وتبدو مناظرة الليلة مختلفة عن تلك التي جمعت ترمب ببايدن الذي كان أقل شعبية في استطلاعات الرأي وانسحب من السباق الرئاسي على أثر أدائه الضعيف فيها، ولكن بعدما رشح الديمقراطيون هاريس، استطاعت حملتها في أسابيع قليلة أن تحرز تقدماً انعكس على نتائج استطلاعات الرأي.
ووجدت تحليلات أجرتها مجلة الإيكونوميست البريطانية أن المرشحَين قد يكونان متساويان في فرص الفوز، وهذه النتائج تتفق مع استطلاع على مستوى الولايات المتحدة، أجرته صحيفة نيويورك تايمز ومعهد سيينا، أظهر أن المرشحَين متعادلان فعلياً، ما يشير إلى أن المناظرة الرئاسية اليوم قد تكون لحظة حاسمة.
تقارب شديد في استطلاعات الرأي
أظهر استطلاع الرأي الوطني الذي أجرته نيويورك تايمز مع معهد سيينا ونُشر يوم الأحد، أن ترمب يتقدم بنقطة مئوية واحدة على هاريس (48% مقابل 47%)، وهو فارق يقع ضمن هامش الخطأ في الاستطلاعات الذي يبلغ ثلاث نقاط مئوية. فيما وجد استطلاع منفصل أجرته نفس المؤسستين الشهر الماضي وركز فقط على الولايات المتأرجحة الرئيسية، أن هاريس تتقدم على ترمب بأربع نقاط مئوية، بنسبة 50% مقابل 46%.
كما أكدت نتائج استطلاع للرأي أجرته شبكة سي بي إس، بالتعاون مع يوغوف، يوم الأحد، أن السباق متقارب أيضاً في الولايات المتأرجحة الرئيسية، إذ تقدمت هاريس بفارق ضئيل في ميشيغان (50% -49%) وويسكونسن (51% -49) وتعادلت في بنسلفانيا.
كانت بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن ولايات ديمقراطية قبل أن يحولها ترمب في طريقه للفوز بالرئاسة في 2016، واستعاد بايدن السيطرة عليها مرة أخرى عام 2020، وإذا استطاعت هاريس أن تفعل الشيء نفسه هذا العام، فستكون في طريقها للفوز بالانتخابات، وفق ما قالته صحيفة BBC البريطانية.
من ناحية أخرى، أظهر استطلاع نيويورك تايمز أن الناخبين يشعرون بحاجة إلى معرفة المزيد عن هاريس، في حين أن آراءهم حول ترمب كانت محددة إلى حد كبير، إذ قال 28% من الناخبين المحتملين إنهم بحاجة إلى مزيد من المعلومات حول المرشحة الديمقراطية، فيما قال 9% فقط نفس الشيء عن ترمب.
وعقب نتائج الاستطلاع، قالت جين أومالي ديلون، رئيسة الحملة الانتخابية لهاريس، الأحد، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى أنصارها: "كما قالت نائبة الرئيس هاريس منذ اليوم الأول، نحن الأضعف في هذا السباق. لدينا كثير من العمل الذي يتعين علينا فعله للتأكد من فوزنا في نوفمبر/تشرين الثاني، وهذا سيتطلب منّا الاستمرار في جمع الأموال بقوة".
ملفات قد تحسم السباق
يشكل الاقتصاد والتضخم فاعلين رئيسيين في نية الناخبين، ويكشف استطلاع لمركز بيو للأبحاث عن أن نحو 8 من كل 10 ناخبين مسجلين، أي 81%، يقولون إن الاقتصاد سيكون عاملاً مهماً جداً في تحديد قرارهم النهائي بشأن أصواتهم في الانتخابات الرئاسية للعام الجاري.
ويكشف الاستطلاع أن الناخبين يميلون إلى الثقة أكثر في ترمب في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والهجرة، الذي كان مفضّلاً على نطاق واسع بين الناخبين البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي، إذ حصل ترمب على نسبة 53% فيما حازت هاريس على 27% من بينهم، إذ يعتقدون أن الأول سيوفر الفرص الاقتصادية لأفراد الطبقة العاملة.
وفي حين يثق نصف الناخبين أو أكثر بقدرة ترمب على اتخاذ قرارات جيدة في مجالي الاقتصاد والهجرة، يثق الناخبون أكثر بهاريس لاتخاذ قرارات جيدة بشأن سياسة الإجهاض ومعالجة القضايا المتعلقة بالعِرق بشكل فعال.
وبينما يرى المستطلَعون أن ترمب يتفوق بشكل طفيف على هاريس في التعامل مع قضايا إنفاذ القانون والعدالة الجنائية (51% - 47%)، فإنهم واثقون بنفس القدر في هاريس وترمب لاختيار مرشحين جيدين للمحكمة العليا (50% لكل منهما)، وفق مركز بيو.
ويعتقد أقل من نصف الناخبين أنهم واثقون جداً أو إلى حد ما بأيٍّ من المرشحين لتقريب البلاد بعضها من بعض (41% بهاريس، و36% بترمب)، فيما يُعرب الناخبون عن ثقة ضئيلة نسبياً في كلٍّ من ترمب (37%) وهاريس (32%) للحد من تأثير المال في السياسة، حسب نتائج نفس الاستطلاع.
