عملت تركيا على مدار تاريخها على تعزيز قواتها البحرية بالنظر إلى موقعها الجغرافي، حيث إنها محاطة بالبحار من ثلاث جهات. وباعتبارها وريثة الإمبراطورية التي حكمت البحار، حاولت دائماً تلبية احتياجاتها من السفن العسكرية للوحدات البحرية بأفضل الطرق.
وبدأت تركيا مؤخراً مشروع السفن الوطنية ميلغم، الذي يجمع بين تقليد بحري عمره 600 عام منذ الإمبراطورية العثمانية حتى يومنا هذا، وبين خبرتها في الصناعات الدفاعية.
أحيا مشروع ميلغم صناعة الدفاع في القطاع البحري بتصميمات محلية بالكامل، وذلك بمساهمة عديد من الشركات الوطنية الكبيرة والصغيرة التي نفذت تلك التصاميم في وقت قصير، وأدى تقاسم تركيا لهذه المشاريع التي حققت نجاحاً محلياً وعالمياً مع الدول الحليفة إلى بروز شأنها في الساحات الدولية.
وقد جرى إضفاء طابع مؤسسي على هذا المشروع التي دشنته وزارة الدفاع الوطني بإنشاء شركة عام 2018 بهدف تسريع عملية تنفيذه وفقاً للمبادئ المناسبة لرؤية ومهام الوزارة. وقد بدأ نشاط هذه الشركة التي ذاع صيتها في قطاع الصناعات الدفاعية على المستويين المحلي والعالمي تحت اسم "شركة تشغيل المصانع العسكرية والترسانات التركية المساهمة أسفات" (ASFAT).
أكبر مشروع تصدير في الصناعة البحرية التركية
لطالما أولت تركيا تطوير وتعزيز الدول الحليفة لها عبر التاريخ أهمية كبيرة، واتبعت سياسة تشاركية في مشاريع الصناعات الدفاعية اجتازت الحدود المحلية، وأحد الأمثلة الواضحة على هذه السياسة هو الارتفاع الأخير في صادرات صناعات الدفاع التركية-الباكستانية، وتستمر الأخيرة في كونها حليفاً مؤثراً لتركيا، مبرمة اتفاقاً في شراكة مشروع سفن ميلغم.
وجرى إطلاق المشروع عام 2004 من خلال إنتاج السفن المحلية والوطنية بالكامل، بهدف تعزيز استقلالية تركيا. ولخدمة هذه الرؤية يهدف المشروع الذي دُشِّن مع شركة ASFAT إلى الاستبدال بالسفن العسكرية القديمة التابعة للبحرية التركية سفناً متطورة ومجهزة بتصاميم محلية وطنية تتماشى مع تعليمات قيادة القوات البحرية.
ومع دخول الفرقاطات من فئة ADA إلى الوحدات البحرية بدأ المشروع بجني أولى ثمار أهدافه في وقت قصير، وتطوِّر أفاست التي تزيد سرعتها وقدرتها الإنتاجية مع كل منتج جديد سفنها من خلال مراعاة اقتراحات وطلبات المستخدمين، ولم يعُد إنتاج الشركة يقتصر على تصميم السفن وإنتاج المنصات فحسب، بل أصبح الإنتاج محلياً بالكامل في آليات الدفاع والهجوم الموضوعة فوق المركبات.
وجرت تلبية احتياجات المعدّات العسكرية من أنظمة الدفاع التي تحصن السفينة من التهديدات البحرية والأرضية والجوية ووحدات الإطلاق الناري بالشراكة مع عديد من الشركات، مثل ASELSAN وMakine Kimya Endüstrisi وROKETSAN وSTM، ويحطم مشروع ميلغم -الذي تتجاوز استثماراته 1.2 مليار دولار- الرقم القياسي للصادرات في فئة المنصات البحرية لصناعات الدفاع التركية.
سفينة ميلغم الدورية
وتشير عقيدة الوطن الأزرق لتركيا إلى أنّ البحار مرتبطة بالأرض، والمخافر البحرية لها نفس قيمة الموجودة على اليابسة، ويؤكد هذا المبدأ ضرورة حماية الدول الساحلية للبحار مثل الأراضي.
وتعمل سفينة الدوريات البحرية قاعدة برية كاملة في الماء، فهي سفينة حربية رفيعة المستوى تملك آليات دفاعية كبيرة مثل الحماية ضدّ التهديدات البرية والجوية والبحرية، سواء من السطح أو العمق، وذلك بالإضافة إلى قدراتها الهجومية.
وإضافةً إلى قدرة سفن ADK على كشف الهجمات المحتملة وتتبعها وصدّها فإنّها توفر الحماية للسفن المستخدمة في التنقيب والأنشطة المماثلة داخل الحدود البحرية لتركيا.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع السفينة المذكورة، التي تحتوي على قاذفة مدفع عيار 76 ملم من إنتاج شركة Makine ve Kimya Endüstrisi، بصفات متفوقة على نظيراتها في فئتها، إذ تتمكن السفينة من الحركة المستمرة في البحر لمدة 21 يوماً من دون الحاجة إلى التزويد والإمداد.
من ناحية أخرى تتسع السفينة التي تُوصف بأنّها قلعة بحرية لـ104 من العمال، وتحتوي على أنظمة دفاع هائلة مثل نظام Gökdeniz الذي تنتجه شركة Aselsan، ونظامَي Atmaca وHisar اللذين تنتجهما شركة Roketsan.
ويبلغ طول السفينة -التي تمتلك القدرة على القيام بأنشطة بحرية عملياتية- 99.56 متر، وعرضها 14.42 متر، ووصلت سرعتها إلى 24 عقدة، أي نحو 44 كيلومتراً في الساعة.
خدمات فريدة جذبت الأنظار
وفي الماضي تعرّضت تركيا لحظر توريد عديد من المنتجات العسكرية الغربية إليها، لأسباب لا أساس لها. لذا فهمت تركيا مدى التأثير السلبي في وضع شروط الاستخدام لمنتجاتها بعقود وتفاهمات مقيدة للمستخدِم، لذلك فإنّ مشروع ميلغم ليس مجرّد عملية بيع منتج وينتهي، ففي مرحلة ما بعد البيع والاستخدام مثل الصيانة وتوفير قطع الغيار اللازمة حاولت تركيا أيضاً التقليل من الاعتماد الخارجي.
ولبّت تركيا هذه الحاجة من خلال مركز بنية تحتية لوجستية متكاملة، وتوفير الموظفين المُدرَّبين جيداً على عملية الصيانة التي تختلف من قطعة إلى أخرى.
وتهدف هذه المبادرة إلى القضاء على إبقاء آلاف السفن ذات الحمولة راسية لأشهُر عدّة لأسباب غير منطقية مثل حاجتها إلى قطع غيار بسيط، كما تعمل على زيادة قابلية استخدام المنتج من خلال توفير التدريب اللازم لموظفي مستخدمي السفن ومشتريها، لضمان الانتقال السلس إلى البلد المتلقي ومن دون مواجهة الصعاب هناك بعد الشراء.
وقد اتّبعت تركيا هذه الخطوات في جميع مشاريع ميلغم المصدرة إلى باكستان، مقدمة خدمات فريدة من نوعها في العالم، ما لفت الأنظار إلى منتجات الصناعة الدفاعية البحرية التركية في عديد من دول الشرق الأوسط، وأصبحت دول كالسعودية وليبيا وقطر تهتمّ بتلك المنتجات عن قرب.