تابعنا
يقول مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لـTRT عربي إن "دولة الاحتلال تتستر بستار العدوان الذي تشنه، وقوانين الطوارئ التي فرضتها على الشعب الفلسطيني في الأشهر الستة الماضية من أجل تكثيف تنفيذ مخططاتها الاستيطانية المعلنة وغير المعلنة".

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سرّعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عمليات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما دعمت الجماعات اليمينية المتطرفة التي تحاول طرد الفلسطينيين من أراضيهم ما يعد انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي.

وفي 17 من من أبريل/نيسان الحالي كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن عزم حكومة نتنياهو على بناء آلاف الوحدات السكنية في القدس الشرقية.

وأظهرت وثائق التخطيط التي اطَّلعت عليها الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية سرّعت بناء المستوطنات في أنحاء القدس الشرقية، إذ جرت الموافقة على أو المضي قدماً في أكثر من 20 مشروعاً يبلغ مجموعها آلاف الوحدات السكنية منذ بدء الحرب على غزة قبل ستة أشهر.

ووفق الصحيفة، تقف الوزارات والمكاتب داخل الحكومة الإسرائيلية وراء أكبر المشاريع وأكثرها إثارةً للجدل، وأحياناً بالاشتراك مع الجماعات القومية اليمينية التي لها تاريخ في محاولة طرد الفلسطينيين من منازلهم في أجزاء من المدينة، معتبرةً أن الموافقة السريعة على بناء المستوطنات غير القانونية ستؤدي إلى إلحاق مزيد من الضرر بعلاقة إسرائيل مع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن.

ونقلت الصحيفة عن ساري كرونيش، من منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "مخططون لحقوق الفلسطينيين"، قوله إن "تسريع الخطط لا مثيل له في الأشهر الستة الماضية، وفي الوقت الذي أُغلق فيه عديد من مؤسسات الحكومة، أو حُدّ من عملها في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن سلطات التخطيط واصلت التقدم والدفع بهذه الخطط وبسرعة غير مسبوقة".

وستوفر المستوطنات الجديدة منازل في أجزاء من القدس التي ضمَّتها إسرائيل بشكل أحادي عام 1980، ومن المرجح أن تشكِّل عقبة أمام أي محاولة لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها شرق المدينة.

توسُّع في ظل الحرب

ووفق "الغارديان"، صدَّقت الحكومة الإسرائيلية على خطط لبناء مستوطنتين جديدتين منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك واحدة في القدس الشرقية، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد.

وتشمل الخطط توسيع مستوطنة "كدمات تسيون" في رأس العامود بالقدس الشرقية، مع انتظار تعليقات من السكان. وقد اتُّخذ قرار التوسيع بعد 48 ساعة فقط من عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

كما تحاصر مشاريع استيطانية إسرائيلية جديدة بلدة بيت صفافا الفلسطينية في القدس الشرقية، أبرزها "جيفعات حاماتوس" وهو مشروع استيطاني كان قد جمِّد قبل عقد من الزمن بسبب معارضة دولية، لكن العمل به استؤنف عام 2020.

وشهد الموقع، الشهر الماضي، نشاطاً مكثفاً يشمل عمالاً وآليات وشاحنات. وتُشير وثائق التخطيط الرسمية إلى أن "سلطة أراضي إسرائيل" هي المسؤولة عن المشروع، فيما تُظهر الوثائق أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس هما الممولان الرئيسيان. وإلى جانب بيت صفافا، هناك "جيفعات شكيد" وهو مشروع استيطاني ضخم قيد التخطيط جنوب غربي بيت صفافا، سيُبنى على منطقة خضراء من الأعشاب والأشجار.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفادت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية أن الحكومة الإسرائيلية وافقت بشكل نهائي على بناء 1738 وحدة استيطانية في مستوطنة في جنوب شرقي القدس الشرقية المحتلة.

وأوضحت المنظمة أن هذا "الحي الجديد" الذي سيضم 1738 وحدة سكنية، سيقع نصفه في القدس الشرقية التي ضمَّتها واحتلتها إسرائيل.

وقالت حاغيت هوفران، من المنظمة المناهضة للاستيطان: "لولا الحرب لأُثيرت ضجة كبيرة، إنه مشروع إشكالي للغاية بالنسبة إلى امتداد الدولة الفلسطينية بين جنوب الضفة الغربية والقدس الشرقية".

خطر يهدد القدس

ويقول مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إن "دولة الاحتلال تتستر بستار العدوان الذي تشنه، وقوانين الطوارئ التي فرضتها على الشعب الفلسطيني في الأشهر الستة الماضية من أجل تكثيف تنفيذ مخططاتها الاستيطانية المعلنة وغير المعلنة".

ويضيف لـTRT عربي أن "هدف المشروع الاستيطاني يتمحور حول مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير السكان، وإعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل من خلال العبث بالجغرافيا الفلسطينية بالتفتيت وعزل المدينة المقدسة أولاً عن مضمونها الحضاري والثقافي والتاريخي والسكاني، وثانيأً عن سياقها الفلسطيني".

وحذّر شعبان من مخطط إسرائيلي خطير يهدف إلى عزل القدس عن محيطها الفلسطيني من خلال مصادرات واسعة للأراضي وبناء مستوطنات جديدة، إذ تهدف قرارات مصادرة أراضي شرقي القدس، مثل مصادرة 2640 دونماً لتوسيع مستوطنة "معاليه أدوميم"، إلى فصل التجمعات والقرى الفلسطينية في شرقي القدس بعضها عن بعض وعن محافظة أريحا أو السفوح الشرقية.

كما تهدف مخططات توسيع وبناء مستوطنات جديدة داخل حدود بلدية القدس إلى عزل أحياء القدس بعضها عن بعض وخنقها وتهجير سكانها ببطء، وفق شعبان الذي أشار أيضاً إلى الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بالمسجد الأقصى والحرم الشريف التي تهدف إلى فرض تقسيم زماني ومكاني، مما يُمثل خطوة نحو "الالتهام البطيء" للجغرافيا الدينية للقدس. ويُخشى أن تُؤدي هذه المخططات إلى تضييق على الطقوس المسيحية والإسلامية في المدينة المقدسة لصالح اليهود.

وحول أثر هذا التسريع في عمليات التوسع والاستيطان على أهالي القدس، يلفت شعبان إلى أن آليات التهجير التي تحدث الآن في القدس والضفة الغربية هي "عمليات تهجير ناتجة عن بيئة قهرية طاردة، بمعنى أن دولة الاحتلال تفرض نموذج حياة صعب العيش يضطر المواطنين إلى الرحيل"، مشدداً على أن هذا سلوك يرقى لجريمة الحرب. ويقول: "اليوم؛ الاستهداف يقع على المناطق المصنَّفة (ج)، خزان الجغرافيا الفلسطينية الاستراتيجي. الهدف هو تفريغ هذه المنطقة وإحكام السيطرة عليها وخنق الوجود الفلسطيني في معازل صغيرة سهل التحكم فيها أمنياً وعسكرياً من قوات الاحتلال".

وحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، ضمّت إسرائيل شرقي القدس إلى حدودها، في خطوةٍ مخالفةٍ للقانون. ومنذ الضم تتعامل إسرائيل مع السكّان الفلسطينيين هناك على أنهم مهاجرون غير مرغوب فيهم، وتطبّق سياسة منهجيّة غايتها ترحيلهم عن منازلهم ومدينتهم.

جريمة حرب

بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، صعّدت إسرائيل من مساعي تهجير تجمعات فلسطينية وعائلات معزولة عن منازلها وأراضيها حيث وصفت المنظمات الحقوقية هذه العملية بأنها "محاولة رخيصة لاستغلال الحرب فرصةً لمُواصلة تحقيق أهدافها السياسيّة في الضفة الغربيّة والقدس الشرقية والسّعي قدُماً نحو الاستيلاء على مزيد ومزيد من الأراضي الفلسطينيّة".

وفي الضفة الغربية، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في مارس/آذار الما ضي إن التسارع الكبير في بناء المستوطنات يفاقم الأنماط التي طال أمدها من القمع والعنف والتمييز ضد الفلسطينيين.

وفي تقرير قدمه إلى مجلس حقوق الإنسان، أضاف المفوض السامي أن إنشاء المستوطنات وتوسيعها المستمر يسعيان إلى نقل إسرائيل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وهو ما يرقى بدوره إلى جريمة حرب، حسب القانون الدولي.

وأشار التقرير إلى الارتفاع الملحوظ في انتشار المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية خلال الفترة الممتدة من 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ شِّيد ما يقارب 24300 وحدة سكنية جديدة داخل هذه المستوطنات، وهو الرقم الأعلى منذ بدء رصد النشاط الاستيطاني في عام 2017، وتشمل هذه الزيادة 9670 وحدة سكنية بُنيت في القدس الشرقية.

يُقدم هذا الارتفاع الكبير في وتيرة البناء الاستيطاني مؤشراً مقلقاً على استمرار توسع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وإنسانية وخيمة.

ويقول مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان: "في فترة الحرب صادرت دولة الاحتلال ما مجموعه 27 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين تحت مسميات مختلفة، وبالإضافة إلى مصادرة الأراضي -التي تهدف إلى تمكين عمليات التوسع الاستيطاني الكبيرة- هناك عملية دراسة لمخططات وصلت إلى 60 مخططاً هيكلياً لتوسعة مستوطنات تجري هذه الأيام عملية دراستها من أجل التصديق اللاحق، وبالتالي نحن نتحدث عن عمليات مكثفة من التوسع الاستيطاني ومصادرة الأرض ومنع وصول المواطنين إليها".

ووفقاً لقراءة هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ما يصدر عن مركز الإحصاء الإسرائيلي وتقارير مجلس المستوطنات (يشع) حول الإحصائيات ومعدلات النمو، فقد وصل عدد سكان المستوطنات مع مطلع عام 2024 إلى 740 ألف مستوطن موزعين على 185 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس.

ويرى شعبان أنَّ "تجرُّؤ دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية وكل هذه المخالفات الجسيمة للقوانين الدولية والشرائع التي نظَّمت عمل قوة الاحتلال يأتي ببساطة من تقاعس المجتمع الدولي، وازدواجية المعايير والخطاب الدولي، وركاكة الموقف الدولي واكتفائه بالشعارات بدل الأفعال والعقوبات وقطع العلاقات وإلغاء الشراكات".

ويختتم حديثه بقوله: "لا يمكن أن نتحدث عن موقف دولي حقيقي دون ذلك، لكن على الصعيد الفلسطيني، لا يملك الفلسطيني من خيار سوى الصمود ومقاومة الاحتلال بالصدور العارية، لا يوجد خيار آخر".

TRT عربي