مَن يتفوق في المناظرة؟
تشير التقارير إلى أن لكلا المرشحين مميزات قد تُمكِّنه من أن يكون له اليد العليا في المناظرة، فلهاريس تاريخ في المناظرات الانتخابية منذ عام 2003 عندما فازت بالسباق لتتولى منصب المدعي العام لمنطقة سان فرانسيسكو، كما شاركت في المناظرات خلال حملاتها الناجحة لانتخابها نائبة عامة لولاية كاليفورنيا وعضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا.
وناظرت جو بايدن في 2019 عندما كانت تنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، كما واجهت مايك بنس في مناظرة نائب الرئيس لعام 2020، وأظهرت حينها قدرة على السيطرة، كما اكتسبت هاريس الكثير من الخبرة في المناظرات في مجلس الشيوخ الأمريكي وقبل ذلك في عملها مدعيةً عامةً في محاكم كاليفورنيا.
وتشير BBC إلى أن هذا التاريخ من أداء المناظرات قد يكون في صالح هاريس، إذ تتمثل المهارة الأساسية في تسليط الضوء على نقاط ضعف الخصم، وقد يفيدها ذلك عند تفنيد النقاط التي يطرحها دونالد ترمب في أثناء المناظرة.
ويردف التقرير أنه رغم ذلك، فشلت هاريس في أن تكون المرشحة الرئاسية الديمقراطية لعام 2020، وانسحبت قبل المنافسة الأولى، وكان من أهم الانتقادات التي وُجهت إليها أنها ليست لديها مواقف سياسية ثابتة، كما ينتقدها البعض لما يرونه منها من إطالةٍ في الحديث خلال الإجابة عن الأسئلة.
أما ترمب فقد سبق وشارك في سلسلتين من المناظرات الرئاسية، في عامي 2016 و2020، وأثبت أنه خصم يقاتل بشراسة وغير تقليدي. وفي أثناء مناظرات 2016 ضد هيلاري كلينتون، كان يسير على خشبة المسرح ويقف خلفها مباشرةً في أثناء حديثها، الأمر الذي قالت عنه إنه "جعل جسدها يرتعد".
وتعتقد BBC أنه على الأرجح، كان هذا الأسلوب هو السبب وراء تعطيل خصوم الرئيس الأمريكي السابق وتسليط الضوء عليه طوال الوقت خلال المناظرات، ومع ذلك، غالباً ما كان ترمب ينحرف عن الموضوع في أثناء المناقشات ويؤكد كثيراً من الأمور التي بيَّن مدققو الحقائق أنها غير صحيحة، وفق نفس التقرير.
هل تؤثر المناظرة في استطلاعات الرأي؟
تقول مجلة الإيكونوميست إن علماء السياسة أبدوا تشككهم في مدى تأثير المناظرات، فقد حلّل روبرت إريكسون من جامعة كولومبيا، وكريستوفر وليزين من جامعة تكساس في أوستن، الانتخابات الرئاسية من عام 1960 إلى عام 2008، ووجدوا أن استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل المناظرات كانت قريبة للغاية من تلك التي أُجريت بعد أسبوع من المناظرات.
وتشير تحليلات أخرى أجرتها المجلة للبيانات التي جمعها نفس الباحثين إلى أن المناظرات لم تُحدث فرقاً كبيراً في عام 2012، أو حتى عام 2016، عندما اجتذبت المناظرة الأولى بين هيلاري كلينتون وترمب 84 مليون مشاهد.
ووفق الإيكونوميست فليس من المستغرب أن نادراً ما تُحدث المناظرات فرقاً، فالذين يتابعون المناظرات يميلون إلى الاهتمام بالسياسة بالفعل، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن المؤيدين للحزب أكثر ميلاً إلى المشاهدة من المستقلين، وكثير منهم قد اتخذوا قرارهم بالفعل.
ولكن تُردف المجلة أن هذه الانتخابات مختلفة، إذ أصبحت هاريس بطلة الحزب الديمقراطي في وقت متأخر جداً من السباق، وهي معروفة لأولئك الذين يتابعون السياسة من كثب، لكنَّ عديداً من الأمريكيين ما زالوا يتعرفون عليها، وتشير الأبحاث إلى أن الناخبين يستفيدون أكثر من المناظرات عندما يعرفون أقل عن المرشحين.
ويوضح تقرير المجلة أنه قبل المناظرة التي تسببت في انسحاب بايدن من السباق، كان صافي تصنيف تأييد هاريس -17 نقطة مئوية، وقد قفز منذ ذلك الحين إلى 0.1، وفق استطلاعات الرأي في ذلك الوقت.
ويضيف أن حياتها المهنية مدعيةً عامَّةً منحتها عزيمة في الاستجواب والمناظرة، و"إذا تمكنت هاريس من إظهار نفس المهارة ضد ترمب، فقد تكسب مزيداً من الأمريكيين خلال هذه المناظرة. وفي سباق متقارب، قد يكون ذلك حاسماً"، وفق الإيكونوميست.