إن الصراع في أوكرانيا، الذي بدأ في عام 2014 بضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتصاعد إلى حرب شاملة في أواخر فبراير/شباط 2022، لم يختبر قدرة الشعب الأوكراني على الصمود فحسب، بل اختبر أيضاً صمود حلفائه في أوروبا والولايات المتحدة.
مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الثامن عشر، هناك سؤال يلوح في الأفق، يلقي بظلاله على مستقبل البلاد: هل سيتخلى عنها حلفاء أوكرانيا مع استمرار الضغط على الحكومات لحملها على سحب دعمها لأوكرانيا، من أجل التركيز على أولويات أخرى أو تجنّب المزيد من الأضرار الاقتصادية؟
ووسط الخلاف المتزايد بشأن قضية الحبوب، خرج الرئيس البولندي قبل أيام واصفاً أوكرانيا "بالرجل الذي يغرق"، ليرد عليه الرئيس الأوكراني قائلاً: إن بولندا باتت تعمل لمصلحة موسكو، الأمر الذي كان بمنزلة صدمة للكثيرين. ولا سيما أن كييف باتت ترى أن عرقلة تصدير الحبوب عبر بولندا لا يخدم إلا موسكو.
بولندا تغلق أبوابها بوجه كييف
كانت بولندا واحدة من الدول الغربية القليلة التي كان لها سفير أقام في كييف خلال الأيام الأولى للغزو الروسي، وكان رئيسها، أندريه دودا، زائراً متكرراً للعاصمة الأوكرانية. كما رحبّت بولندا بأكثر من مليوني لاجئ في الأسابيع الأولى من الحرب، وساعد ملايين البولنديين في توفير السكن وغيره من أشكال الدعم التطوعي للأوكرانيين النازحين.
ومع ذلك، فإن الخلاف بشأن صادرات الحبوب والتصعيد الذي تلاها بإعلان رئيس الوزراء البولندي أن بلاده ستتوقف عن تسليح أوكرانيا لتركز على تعزيز قوتها الدفاعية الخاصة، جعل من الصعب فهم التحول البولندي هذا.
ولكن هناك من يرى أن الأمر مربوط بعلاقة السياسة الداخلية في بولندا أكثر من ارتباطه بالقضايا الحقيقية بين العاصمتين. فبحسب صحيفة الغارديان، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 15 أكتوبر/تشرين الأول ستكون متقاربة للغاية، لذلك يبحث حزب القانون والعدالة الحاكم عن تعزيز دعمه حيثما أمكن ذلك.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن رئيس تحرير مجلة فيسيغراد إنسايت فويتشخ برزيبيلسكي قوله: "يتعلق الأمر في المقام الأول بالانتخابات والدوافع واضحة تماماً". وأضاف أن حزب القانون والعدالة يأمل في "استعراض عضلاته مع مجموعاته الانتخابية الرئيسية، بما في ذلك أولئك الذين يعملون في الزراعة في شرق بولندا، الذين كانوا الأكثر تضرراً من تدفق الحبوب الأوكرانية".
أزمة الحبوب
أزمة الحبوب الأوكرانية غير مقتصرة على بولندا وحسب، فقد دخلت كلٌّ من المجر وسلوفاكيا على الخط أيضاً. الأمر الذي دفع أوكرانيا للبدء بإجراءات ضد هذه البلدان بسبب الحظر الأحادي الجانب على صادرات الحبوب، والذي تعتبره كييف "انتهاكاً لالتزاماتها الدولية"، وفقاً لما نقلته يورونيوز.
وجاءت الدعوى التي رفعتها كييف أمام منظمة التجارة العالمية يوم الاثنين بعد ثلاثة أيام من توصل المفوضية الأوروبية إلى اتفاق مع كييف ورفع القيود المؤقتة التي فرضتها على الحبوب الأوكرانية، لكن الدول الشرقية الثلاث رفضت الانصياع لقرار المفوضية الأوروبية.
تجدر الإشارة إلى أن الحظر قد سنّ لأول مرة في 2 مايو/أيار وطُبّق على خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تقع في محيط أوكرانيا: بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا. وقالت الدول إن الزيادة غير المتوقعة في الحبوب منخفضة التكلفة المعفاة من الرسوم الجمركية من أوكرانيا أدت إلى انخفاض الأسعار للمزارعين المحليين وإحداث دمار اقتصادي.
وندّدت كييف مراراً وتكراراً بالحظر ووصفته بأنه يتعارض مع روح التضامن الأوروبي الذي ظهر تجاه البلاد منذ أن شنت روسيا الحرب الواسعة النطاق. وأثارت عدة دول أعضاء، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وهولندا، "مخاوف جدية" بشأن التدابير المؤقتة وتأثيرها الضار في السوق الموحدة.
ووعدت المفوضية الأوروبية بإلغاء الحظر تدريجياً بحلول 15 سبتمبر/أيلول، على الرغم من تهديد التحالف الشرقي علناً بالقيام بذلك بمفرده وفرض الحظر الخاص به.
هل يتخلى الحلفاء عن أوكرانيا؟
في تصريح صادم، أشار ضابط المخابرات الأمريكي المتقاعد سكوت ريتر إلى أن الحلفاء الغربيين بدؤوا في الابتعاد عن أوكرانيا بعد أن أدركوا أن نظام كييف يغرق، وفقاً لما نقلته وكالة نوفوستي الروسية. وقال ريتر: "لم يعد أحد مهتماً بزيلينسكي بعد الآن. بولندا تبتعد. وتصف أوكرانيا بأنها تغرق. واستيقظت أوروبا على حقيقة أن كييف خسرت في النزاع، ولن تكون قادرة على الانتصار، واستمرار الأعمال القتالية لن يؤدي إلا إلى عواقب كارثية".
على الجانب الآخر، يقوم زيلينسكي الجمعة بأولى زياراته لكندا الحليفة المقربة لبلاده، التي من المتوقع أن يلقى فيها ترحيباً أكثر دفئاً مما تلقاه من بعض السياسيين الأمريكيين المرتابين من تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لبلاده.
وفي واشنطن، ناشد زيلينسكي مشرعين أمريكيين الخميس مواصلة الدعم وسط ارتياب لدى الجمهوريين بشأن ما إذا كان ينبغي للكونغرس الموافقة على حزمة جديدة من المساعدات.
بالمقابل، ترى موسكو أن تصاعد التوتر بين أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين "حتمي"، وذلك تعليقاً على الخلافات المستمرة بين كييف وبولندا بشأن صادرات الحبوب الأوكرانية. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين: "نحن ندرك أن التوترات بين كييف وعواصم أوروبية أخرى ستزداد مع مرور الوقت، وهذا أمر حتمي".