بينما ينصب اهتمام العالم على غزة، فإن العنف في الضفة الغربية، بلغ أعلى مستوياته منذ سنوات، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من "تزايد كبير" في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
ويقول مراقبون إن الزيادة الحادة في أعمال العنف هي جزء من حملة أوسع لإخافة الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم، وقد سُمح لها بالتسارع وسط مزاج إسرائيل الغاضب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لما نقلته نيويورك تايمز.
ووسط تصاعد التقارير عن عنف المستوطنين منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، طلب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من إسرائيل اتخاذ خطوات "عاجلة" لوقف أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون الإسرائيليون. وقالت وزارة الخارجية في بيانها إن بلينكن "شدد على الحاجة المُلحة لاتخاذ خطوات إيجابية لتهدئة التوترات في الضفة الغربية، بما في ذلك من خلال مواجهة المستويات المتزايدة من عنف المستوطنين المتطرفين".
عنف تحت غطاء العدوان
وقال المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، درور سادوت، إن العنف تصاعد منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ تنشغل إسرائيل بالحرب في غزة. وتابع سادوت في تصريحات صحفية: "لقد تصاعد حجم وشدة الهجمات". "ما نراه هو أن المستوطنين يستهدفون بشكل أساسي مجتمعاً تلو الآخر، ويهاجمون عدة مرات تحت غطاء حرب غزة".
وحسب المراقبين، فقد أطلقت عملية "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول العنان لهجمات المستوطنين في الضفة الغربية ضد المدنيين الفلسطينيين، الذين تعرضوا لهجوم عنيف ومضايقات المستوطنين المتطرفين ووحدات الاحتياط التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، التي جرى تشكيلها لتوفير مزيد من الأمن للمستوطنات الإسرائيلية.
وفي عمق هذه الإعدادات والتهديدات، تغتنم حركة الاستيطان الإسرائيلية الفرصة لتهجير الفلسطينيين وممارسة مزيد من السيطرة في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، بدعم سياسي من وزراء اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم، الذي يضم أحزاباً قومية يهودية متطرفة تدعم حركة الاستيطان. يذكر أن كلّاً من وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش يعيشان في مستوطنات الضفة الغربية.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية منذ عام 1967، وهي المنطقة التي تضم الآن عدداً كبيراً من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، فيما يحدث معظم هجمات المستوطنين في المنطقة (ج)، وهي جزء من الضفة الغربية تديره إسرائيل مباشرة.
مساعٍ لتهجير فلسطينيي الضفة
وحسب مجموعات إسرائيلية ناشطة مثل "بتسيلم" و"السلام الآن"، اللتين تعارضان الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية، فضلاً عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن موجة المضايقات التي تقودها مليشيات المستوطنين قد دفعت مئات الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق ريفية معرضة للخطر إلى ترك منازلهم وقُراهم.
ووفقاً لـ"بتسيلم"، جرى تهجير نحو 963 فلسطينيّاً من 16 تجمعاً في الضفة الغربية نتيجة اعتداءات المستوطنين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما سجَّل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أرقاماً أعلى للنازحين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويقول إن ألفاً و149 شخصاً من 15 مجتمعاً رعويّاً قد نزحوا بسبب عنف المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي، حسب ما نقلته تايمز أوف إسرائيل.
إلى جانب ذلك، ظهرت في الأيام الأخيرة صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحمل اسم "هاجروا الآن" تدعو فلسطينيي الضفة الغربية بلُغة عربية ركيكة إلى الرحيل عن أرضهم نحو الأردن. يذكر أن هذه الصفحة قد ظهرت بعد أيام من توزيع مستوطنين متطرفين منشورات في الضفة الغربية هددوا فيها أهلها بالترحيل القسري إلى الأردن، وإلا عليهم انتظار "النكبة الكبرى".
مشاهد من جرائم المستوطنين
ووفقاً لمنظمة "يش دين"، وهي جماعة أخرى تعارض السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فقد وقع أكثر من 185 هجوماً للمستوطنين ضد الفلسطينيين في أكثر من 84 بلدة وقرية حول المنطقة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ونشرت صحيفة هآرتس تقريراً طويلاً الشهر الماضي يشرح بالتفصيل كيف احتجز المستوطنون الإسرائيليون والجنود وعذبوا ثلاثة فلسطينيين في وادي السيق، شرق رام الله، في 12 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق مستوطنان إسرائيليان النار على بلال محمد صالح، بائع الميرمية والزعتر الفلسطيني، وقتلاه في أثناء قطفه الزيتون في الزاوية، قرب نابلس، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. وسبق أن أفادت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية باستشهاد أربعة فلسطينيين في هجوم شنه مستوطنون إسرائيليون مسلحون في بلدة قصرة يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي الخليل، فإن الوضع مقيد بشكل خاص، إذ فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حظر تجول على 11 حيّاً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لـ"بتسيلم"، إذ تعد مدينة الخليل، موقع الحرم الإبراهيمي، نقطة اشتعال متكررة بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وتتعرض القرى والمجتمعات الرعوية في التلال والأراضي الريفية لاعتداءات متزايدة، بما في ذلك ما تعرض له راعي أغنام من سكان قرية سوسيا الفلسطينية في تلال جنوب الخليل، عندما ضُرب على يد رجال مسلحين ملثمين يرتدون زي الجيش الإسرائيلي وهددوه بالقتل إذا لم يغادر أرضه، حسبما نقلت تايمز أوف إسرائيل.
ويعكس بعض الحوادث المحددة، مثل القتل في حقول الزيتون والاعتداءات على المجتمعات الرعوية، مشكلة طويلة الأمد في الضفة الغربية، تفاقمت كثيراً منذ عملية "طوفان الأقصى". ويقول عديد من الفلسطينيين إن المستوطنين المتطرفين المدجَّجين بالسلاح يعملون دون عقاب لسنوات، والآن أصبحت اعتداءاتهم أكثر جرأة وأكثر فتكاً ودون توقف، خصوصاً أن السلطات الإسرائيلية قد وزعت الأسلحة على المستوطنين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول لأسباب أمنية.