاء عالم أعدل"، ركز فيه على أهمية إجراء إصلاح في هيكلية مجلس الأمن الدولي ورفع عدد أعضائه الدائمين من 5 إلى 20 عضواً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً