تابعنا
اشتدّ التنافس خلال السنوات الأخيرة بين مختلف القوى العالمية على أهم الطرق التجارية. وبعد أن خطت بيكين خطوتها العملاقة في ذلك بإعلانها الطريق الحريرية، قررت أوروبا اليوم الالتحاق بالمنافسة وإعلان مبادرتها لتحدّي النفوذ الصيني.

منذ إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 نيّة بلاده إحياء طريق الحرير الذي كان موجوداً بالأساس قبل قرون طويلة، والتخطيط لاستخدامه اليوم بمقدّرات جديدة تتكافأ مع تحديات القرن، ولربط الصين براً بمختلف دول العالم وإيصال منتجاتها إليها، أُثيرت مخاوف المجتمع الغربي من تنامي النفوذ والتمدد الصيني بما يُهدد مصالح بقية القوى العالمية.

وأصبحت بذلك مبادرة "الحزام والطريق" الصينية هاجساً يؤرّق العديد من الدول، حيث إن الهيمنة الاقتصادية تجلب بالضرورة هيمنة سياسية. وبالرغم من أن بلدان الاتحاد الأوروبي تتعامل غالباً بشكل منفرد مع الصين، إلا أنها قررت هذه المرة التوحّد حول مشروع تتحدى به المبادرة الصينية.

البوابة العالمية.. مبادرة أوروبية بديلة؟

أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يوم الأربعاء 1 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ولادة مبادرة أوروبية بعنوان: "البوابة العالمية"، تعتقد أنها ستكون أفضل من مبادرة "الطريق والحزام" الصينية.

حيث قررت بلدان الاتحاد الأوروبي تعبئة ما يصل إلى 300 مليار يورو من الأموال العامة والخاصة بحلول عام 2027، أي نحو 60 مليار يورو سنوياً، وذلك للاستثمار في مشاريع البنية التحتية في البلدان النامية التي تربطها علاقات بالاتحاد الأوروبي.

ويسعى الأوروبيون في هذا الإطار، وفق ما أشارت إليه دير لاين، إلى تمويل مشاريع التكنولوجيا الرقمية وأسلاك البيانات تحت الماء، والصحة والتعليم، ومحطات الطاقة الخضراء، والتنافس أيضاً مع الصين في قطاعات النقل، كالطرق السريعة والمطارات وغيرها.

وعلى ضوء ما جاء بمسودة المبادرة، فإنّ خطة "البوابة العالمية" الأوروبية تتضمّن استثماراً بقيمة 135 مليار يورو في صندوق تنمية مستدامة، إضافة إلى نحو 18 مليار يورو في شكل منح في إطار برامج المساعدة الخارجية الأخرى للاتحاد الأوروبي، إلى جانب 145 مليار يورو من "أحجام الاستثمار المخطط لها" من مؤسسات تمويل التنمية الأوروبية الأخرى.

وادّعت المفوضية الأوروبية، أن هذه المشاريع التي يسعى الاتحاد الأوروبي للاستثمار فيها، وضخّ أموال ضخمة فيها، ستراعي معايير الشفافية والمعايير البيئية، لتتفوق بذلك في هذه النقطة بالذات، على الصين.

وبينما عبّرت دير لاين عن تفاؤلها بالمبادرة الأوروبية، وراهنت على قدرتها على سدّ الفجوة الزمنية بينها وبين الصين التي سبقتها في إعلان خطتها، اعتبر مسؤول في الاتحاد الأوروبي في المقابل أنّ الخطة التي أعلنتها رئيسة المفوضية "ليست أكثر من خطاب نوايا ومجرّد بيان سياسي"، وأضاف المسؤول: "إن ذلك يبعث برسالة قوية إلى الصين من خلال التأكيد على الديمقراطية والقيم، ولكن هناك المزيد مما يتعيّن فعله لتطبيق الخطة بالفعل".

فيما اعتبر عضو البرلمان الأوروبي راينهارد بوتيكوفر، أنّ الاستراتيجية المُعلنة تُعدّ اختراقاً للنفوذ الصيني وخطوة مهمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وأكد في هذا السياق قائلاً إنّ "العديد من الشركاء حول العالم مستعدون للعمل معنا لتحقيق استراتيجية البوابة العالمية في آسيا وإفريقيا والأمريكيّتين".

لكنّ حماس دير لاين وإشادة المسؤولين الأوروبيين بالخطة، لا تمنع الكثيرين من التشكيك في نجاح المباردة. وقد علّق على ذلك الأستاذ في جامعة بروكسيل الحرّة، جوناثان هولسلاج قائلاً: "اللجنة الاستراتيجية الأوروبية انطلقت من وجهة نظر ساذجة إلى حدٍّ ما للاقتصاد الجغرافي".

واعتبر هولسلاج أنّ "طريق الحرير الصيني هو في المقام الأول نتيجة لكسب بكين مئات المليارات من اليوروهات من التجارة مع الغرب واستثمارها في الخارج". وأضاف قائلاً: "ما دامت الصين تُدير فائضاً تجارياً قدره 540 مليار يورو سنوياً مع الغرب، فإن 60 مليار يورو سنوياً للبوابة العالمية ستظلّ أشبه بالتطهير".

البنية التحتية.. ساحة للتنافس العالمي

يلفت خبراء ومحللون إلى أنّ الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية، أصبحت اليوم ساحة معركة رئيسية للتأثير الجيوسياسي. وفي هذا الإطار فقد حققت الصين باعتبارها ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وثبةً مهمة في هذا المجال بعد إعلانها مبادرة "الطريق والحزام".

وتضمّنت المبادرة الصينية، التي تُعتبر اليوم أضخم مشروع استثمارات في تاريخ البشرية، بقيمة تتراوح ما بين 1.2 تريليون دولار و 1.3 تريليون دولار، بحلول عام 2027، مزيداً من الانتشار والتمدد الصيني إلى القارات الثلاث، لتكون بذلك بيكين محوراً للعلاقات الاقتصادية العالمية.

وأثار ذلك حفيظة بلدان الاتحاد الأوروبي، الذين يعتبرون أنّ مبادرة الصين عبارة عن "أفخاخ ديون" عبر القروض التي منحتها لعديد من الدول، و"مصائد بيانات"، من خلال جمع البيانات المهمة في أنحاء متفرقة من العالم عبر الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، وهو ما أكده مؤخراً رئيس جهاز الاستخبارات السرية البريطانية "MI6" ريتشارد مور في أول لقاء إعلامي له.

كما انتقدت البلدان الأوروبية المبادرة الصينية، التي تسمح للمنتجات الصينية بالوصول إلى الأسواق الأوروبية وغزوها بأسعار منافسة، في مقابل منع الجانب الصيني وصول المنتجات الأوروبية إليه، وبذلك لا يمكن للاتحاد الأوروبي الاستفادة من حجم السوق الصينية.

على الصعيد ذاته، فإن الصين، وفقًا لما أشار إليه خبراء ومحللون، تسعى دائماً إلى الاستثمار في القطاعات الحساسة في البلدان الأوروبية، كالمجال النووي والرقمي والتكنولوجي، وهو ما أثار مخاوف القادة الأوروبيين، ونبّه في الوقت ذاته الولايات المتحدة لهذا التحدي الحقيقي.

TRT عربي