هل كان لروسيا دور في طرد فرنسا من بوركينا فاسو؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

وفق ما أعلنه المتحدث باسم الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو، يوم الاثنين، فإن بلاده قررت إنهاء الاتفاق العسكري الذي يتيح للقوات الفرنسية قتال المسلحين على أراضيها، وذلك بسبب رغبة السلطات في أن تتولى مسؤولية الدفاع عن نفسها بنفسها.

ووفق وكالة "رويترز"، يأتي هذا الحديث تأكيداً لما سبق وأعلنه التلفزيون الرسمي في البلد الإفريقي، يوم السبت، عن أن الحكومة قد علقت الاتفاق العسكري المبرم عام 2018 مع فرنسا، لكنها لا تزال تريد الحصول على دعم في شكل عتاد.

ويأتي هذا القرار في أعقاب نجاح عملية عسكرية قادها الجيش البوركينابي، من أجل تحرير 62 امرأة كُن محتجزات لدى المسلحين في إقليم أربيندا شمالي البلاد. وكذلك يأتي كإحدى التبعات لتنامي السخط الشعبي ضد الوجود العسكري الفرنسي، وفشله في تنفيذ وعوده بحماية المدنيين من خطر الجماعات المسلحة.

بالمقابل، يرى محللون أن البصمة الروسية واضحة في حيثيات القرار، ويرجعونه إلى الدور الذي تلعبه موسكو في سعيها إلى التوغل داخل المنطقة، كما حدث سابقاً في سيناريو مالي وإفريقيا الوسطى. وهو ما يعد بتقارب أكبر بين السلطات العسكرية الجديدة في واغادوغو والكرملن ممثلاً في مجموعة فاغنر.

واغادوغو نحو موسكو؟

منذ الانقلاب الأول الذي عرفه البلد الإفريقي، في شهر يناير/كانون الثاني 2022، والذي قاده اللفتنانت كولونيل بول هينري داميبا، برزت ملامح التقارب المرتقب بين بوركينا فاسو وروسيا، ولعل أبرز تمثلاتها الأعلام الروسية التي رفرفت فوق المسيرات الداعمة للانقلاب.

وهو ما تكرر بالكيفية ذاتها خلال الانقلاب الثاني، بعدها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما خرج المحتفون به حاملين الأعلام ذاتها، ومرددين شعارات مناوئة لفرنسا ومناصرة لموسكو.

في خضم كل هذا، وخلال الانقلابَين، أتت الإشارات من الجانب الروسي مناصرة للتحركين العسكريين، بل واحتفى بهما رئيس مجموعة "فاغنر" المقرب من الكرملن يغفيني بريغوجين، معتبراً الأمر بمثابة "تحرر ثان من الاستعمار".

وفي السياق ذاته، اتهم الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو، في 16 ديسمبر/كانون الأول، واغادوغو بأنها تعتزم الاستعانة بـ"فاغنر" الروسية في محاربة المسلحين. وقال أدو بأن: "بوركينا فاسو أنهت، على غرار مالي، اتفاقاً مع فاغنر، من أجل نشر قوات تابعة لها في البلاد".

هذا واعترف سيرجي ماركوف، مستشار الكرملين السابق، بأن روسيا قد دعمت السلطات الجديدة في بوركينا فاسو. وقال ماركوف: "لقد ساعد شعبُنا الحاكم الجديد (لبوركينا فاسو) دولة إفريقية أخرى ستنتقل من التعاون مع فرنسا إلى التحالف مع روسيا".

اقتصادياً، بدأت بشائر هذا التعاون في البروز، متمثلة في تفويت الحكومة البوركينابية صفقة إدارة منجم يميوغو (وسط البلاد) للذهب، إلى شركة "نورد غولد" الروسية. وهو ما علق عليه رئيس الوزراء في بوركينا فاسو أبولينير كيليم، قائلاً: "سنحاول قدر الإمكان تنويع علاقات الشراكة حتى نجد الصيغة الصحيحة لمصالح بوركينا فاسو. ولكن لن نسمح لأي شريك، أياً كان، أن يهيمن علينا".

تكرار السيناريو المالي؟

عقب الانقلاب الثاني في بوركينا فاسو، علَّق المختص في منطقة الساحل بجامعة كينت البلجيكية إفان غيشوا، مستغرباً: بأن "الانقلابيين يضعون أنفسهم بوضوح داخل منطق وجود تنافس روسي فرنسي حول الساحل (...) فمن المدهش أن نراهم بسرعة يغازلون حليفهم الاستراتيجي الجديد (روسيا) حتى قبل أن يحسموا السلطة لأنفسهم".

هذا قبل أن يضيف بأننا "أمام فرضيتين: إما أن يكون هذا التقارب مع الروس هو هدف مشروع الانقلاب منذ البداية، ونحن نتعامل مع خطة مدروسة جيداً لزعزعة استقرار بوركينا فاسو. وإما أنه استغلال للتنافس الفرنسي الروسي بشكل انتهازي لحشد الدعم والشرعية للانقلاب".

وفي الأثناء فإن ما كان افتراضاً وقتها أصبح واقعاً اليوم، وهو ما يؤكده الأستاذ الجامعي التشادي والباحث في الشؤون الإفريقية، إسماعيل محمد طاهر، في حديثه لـTRT عربي، قائلاً بأن "ما فعلته بوركينا فاسو هو امتداد لما حصل ويحصل في مالي، وهو امتداد لوعي إفريقي بدأ يرفض النخب المتعاونة مع فرنسا".

ويضيف الأستاذ الجامعي أن هذه التطورات "تدل أيضاً على أن هناك توجهاً داخل بوركينا فاسو نحو التعاون مع الروس، وبالتالي ستكون قد حصلت مالي على رديف لها في المنطقة في هذا التوجه".

ويختم إسماعيل محمد طاهر حديثه، بأنه "إذا ما صح هذا، فإنه سيكون القشة التي ستقصم ظهر بعير فرنسا في المنطقة، بعد فقدانها كل من مالي وإفريقيا الوسطى، والآن بوركينا فاسو، هذا يبرز بأن هيبة فرنسا على المحك".

TRT عربي