تابعنا
لكن مع تطور المفاهيم الغذائية خلال العقد الماضي، وظهور أنماط جديدة من الحميات غير التقليدية، لم يعُد يُنظر إلى الإفطار على أنه أهم وجبة، ومع ذلك فإن تأكيد أو نفي أهميته قضيّة معقدة بعض الشيء.

غالباً ما يشار إلى الإفطار على أنه أهمّ وجبة في اليوم بعد ساعات طويلة من النوم، إذ يمدّ الجسم بالعناصر الغذائية الأساسية اللازمة لصحة جيدة.

استمرّت هذه المعلومة بالانتشار طوال العقود الماضية، ويرجح أنها بدأت بعد نصيحة غذائية قدمتها إخصائية التغذية الأمريكية أديل ديفيس في ستينيات القرن الماضي حول أهمية تناول الإفطار، لخّصتها بقولها حينها: "تناوَل الإفطار مثل الملك، والغداء مثل الأمير، والعشاء مثل الفقير".

لكن مع تطور المفاهيم الغذائية خلال العقد الماضي، وظهور أنماط جديدة من الحميات غير التقليدية، لم يعُد يُنظر إلى الإفطار على أنه أهم وجبة، ومع ذلك فإن تأكيد أو نفي أهميته قضيّة معقدة بعض الشيء٬ إذ يشير عديد من الأبحاث الحديثة إلى أنّ تفويت تناول الإفطار ليس ضاراً على خلاف الاعتقاد السائد المستند إلى عديد من الدراسات الأخرى التي ترى عكس ذلك.

هل الإفطار هو الوجبة الرئيسية في اليوم؟

وفقاً لدراسة تحليلية اشترك فيها ما يزيد على 30 ألف شخص على مدار ما يزيد على 10 سنوات، فإنّ البالغين الذين لم يتناولوا وجبة الإفطار كانوا أكثر عرضة لوجود نقص في الكالسيوم والحديد وحمض الفوليك وعديد من الفيتامينات٬ إلى جانب أنّ جودة النظام الغذائي العامة الخاصة بهم كانت أسوأ بكثير مقارنة بأولئك الذين تناولوا وجبة الإفطار بانتظام٬ واعتمدت الدراسة على هذه النتائج لتأكيد أهمية وجبة الإفطار.

ولكن في الحقيقة إنّ ذات الدراسة ذكرت أن هذا النقص حصل بسبب عدم استهلاك هذه العناصر الغذائية في وقت لاحق من اليوم في الوجبات الأخرى٬ إذ يوفر الإفطار بحدّ ذاته فرصة فريدة لاستهلاك المغذيات المهمة التي قد تكون أقل حضوراً في الوجبات اللاحقة.

قاد هذا الاستنتاج الباحثين للسؤال: ماذا لو جرى تعويض هذه العناصر خلال اليوم؟ أو ماذا لو لم يحتوِ الإفطار أصلاً على هذه العناصر الغذائية المهمة؟ هل تفقد وجبة الإفطار حينها أهميتها المزعومة؟

تشير الدراسات التي تخالف الاعتقاد السائد إلى أنّه ما دام باستطاعة الشخص تضمين العناصر الغذائية المهمة خلال الوجبات الأخرى فقد لا يكون في تفويت الإفطار مشكلة، ووصفت إحدى هذه الدراسات وجبة الإفطار بأنّها "مجرد وجبة أخرى" عوضاً عن "الوجبة الأهم في اليوم".

كما تركز دراسات أخرى اهتمامها على ضرورة الانتباه إلى جودة الإفطار بحدّ ذاته بدلاً من التركيز على نقطة تفويت الإفطار من عدمه.

على صعيد آخر٬ لوحظ أنّ الأشخاص الذين يلتزمون تناول الإفطار بانتظام يومياً كان لديهم فرصة أقلّ للإصابة بأمراض مختلفة مثل السكري٬ وأمراض القلب٬ والمشكلات المرتبطة بعمليات الأيض في الجسم.

ولكن ترتكز الآراء المتصاعدة من قبل إخصائيي التغذية الحديثة على أنّه يمكن لهذه الدراسات الإشارة فقط إلى أنّ أولئك الذين تناولوا وجبة الإفطار كانوا أقلّ عرضة لخطر الإصابة بهذه الأمراض دون إثبات أنّ الإفطار هو السبب بحدّ ذاته٬ وذلك بالاعتماد على أنّ الفوائد المزعومة لتناول الإفطار مستمدة في المقام الأول من الدراسات الرصدية، كحال المذكورة آنفاً والتي لا يمكن في الحقيقة أن تثبت العلاقة بين السبب والنتيجة.

