تابعنا
وقفت محكمة الاستئناف البريطانية في 29 من يونيو/حزيران الماضي تنفيذ مشروع ترحيل طالبي اللجوء في بريطانيا إلى "دولة ثالثة آمنة"، وحكم قضاة المحكمة بأنّه "من غير القانوني" إرسالهم إلى رواندا لمعالجة طلباتهم.

وقفت محكمة الاستئناف البريطانية في 29 من يونيو/حزيران الماضي تنفيذ مشروع ترحيل طالبي اللجوء في بريطانيا إلى "دولة ثالثة آمنة"، وحكم قضاة المحكمة بأنّه "من غير القانوني" إرسالهم إلى رواندا لمعالجة طلباتهم بدلاً من التعامل معها للحصول على ملاذ في المملكة المتحدة.

وقضت المحكمة بأغلبية اثنين إلى واحد، أنّه بسبب أوجه القصور في نظام اللجوء الرواندي، كان خطر حقيقي يتمثل في إعادة الأشخاص المرسلين إلى رواندا إلى بلدانهم الأصلية، حيث يواجهون الاضطهاد أو غيره من المعاملة اللاإنسانية، في حين أنّ لديهم في المملكة المتحدة فرصة جيِّدة للحصول على اللجوء، وفق ما نقلته صحيفة "الجارديان".

وقال رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، في بيان، إنّ "الحكومة ستسعى الآن للحصول على إذن للطعن في القرار أمام المحكمة العليا إذ أصرّ على أنّ رواندا بلد آمن، وقال إنّ المحكمة وافقت على ذلك".

يأتي هذا الحكم بعد جلسة استماع استمرت أربعة أيام في أبريل/نيسان الماضي ضدّ قرار المحكمة العليا في ديسمبر/كانون الأول من 2022 يقضي بأنّه كان من القانوني إرسال بعض طالبي اللجوء إلى رواندا لمعالجة طلباتهم.

وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وقفت ترحيل عدد من المهاجرين في يونيو/حزيران 2022، ما كلّف خزينة الدولة حينها 500 ألف جنيه إسترليني (نحو 650 ألف دولار)، في حين مض منت الحكومة البريطانية قدماً لإتمام صفقة الترحيل، غير أنّ صدور القرار بوقف المشروع أحبط خططها.

برافرمان في موقف محرج

سبق أن أثارت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، الغضب عندما وصفت قدوم اللاجئين إلى بريطانيا بـ"الغزو"، ما عرَّضها لتلقي التعليقات والانتقادات من الأمم المتحدة ومن المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان.

وقال حينها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إنّ "مثل هذه العبارات غير مناسبة"، معتبراً وصف "غزو" "مروّعاً"، حسبما نقلته وكالة "فرانس برس".

واستمرت الوزيرة، وهي من أصل باكستاني، في تعليقاتها المثيرة للجدل، إذ ادَّعت في وقت سابق بمقابلة مع قناة "سكاي نيوز" البريطانية، في معرض حوار تطرق إلى خطط التصدي للاعتداء الجنسي على الأطفال، أنّ "في تلك الجرائم غلبة للذكور البريطانيين-الباكستانيين الذين يحملون قيماً ثقافية تتعارض تماماً مع القيم البريطانية"، وأنّهم أكثر عرضة للانخراط في أنشطة إجرامية مثل الدعارة وتجارة المخدرات"، لتتعرض لانتقاداتٍ بسبب ما وُصِفت بأنّها تعليقات "تحريضية".

كما حاولت الالتفاف على القانون والحصول على معاملة تفضيلية في قضيّة قيادتها بسرعة زائدة، فيما طالبت المعارضة رئيس الوزراء ريشي سوناك بفتح تحقيق في القضية، لأنّها استغلت منصبها لمنفعتها الشخصية، بسبب استخدام بريدها الإلكتروني الشخصي لإرسال وثائق وملفات رسمية.

لكن المشكلة الأكبر واجهتها حين أصدرت صحيفة "إندبندنت" تقريراً كشفت فيه عن شبهة تضارب مصالح تورطت فيها لأنَّه سبق لها أن عملت مديرة لمؤسسة "العدالة الإفريقية الخيرية" التي تركّز على تدريب المحامين في رواندا، لمدة 5 سنوات في حين أخفت الأمر ولم تصرِّح به خلال تعيينها وزيرة للداخلية.

خطة لا أخلاقية وغير قانونية

تقتضي الخطة المزمعة احتجاز طالبي اللجوء الذين يصلون بشكل غير قانوني إلى أراضي بريطانيا وإرسالهم إلى دولة رواندا، الواقعة في قارة إفريقيا، بهدف الحدّ من عمليات عبور بحر المانش بشكل غير قانوني.

