الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (Others)
تابعنا

واستطاعت الجزائر في الفترة الأخيرة تحقيق مكاسب دبلوماسية في القارة الإفريقية تتطابق مع مبدأ التحرر من الاستعمار الذي تدافع عنه.

قال الرئيس تبون الأحد الماضي في مقابلة تليفزيونية مع الصحافة الجزائرية: "يجب على الجزائر أن تأخذ حصتها في كيانها الإفريقي ولا تبقى منعزلة عن القارة".

وأضاف أن "الجزائر مصيرها إفريقي، وامتدادها إفريقي، ولمّ شمل إفريقيا لا يكون إلا بمساعي الدول الإفريقية".

وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأغواط الجزائرية البروفيسور علي بقشيش في حديثه مع TRT عربي إلى أن "سعي الجزائر لاستعادة ثقلها الدبلوماسي والإقليمي في القارة الإفريقية كان من بين الالتزامات الـ54 التي تضمنها برنامج تبون بعد وصوله إلى السلطة نهاية 2019".

بدوره، لاحظ الدكتور رضوان بوهيدل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر أن البعد الإفريقي شكّل أولوية في السياسة الخارجية الجزائرية منذ وصول الرئيس تبون إلى سدة الحكم، خصوصاً في ملفات مالي والساحل وليبيا والصحراء وفلسطين.

وقبل أسبوع بحث وزير الخارجية رمطان لعمامرة بالجزائر مع مفوض الاتحاد الإفريقي المكلَّف الشؤون السياسية والسلم والأمن بانكولي أديوي "أوضاع الأزمات والنزاعات في إفريقيا وكذا آفاق تسويتها طبقاً لمبدأ الحلول الإفريقية لمشكلات إفريقيا"، حسب ما جاء في بيان للخارجية الجزائرية.

وأضاف البيان نفسه أن "الطرفين بحثا الأزمات السياسية والأمنية في ليبيا ومالي وفي منطقة الساحل والصحراء عموماً، وكذا مسار استكمال تصفية الاستعمار في الصحراء".

القارة الإفريقية بحاجة إلى الجزائر

بالنسبة إلى الرئيس تبون، فإن العودة إلى المشهد الإفريقي لا تتعلق فقط برؤية دبلوماسية داخلية فقط، بل تعود أيضاً إلى تلبية طلب متكرر من الجزائر للعودة إلى القارة الإفريقية التي ترى في الجزائر رافعة مهمة في قضاياها المصيرية.

وفي هذا الإطار قال سفير غينيا بالجزائر الحسن باري لدى استقبال الرئيس الجزائري له منذ أيام: "لقد طلبت من الرئيس تبون المساهمة في ضمان فترة انتقالية ناجحة وهادئة في غينيا"، واصفاً الدبلوماسية الجزائرية بـ"الفعالة وبالغة التأثير".

وليست هذه المرة الأولى التي تتلقى فيها الجزائر طلباً من الدول الإفريقية لتحريك آلتها الدبلوماسية في حلّ النزاعات الداخلية والخارجية على المستوى القارّيّ، فقد سبق أيضاً لإثيوبيا أن طلبت تدخُّل الجزائر للوساطة بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم بشأن ملفّ سد النهضة الذي تعارض مصر والسودان استمرار عملية ملئه.

وتصل إلى الجزائر على الدوام دعوات من مسؤولين وقيادات في مالي وليبيا للوساطة بين الأطراف المتنازعة في البلدين، وهو أمر يعتبره الدكتور رضوان بوهيدل "منطقياً، بالنظر إلى تاريخها المعروف في هذا المجال سواء في مالي أو بين إثيوبيا وإريتريا في بداية الألفية الحالية".

دبلوماسية اقتصادية

في مقابلته التليفزيونية، ركّز الرئيس تبون على ضرورة تعزيز بلاده وجودها الاقتصادي في القارة الإفريقية، مشيراً إلى تنفيذ مشاريع مشتركة مع دول القارة، مثل أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي سينقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا مروراً بالجزائر والنيجر، والذي اعتبره "عملاً إفريقياً عملاقاً".

وأضاف تبون أن الجزائر تتطلع إلى تموين إفريقيا بالكهرباء وإقامة مشاريع سكك حديدية تربط الدول الإفريقية التي ليس لديها سواحل بالحوض المتوسط، كما ستعمل على تدارك التأخر المسجَّل في خطوط النقل بالدول الإفريقية، حيث فتحت مؤخراً خطّاً بحريّاً نحو السنغال.

وثمّن تبون توجُّه رجال الأعمال الجزائريين نحو إفريقيا قائلاً في هذا الإطار إن "الاقتصاد هو المتحكم اليوم".

ولا تتوافر إحصائيات كثيرة بشأن المبادلات التجارية بين الجزائر وإفريقيا، فآخرتها صدرت في 2020، وتتعلق بسنة 2019، ولم تتعدَّ حينها مبلغ 3,51 مليار دولار مقابل 3,46 مليار دولار في 2018، إذ صدّرت الجزائر 2.17 مليار دولار نحو إفريقيا، فيما استوردت 1.34 مليار دولار، حسب أرقام موقع وزارة التجارة الجزائرية.

وعزّزَت الجزائر في هذا الإطار علاقاتها مع الجارة موريتانيا التي يُنتظر أن تباشر بها شركة سوناطراك النفطية عملية تنقيب عن النفط، وهي المهمة التي تمت في شمال النيجر في حقل كفرا قرب الحدود الجزائرية الجنوبية.

