اعتقال الأمن التركي لأفراد ينتسبون إلى تنظيم داعش الإرهابي / صورة: AA (AA)
تابعنا

حصلت تركيا على أرشيف سرّي يتضمن معلومات عن عناصر في تنظيم داعش الإرهابي عملوا في صفوفه سابقاً، ويُحتمل أن يكونوا ممن يطلق عليهم تسمية "الذئاب المنفردة"، وهُم العناصر المستعدّون لتنفيذ هجمات فردية في البلدان المختلفة لصالح التنظيم الإرهابي.

وكانت قاعدة البيانات التي أصبحت في قبضة الأمن التركي بحوزة زعيم تنظيم داعش الأسبق أبو بكر البغدادي الذي اغتيل في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وحاول عملاء الاستخبارات الأمريكية العثور على البيانات وفتشوا المنطقة التي قُتل فيها البغدادي بشكل دقيق دون تمكُّنهم من الوصول إليها، واكتشفوا لاحقاً أن البيانات انتقلت من البغدادي قبل مقتله إلى أبو إبراهيم القرشي الذي أصبح خليفته لاحقاً.

تفاصيل العملية الأمنية

كشفت صحيفة صباح التركية عن تفاصيل العملية الأمنية التي نتج عنها ضبط قاعدة البيانات الخاصة بعناصر "الذئاب المنفردة"، إذ بدأت عمليات التحري والمتابعة انطلاقاً من مقهى في مدينة إسطنبول.

وأوضح مدير مكافحة الإرهاب في شرطة إسطنبول عبد الرحمن سوغوسكو أنهم تابعوا محادثة بين محمد جيليك وزين الدين تشاليشكان مع حكمت علييف وسايمور رزاييف وإلياس يلدرم، وهم جميعاً لديهم ارتباط بعناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين بحوزتهم البيانات ولديهم اتصال بالمخابرات الإيرانية، إذ كانوا يتحدثون عن ملف رقمي معروض للبيع موجود بحوزة عناصر سابقين في داعش بعد السطو عليه، ودار النقاش حول آلية الحصول على الملف لصالح الاستخبارات الإيرانية.

وبموجب التحريات التركية تبيَّن أن عناصر تنظيم داعش الذين بحوزتهم الملف الرقمي يتفاوضون مع خلية مرتبطة بالمخابرات الإيرانية تتألف من خمسة أشخاص، دون أن يعرف عناصر التنظيم الجهة التي تتبع لها الخلية، والمقابل المالي الذي جرى الحديث عنه هو 8.5 مليون يورو.

وحسب ما نقلته الصحيفة فإن وزارة المخابرات والأمن الوطني الإيرانية أبلغت عناصر داعش بالموافقة على شراء ملف البيانات بعد أن اطلعت على عينة منه، ليصل عنصر التنظيم الذي يمتلك البيانات إلى إسطنبول من أجل إتمام الصفقة، فاعترضه الأمن التركي في إسطنبول وضبط الملف الذي بحوزته، كما جرى اعتقال الأشخاص الخمسة المرتبطين بالمخابرات الإيرانية.

ما الذي تحتوي عليه قاعدة البيانات؟

يحتوي الأرشيف الذي استحوذت عليه شعبة مكافحة الإرهاب في ولاية إسطنبول إثر العملية الأمنية على بيانات شخصية لأكثر من 9500 عنصر من "الذئاب المنفردة" المنتشرين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج والدنمارك وسويسرا والنمسا وإسبانيا، وتشمل المعلومات أسماء العناصر وأماكن إقامتهم والتدريبات والدورات التي تلقوها من التنظيم.

و "الذئاب المنفردة" هو مصطلح يُطلَق على العناصر الذين لا تربطهم علاقة تنظيمية مع داعش، لكن من المحتمل أن ينفذوا عمليات إرهابية بشكل منفرد بدوافع أيديولوجية وعقائدية أو حتى نفسية، وتستغلّهم التنظيمات من أجل تنفيذ عمليات في منطقة يجري تحديدها وفق أجندة مسبقة.

وشاع هذا المصطلح في الحقبة الزمنية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث تعرضت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى لعمليات مسلحة من أشخاص غير منظمين، ويجري تجنيدهم عن طريق شبكات عنكبوتية عن بُعد.

وأفاد الخبير في شؤون التنظيمات المتطرفة حسن أبو هنية بأن ترسيخ ظاهرة "الذئاب المنفردة" يعود إلى تنظيم القاعدة الإرهابي بالأصل، ووضع أسسها النظرية أبو مصعب السوري، ثم طورها أنور العولقي، وأخذها عنهم تنظيم داعش واهتم بها بشكل كبير.

وأضاف في تصريحات لموقع TRT عربي أن "الذئاب المنفردة عادة تكون لهم صلات أيديولوجية مع التنظيم أو يكونون متأثرين به، لكنهم لا يتبعون له، وينفذون عمليات انتقام لصالحه".

وأشار هنية إلى "عدم وضوح كل التفاصيل حول قاعدة البيانات التي وقعت بيد الأجهزة الأمنية التركية، لكنه أكد أن تنظيم داعش يحتفظ بسجلات لأفراده وخصوصاً للمقاتلين الأجانب، وأجهزة الاستخبارات الدولية تدرك ذلك".