بدوره، وصف "حزب العمال" خطة رواندا الحكومية بأنَّها "غير عملية" و"غير أخلاقية"، وكذلك انتقدتها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان.

لكن برافرمان كانت أعربت في مؤتمر صحفي في أثناء زيارتها رواندا في مارس/آذار الماضي عن اقتناعها بأنّ هذه الخطوة ستحلّ أزمة اللاجئين في بلادها، وقالت: "أومن بهذه الشراكة في إيجاد حل إنساني ورحيم وعادل ومتوازن".

لكنها على الرغم من محاولة تطمينها للبريطانيين تعرَّضت لهجوم كونها ستثقل كاهل دافعي الضرائب بمبالغ طائلة للوحدات السكنية المزمع تجهيزها في رواندا.

وكانت وزارة الداخلية أصدرت تقييماً كشفت فيه أنّ تكلفة إرسال مهاجر إلى بلد مثل رواندا، قد تتجاوز تكلفة إبقائه في بريطانيا بـ63 ألف جنيه إسترليني (ما يعادل 80 ألف دولار تقريباً).

وحسب الأرقام فإنّ التكلفة الإجمالية لنقل فرد واحد تبلغ 169 ألف جنيه إسترليني، يقابله التوقف عن دفع مبلغ 106 آلاف جنيه إسترليني، بدل دعم للسكن في حال بقاء المهاجرين في بريطانيا.

وعن أوضاع اللاجئين في بريطانيا، قال الناشط في حقوق الإنسان أيمن جراد، إنّ أوضاع اللاجئين في بريطانيا "مزرية" بسبب انعدام العدالة وعدم وجود معيار في فرز اللاجئين إلى المدن، والتأخر في البت في طلبات اللجوء والتمييز في مناطق الإسكان، حيث يسكن جزء منهم في "هوستيل" وهي أماكن سكنية جماعية لا تتوافر فيها معايير الحياة الكريمة.

وعن قرار نقل اللاجئين إلى بلد ثالث، أوضح جراد في حديثه مع TRT عربي، أنّه "أثار خوفاً كبيراً وترك آثاراً نفسية كبيرة لدى المهاجرين انعكست على طبيعة استقرارهم".

وعن ذلك يقول أحد اللاجئين الذين قابلهم مراسل TRT عربي، إنّه وجد نفسه مهدداً فجأة بعد أن تكلّف وأصدقاؤه مبالغَ باهظة للهروب من أوضاع بلدانهم السيئة، وأنّهم كانوا يأملون في إنقاذ عائلاتهم، ولكن هذا القرار شكَّل لهم صدمة كبيرة جعلت خيارات الحياة منعدمة تماماً.

الحكومة تبحث البدائل المتاحة

وعلَّق رئيس الحكومة البريطاني ريتشي سوناك قائلاً إنّه "يختلف بشكل جذريّ" مع قرار محكمة الاستئناف، ولهذا قرّر الطعن فيه أمام المحكمة العليا، وأضاف أنَّه رغم احترامه لقرار المحكمة "سيبذل كل ما يمكن" لوقف نشاط عصابات تهريب البشر.

قرار محكمة الاسئناف شكَّل زعزعة لحكومة سوناك بعد نجاحها بضبط الحدود نسبيّاً، بعد الاتفاق الذي عقدته مع فرنسا أواخر عام 2022 وبلغ تكفلته 72.2 مليون يورو، إذ قلّل ذلك الاتفاق عدد القادمين من المانش.

وترى المحامية ومديرة قسم الهجرة في شركة "كيد رابينت" للمحاماة (Kidd Rapinet LLP)، ناديا البزاز، أنّ مشروع الترحيل خطة فاشلة منذ البداية لأنّ رواندا دولة غير مهيئة لاستقبال اللاجئين، ولكن الحكومة البريطانية تحاول جاهدة تطبيق الخطة بعد الأزمة التي سبّبتها بخروجها من اتفاقية "دبلن".

وتضيف في حديثها مع TRT عربي، أنّ "خيارات الحكومة البريطانية محدودة بعد رفض محكمة الاستئناف، وأنّها استخدمت الحق بالطعن في القرار وستتعمّد محاولة تأجيل البتّ بطلبات اللاجئين وهو أمر يتوقع أن يستغرق وقتاً طويلاً، إضافةً إلى اضطرارها إلى إثبات خطأ قرار المحكمة بأدلة وبراهين جديدة وهو أمر صعب للغاية.

أمّا في حال لم تكن الأمور القضائية في صالحها، فستضطر إمّا إلى صرف النظر عن هذه السياسة مع اللاجئين وتغيير الإستراتيجيات وإما إلى البحث عن قانون جديد يحقق المنفعة ذاتها، وفق البزاز.

TRT عربي