وبدأت شركات جزائرية التصدير نحو إفريقيا في مجال الأسمنت والحديد وبعض المواد الغذائية نحو كوت ديفوار وموريتانيا، لكنه يبقى ضئيلاً مقارنة بالأهداف الجزائرية التي تريد استغلال بدء سريان العمل باتفاقية التبادل الحر الإفريقية لتعزيز صادراتها، لذلك باشرت مفاوضات مع مجموعة دول غرب إفريقيا "إيكواس".

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بقشيش أن المزاوجة بين الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية أمر ضروري لدخول القارة السمراء، لافتاً في هذا الشأن إلى أن الرئيس تبون كان أعلن أن 2022 ستكون سنة اقتصادية، بتقوية الاقتصاد الجزائري وإنعاش الحركية الاقتصادية نحو الدول الإفريقية، معتبراً أن الجزائر بإمكانها خوض هذه المعركة، وبالأخص إذا تعاونت مع بعض شركائها كتركيا التي شكّل هذا الملف في أكثر من مرة محور مباحثات معها، إذ ارتقت علاقاتهما إلى المستوى الاستراتيجي.

وقال علي بقشيش إن "تركيا تحتاج إلى امتداد جغرافي لولوج بعض الأسواق الإفريقية، لكن ذلك يتطلب وجود شريك موثوق ويتوفر على شبكة نقل واسعة، وهو ما ينطبق على الجزائر، بخاصة أن العلاقة بين البلدين جيدة سياسياً واقتصادياً".

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الندوة الصحفية المشتركة المتعلقة بزيارة تبون لأنقرة منتصف مايو/أيار الماضي، إن "البلدين سيتخذان خطوات في المستقبل لتنويع إنتاج الجزائر التي تُعَدّ إحدى بوابات إفريقيا".

وأضاف أن "تركيا والجزائر اللتين تلعبان دوراً هامّاً في ضمان السلام والاستقرار بالقارة الإفريقية، عازمتان على تعزيز تعاونهما في مجال الصناعات الدفاعية".

بدوره يُلِحّ الدكتور رضوان بوهيدل على "ضرورة أن يكون للجزائر وجود في إعادة رسم النفوذ في القارة الإفريقية بعد تراجع الدور الفرنسي، بخاصة أن اللاعبين الجدد مثل الصين وتركيا وروسيا تجمعهم علاقات جيدة مع الجزائر، إذ لا يجب أن تكون الجزائر مجرَّد وسيط، بل يجب أن تصبح من الذين يصنعون القرارات الاقتصادية والسياسية في القارة السمراء، حيث تتوفر على كل العوامل التي تسمح لها بأن تكون جزءاً من ذلك لا مجرد متفرج".

خطوات على الطريق الصحيح

يعتقد البروفيسور بقشيش أن من السابق لأوانه الحكم المطلق على أن الجزائر استطاعت أن تسترجع ثقلها القاري وتعززه بالشكل الذي يتطلبه الوقت الحالي، إلا أنه يشير في حديثه مع TRT عربي إلى أن "المؤشرات الأولية تُظهِر أن البلاد في الطريق الصحيح".

وأشار بقشيش إلى أن من هذه المؤشرات عودة الجزائر للعب دور جوهري في الأزمة الليبية، نظراً إلى حضورها في مؤتمري برلين وباريس، وكل الاجتماعات الأممية المعنية بالأزمة في جارتها الشرقية، إضافة إلى أن العاصمة الجزائر عرفت توافداً مستمرّاً لقادة ومسؤولين أفارقة.

وألمح بقشيش بهذا الصدد إلى ما بذلته الدبلوماسية الجزائرية من جهود لطرد إسرائيل من عضوية مؤسسات الاتحاد الإفريقي بصفة عضو مراقب، بعد أن علّق الاتحاد الإفريقي هذه العضوية في فبراير/شباط الماضي.

بدوره أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور رضوان بوهيدل إلى "وساطة الجزائر بشأن ملفّ سد النهضة، وحضورها الدائم في حلحلة الأزمة في مالي عبر اتفاقية الجزائر 2015، راجعاً ذلك إلى سمعة الوساطة الجزائرية، وسياستها الخارجية الرافضة لعسكرة المنطقة الإفريقية ولأيّ تدخُّل خارجي".

غير أن الدور الذي تلعبه الجزائر لا يروق لكثير من القوى المنافسة. يرى مراقبون أن عدم تقدم الوساطة الجزائرية بشأن ملف سد النهضة يعود إلى عدم حماسة مصر لها، فضلا عن اختلاف الدولتين بالمقاربة تجاه الملف الليبي، والتنافس بين الجزائر والمغرب في عديد من الملفات على رأسها مسألة الصحراء.

يختم علي بقشيش حديثه بتأكيده أن تحقيق كل هذه الأهداف ذات العناوين الكبيرة ينطلق من تفاصيل قد تبدو صغيرة، لكنها مهمة، منها تعزيز خطوط النقل نحو إفريقيا، وفتح شبكة بنوك، وهو الأمر الذي تأخرت فيه الجزائر كثيراً، إضافة إلى تعزيز حضورها الجمعوي والخيري والديني، وكل ما يمكن أن يضيف إلى الوجود الجزائري القاري سياسيّاً واقتصاديّاً.



TRT عربي