غالباً ما يولي أولئك الذين يتناولون وجبة الإفطار بشكل منتظم إجمالي استهلاكهم من العناصر الغذائية مزيداً من الاهتمام٬ ويحرصون على التزام ممارسة الرياضة٬ والتحكّم بمستوى الإجهاد النفسي٬ ما ينعكس إيجاباً على الصحة بشكل عام.

على العكس من ذلك، يميل أولئك الذين يفوّتون وجبة الإفطار إلى عادات نمط حياة غير صحية مثل التدخين٬ بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي عالي الدهون والكوليسترول والسعرات الحرارية.

عند تحليل هذه الملاحظات من زاوية أخرى٬ يرى عديد من الباحثين أنّ هذا يقودهم إلى استنتاج أنّ نمط الحياة المُتَبع هو ما يسهم في الحقيقة في الحصول على صحة أفضل، وليس تناول وجبة الإفطار.

تفويت الإفطار وزيادة الوزن

من بين أكثر المواضيع الشائكة في ما يخص تفويت الإفطار ارتباطه بزيادة الوزن وارتفاع معدلات السمنة٬ ولكن يرى الباحثون أن غالبية الدراسات التي تناقش هذا الارتباط لا تتناول السببية ونجدهم يطرحون السؤال التالي: هل من المرجح أن ينتهي الأشخاص الذين يفوّتون وجبة الإفطار بمؤشر كتلة جسم أعلى، المعروف بالـBMI (وهو الوزن بالكيلوغرام مقسوماً على الطول بالمتر)٬ أم أنّ الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة جسم أعلى أكثر عرضة لتفويت وجبة الإفطار باعتباره جزءاً من استراتيجية فقدان الدهون أو لأسباب أخرى؟

خلصت دراسة تحليلية، جرت فيها مراجعة منهجية لتسعة أبحاث درست العلاقة بين تفويت الإفطار وزيادة الوزن٬ إلى تقديم الحدّ الأدنى من الأدلة لإثبات وجود رابط٬ كما لفتت الدراسة الانتباه إلى أنّه لا يوجد تجانس في المنهجية المتّبعة في دراسات كهذه، إلى جانب أنّه لا بدّ من وجود تعريف متسق وواضح لمُصطلحَي تفويت الإفطار أو تناوله.

هل تفويت الإفطار إذاً خيار شخصي؟

على الرغم من أنّ العلم يرى أنّ الإفطار قد لا يكون أهم وجبة في اليوم، فإنّه لا يزال مهماً٬ وهناك حاجة لتعريف ما هو "مهم" بشكل موضوعي.

وحول تخطي الإفطار أم لا، لا يوجد جواب مطلق، إذ إنّ هذا يعتمد على الشخص نفسه ونمط حياته وسلوكياته الغذائية والصحية بشكل عام، فإن كان الفرد يستهلك كميات مناسبة من السعرات الحرارية والمغذيات على مدار اليوم، فإن تفويت وجبة الإفطار لن يحدث فرقاً كبيراً.

إذا كنت لا تشعر بالجوع في الصباح ولا تشعر أنك بحاجة إلى الإفطار فلا تتناوله٬ ولكن إن كنت من أولئك الذين يستيقظون جائعين فبالطبع عليك تناول الإفطار، الأمر بهذه البساطة.

المهم هو تناول الطعام بوعي٬ وتناول وجبة إفطار صحية، ويُنصح أن تكون غنيةً بالبروتين والألياف٬ وبطبيعة الحال يوجد بعض المحاذير٬ إذ يفضل ألّا تفوّت المرأة الحامل أو المرضعة وجبة الإفطار٬ كذلك يُنصح بتناول الإفطار بانتظام لفئتَي الأطفال والمراهقين لكونهم في فترة نموّ٬ كما أنّه لا بدّ من تناول الإفطار لممارسي الرياضة صباحاً٬ ويضاف إلى القائمة أولئك الذين يعانون من مشكلات في مستويات السكر أو أيّ حالات خاصة أخرى يحدّدها مقدّم الرعاية الصحية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً