"مليارديرات الفضاء".. كيف يشعل مسبار ناسا القمري المنافسة بين بيزوس وماسك؟ / صورة: AFP (Handout/AFP)
تابعنا

في السنوات الأخيرة، شهد استكشاف الفضاء انبعاثاً مزهراً، مدفوعاً إلى حدّ كبير بطموح وموارد رواد الأعمال أصحاب الرؤية. اثنان من الشخصيات البارزة في هذا العصر الجديد من سباق الفضاء هما جيف بيزوس، مؤسس "أمازون" (Amazon) وشركته الخاصة بالفضاء "بلو أوريجن" (Blue Origin)، وإيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" (Tesla) وشركته الفضائية "سبيس إكس" (SpaceX).

ومع شركات الفضاء الخاصة بهم، وضع هؤلاء المليارديرات أنظارهم على القمر، واشتعلت المنافسة بينهم من خلال مبادرات المسبار القمري التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" التي تسعى بنشاط للعودة إلى القمر كجزء من برنامج "آرتميس" (Artemis)، والذي يهدف بدوره إلى تأسيس وجود بشري مستدام على سطح القمر بحلول عام 2024.

ولتحقيق هذا الهدف، تسعى ناسا إلى إقامة شراكات مع شركات الفضاء التجارية لتطوير مركبات هبوط على سطح القمر قادرة على حمل رواد فضاء، وهو المكان الذي يدخل فيه بيزوس وماسك إلى الصورة للحصول على عقود ناس. العقود ليست مربحة فحسب، بل تأتي أيضاً بمكانة هائلة، لأنها تمثل خطوة مهمة نحو الهدف طويل الأجل المتمثل في الاستعمار البشري للقمر وما بعده.

دخول بيزوس على خط القمر

أعلنت وكالة ناسا يوم الجمعة أن "بلو أوريجن" ستعمل على إعداد مفهوم مسبار "القمر الأزرق" (Blue Moon) لمهمة أطلق عليها اسم "Artemis V"، التي من المقرر أن تنطلق بحلول عام 2028. سيكون "Artemis V" هو الثالث في سلسلة من المهام في إطار برنامج الهبوط بالبشر على القمر التابع لناسا.

وحسب شبكة CNN الأمريكية، ستطور "بلو أوريجن" مركبة الهبوط على سطح القمر جنباً إلى جنب مع شركائها عقد تطوير المسبار الذي من المرجح أن تبلغ تكلفة تطويره الإجمالية أكثر من 7 مليارات دولار. بينما تبلغ قيمة عقد "بلو أوريجن" نحو 3.5 مليار دولار، وفقاً لجيم فري، المسؤول المساعد في وكالة ناسا لتطوير أنظمة الاستكشاف.

وفي سياق متصل، قال مدير ناسا بيل نيلسون: "نريد إقامة دوام على القمر، ونريد التأكد من أن لدينا وصولاً ثابتاً إلى القمر". وأضاف: "ومع أخذ ذلك في الحسبان، تسهم بلو أوريجن نفسها بأكثر من 50% من إجمالي الجهد، ليس فقط للوصول إلى هذه المهمة ولكن لضمان الاستمرارية".

أين ماسك من هذه المنافسة؟

حصلت شركة "سبيس إكس" على أول عقد للهبوط على سطح القمر - بقيمة 2.9 مليار دولار - في أبريل/نيسان 2021، إذ أسست الشركة لتطوير نسخة من مركبة الفضاء "ستارشيب" (Starship) المخصصة لمهمة (Artemis III) التابعة لناسا التي من المتوقع إطلاقها في وقت مبكر من عام 2025، والتي ستنطلق إلى القمر فارغة في البداية قبل أن تلتقي بكبسولة (Orion) التابعة لوكالة ناسا، والتي تهدف إلى نقل رواد الفضاء إلى مدار حول القمر.

وفي مهمة (Artemis IV) اللاحقة، من المخطط أن تنضم "ستارشيب" إلى (Gateway)، وهي محطة فضائية سوف تصمم بهدف الدوران حول القمر.

يذكر أنه ليس من الواضح ما إذا كانت وكالة ناسا و"سبيس إكس" ستلتزمان بالموعد النهائي، ولا سيما بعدما انفجرت "ستارشيب" الشهر الماضي بعد محاولة إطلاقها التجريبية الافتتاحية. و"ستارشيب"، هو صاروخ عملاق ونظام مركبة فضائية مصمم للعمل بمفرده.

بالمقابل، تخطط "بلو أوريجن" ـ التي رفعت في عام 2021 دعوى قضائية ضد حكومة الولايات المتحدة، قائلة إن وكالة ناسا تفضل بشكل غير عادل شركة "سبيس إكس" - لتطوير مركبة هبوط على سطح القمر - مماثلة لتلك المستخدمة في مهمات أبولو.

وعلى الرغم من حكم المحكمة ضد شركة بيزوس، فإن إعلان ناسا يوم الجمعة كان بمنزلة تغيير جذري للبرنامج، إذ يضيف رسمياً مزوداً ثانياً للهبوط على سطح القمر للتنافس مع "سبيس إكس" في مهام تتجاوز (Artemis V).

منافسة محتدمة

الدافع وراء المنافسة بين بيزوس وماسك هو تصميمهما المشترك على دفع حدود استكشاف الفضاء. فكلاهما معروف بسعيهما الدؤوب لتحقيق أهداف طموحة واستعدادهما لاستثمار مبالغ كبيرة من ثرواتهما في مشاريعهما الفضائية. وقد حققت شركاتهم تطورات كبيرة في تكنولوجيا الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، وخفضت تكلفة السفر إلى الفضاء، وفتحت إمكانيات جديدة للاستكشاف.

وإلى جانب المكاسب المالية الفورية والمكاسب المتعلقة بالسمعة، فإن تأمين عقود وكالة ناسا لاستكشاف القمر له آثار كبيرة طويلة الأجل لكل من "بلو أوريجن" و"سبيس إكس". ستضع الخبرة والتكنولوجيا التي طوّرت من خلال هذه الشراكات الشركات في طليعة اقتصاد الفضاء الناشئ. فسوف يكتسبون خبرة لا تقدر بثمن في رحلات الفضاء البشرية وعمليات سطح القمر، ما يضعهم في موقع رئيسي للاستفادة من الفرص المستقبلية مثل تعدين الكويكبات ونشر الأقمار الصناعية وحتى البعثات إلى المريخ.

وتتجاوز المنافسة بين بيزوس وماسك مجرد التنافس التجاري، إذ يعتقد كلاهما أن استكشاف الفضاء والاستعمار أمران حاسمان لبقاء جنسنا البشري وتقدمه على المدى الطويل. فمن خلال التنافس على الهيمنة على الساحة القمرية، فإنهم يدفعون حدود ما هو ممكن ويلهمون جيلاً جديداً من العلماء والمهندسين والحالمين لمتابعة تطلعاتهم في الفضاء.

ومع استمرار مبادرات المسبار القمري لوكالة ناسا في الظهور، ستشتد المنافسة بين بيزوس وماسك بلا شك على التفوق في السباق لغزو القمر، سواء من خلال المعارك القانونية أم الاختراقات التكنولوجية أو غيرها. ولكن بغض النظر عن النتيجة، فإن التنافس بينهما يدفع وصول البشرية إلى الكون، ويضمن بقاء مستقبل استكشاف الفضاء مثيراً كما كان دائماً.

TRT عربي