ونتيجة أهمية وخطورة هذه البيانات جندت أجهزة الاستخبارات الدولية 40 عميلاً من طاجكستان وأوزبكستان وباكستان لتتبعها، لشكوكهم أنها موجودة في الدول المذكورة.

ولمعرفة خليفة البغدادي أبو إبراهيم القرشي سعي أجهزة المخابرات الدولية وراء قاعدة البيانات الخاصة بـ"الذئاب المنفردة" للاستحواذ عليها، أرسلها إلى بلد آخر، إلا أن الرجل الذي اعتمد عليه القرشي في عملية النقل اكتشف محتواها وحاول بيعها لحسابه الشخصي. ورغم كل محاولات التنظيم لتتبُّعه ومعرفة مصير البيانات، وتصفيته أشخاصاً في سوريا وأوزبكستان للشك بارتباطهم بسرقة البيانات، فإنّ التنظيم فشل في استعادتها مجدداً.

ويعتقد رائد الحامد، وهو الخبير في شؤون تنظيم داعش، أن "البيانات التي استطاع الأمن التركي العثور عليها تتضمن عناصر تنظيم داعش الذين يتقاضون مخصصات مالية شهرية بحكم استمرار ارتباطهم بالتنظيم".

وأكد الحامد في حديث مع TRT عربي أن هذا "العدد الهائل من العناصر لا بد أن بعضهم قد يسعى للنشاط في دول مختلفة، كما أن قسماً من الأسماء الواردة في القائمة يعود غالباً إلى أشخاص رهن الاعتقال أو عوائل عناصر سابقين في التنظيم ماتوا أو معتقلين في دول مثل باكستان وأفغانستان وإفريقيا".

هل تعود عمليات تنظيم داعش؟

اعتبر الخبير بالتنظيمات المتطرفة حسن أبو هنية أن "تنظيم داعش ومنذ بداية العام الحالي يتعافى في كل من سوريا والعراق على الرغم من مقتل قياداته".

وأشار أبو هنية في حديثه لـTRT عربي أن "التنظيم بعد خسارته آخر جيب جغرافي له في الباغوز شمال شرق سوريا أعاد هيكلته وبات يعتمد على اللامركزية والخلايا الأمنية، ونفذ كثيراً من العمليات خلال الأشهر الأخيرة في الرقة ودير الزور وجنوب سوريا وصولاً إلى ضواحي دمشق في السيدة زينب تحديداً".

وفسر أبو هنية حالة التعافي وعودة خلايا داعش للنشاط مجدداً بتراجع "الاهتمام الدولي بالملف، سواء التحالف الدولي أو روسيا، بالإضافة إلى وجود تنافس في الإقليم، مما أعطاه جرأة أكبر في كل من سوريا والعراق، بالتوازي مع ازدهار كبير له في غرب وشرق إفريقيا"، حسب ما قاله لـTRT عربي.

بدوره أوضح الباحث في شؤون الحركات المتطرفة عرابي عبد الحي عرابي أن "نشاط تنظيم داعش يظهر بشكل أساسي في البادية السورية بحرية كاملة، خصوصاً في بادية الصور شرق محافظة دير الزور، وصولاً إلى الحدود العراقية، حيث يستفيد من الطبيعة الجغرافية للمنطقة".

وأكد عرابي في تصريحات لموقع TRT عربي أن "خلايا تنظيم داعش تتحرك باستمرار، وكل مرة تظهر في منطقة جديدة، وبالتالي فهي تتمتع بمرونة حركة كبيرة".

ورجح عرابي أن يزداد نشاط تنظيم داعش في الفترة المقبلة بمناطق عديدة من إفريقيا مثل مالي وجنوب النيجر، بالإضافة إلى شرق نيجيريا وشمال شرق موزمبيق، حيث تشهد كل هذه المناطق المذكورة في الوقت الراهن نشاطات لخلايا التنظيم، وفق تعبيره.

ويرى خبراء أنه رغم كل الجهود الدولية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي على مدار 8 سنوات ماضية، فإنه استطاع التكيف مع الظروف واستمر في تجنيد العناصر عن طريق الدعاية القائمة على الأيديولوجيا، وهو لا يزال يحتفظ بعوامل تتيح له الصعود إلى الواجهة مجدداً، خصوصاً في ظل توفر جغرافيا مضطربة في سوريا والعراق والسودان والنيجر وأفغانستان وغيرها.

وحسب ما يعتقده الباحث عرابي عبد الحي عرابي فإن قاعدة البيانات التي أصبحت بحوزة الأمن التركي على الأرجح ستفتح المجال أمام البحث والتقصي بشكل أوسع للوصول إلى كامل البيانات المتعلقة بالخلايا الأمنية التابعة لداعش، إذ يرجح أن يكون هناك قوائم إضافية تكميلية يجب البحث عنها، وفي حال العثور عليها يمكن أن تساهم في إحباط عديد من العمليات قبل تنفيذها، خصوصاً إذا ما اتجهت الدول المختلفة إلى التنسيق الأمني مع تركيا والتعاون للحد من تصاعد عمليات التنظيم مجدداً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً