تابعنا
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقاً تُظهِر فيه بالأدلة المصورة اعتقال خفر السواحل اليوناني طالبي اللجوء، بينهم أطفال، واقتيادهم إلى البحر وتركهم لمصيرهم على قارب مطاطي.

في حادثة ليست الأولى من نوعها، أثارت قضية تعامل السلطات اليونانية مع المهاجرين "غير الشرعيين" الرأي العامّ الدولي بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقاً تُظهِر فيه بالأدلة المصورة اعتقال خفر السواحل اليوناني طالبي اللجوء، بينهم أطفال، واقتيادهم إلى البحر وتركهم لمصيرهم على قارب مطاطي.

تضمّن التحقيق لقطات تُظهِر خفر السواحل في البلاد وهم يتركون المهاجرين في بحر إيجه الشهر الماضي، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة رسمية عبر طلبه من السلطات اليونانية فتح تحقيق بالحادثة التي تنتهك عدداً كبيراً من القانون اليوناني والاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.

وفي تعليقها على الحادثة قالت مفوضة الهجرة في الاتحاد الأوروبي إيلفا جوهانسون على تويتر: "المفوضية الأوروبية على استعداد لاتخاذ خطوات رسمية".

التقرير يشير إلى ارتكاب السلطات اليونانية انتهاكات كبيرة بحق اللاجئين، متجاوزين بذلك القانون اليوناني، ومعاهدات القانون الدولي التي صدّقت عليها السلطات اليونانية، وقوانين الاتحاد الأوروبي الذي يموّل عمليات الإنقاذ في الحدود.

من جانبها، رفضت اليونان التعليق على الحادثة، على الرغم من أن المعلومات الواردة في التقرير تؤكد التحقق من الصور الملتقطة في جزيرة لسبوس اليونانية في 11 أبريل/نيسان الماضي، وتتضمن مقابلات مع المهاجرين الذين كانوا ضحية لسوء استخدام السلطة والتعسف في الإجراءات.

"سياسة صارمة لكنها عادلة"

تعيش اليونان انتخابات برلمانية، إذ حاول الحزب الحاكم، حزب الديمقراطية الجديدة، الترويج بانتهاج سياسة "عادلة" تجاه المهاجرين، وقد عبّر عن ذلك رئيس الوزراء اليوناني المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس، مدافعاً عن سياساته المتعلقة بالهجرة، واصفاً إياها بأنها "صارمة ولكنها عادلة"، في مقابلة أجرتها معه نيويورك تايمز في الأسبوع الماضي قبيل الانتخابات البرلمانية.

ولم يكن الاتحاد الأوروبي، الذي واجه موجة لاجئين كبيرة على مدى العقد الماضي، بعيداً عن الإعجاب بسياسة اليونان تجاه المهاجرين، وسبق أن وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الحدود اليونانية بـ"درع أوروبا"، لكن السيد ميتسوتاكيس دافع عن سياسته بأنه "بعد وصول أكثر من مليون مهاجر وطالب لجوء عن طريق اليونان وزعزعة استقرار السياسة في القارة في عامَي 2015 و2016، اتجهت أوروبا إلى نهج اليونان الأكثر صرامة".

وكان بحر إيجه قد شهد أحداثاً مختلفة منذ بداية أزمة اللجوء في عام 2015، ما جعل اليونان تعتمد سياسة متشددة لم تختلف عنها بوابات أوروبا الأخرى مثل إيطاليا أو بلغاريا في ذلك.

وعلى الرغم من أن ذلك يمثل تجسيداً لسياسات اليمين المتطرف الذي بدأ ينشط في أوروبا، وعلى الرغم من أنه كان موضع انتقاد من بروكسل في ما مضى، فإنّ العلاقة بين أوروبا واليونان تشهد تحولاً كبيراً على ما يبدو، إذ أشادت بروكسل بالسيد ميتسوتاكيس الذي يتبع سياسة محافظة تنسجم مع سياسة الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ملفَّي الاقتصاد واللاجئين.

أدلة تعذيب وترحيل قسري

كشفت منظمة العفو الدولية عن أدلة لتعذيب اللاجئين والمهاجرين وإساءة معاملتهم، وردّهم إلى تركيا بشكل غير قانوني.

ونشرت المنظمة تقريراً بعنوان "اليونان.. العنف والأكاذيب والإعادة القسرية"، كشفت فيه أن قوات الحدود اليونانية تحتجز مجموعات من اللاجئين والمهاجرين بأسلوب عنيف وبصورة غير قانونية، ثم تعيدهم إلى تركيا على الفور، الأمر الذي يخلّ بالتزاماتها إزاء حقوق الإنسان بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.

ونقلت المنظمة عن الأشخاص الذين التقتهم في تقريرها أنهم "قاسوا أو شهدوا أعمال عنف على أيدي من وصفوهم بمسؤولين يونانيين يرتدون الزي الرسمي، وآخرين بثياب مدنية".

وشملت أعمال العنف الضرب بالعصي أو الهراوات، والركل واللكم والصفع والدفع، مما أفضى أحياناً إلى إصابات شديدة.

سياسات رادعة مع وقف التنفيذ وتفضيل اللاجئين الأوكرانيين

يحق للمفوضية الأوروبية فتح ما يسمى "إجراء التعدي" بحق اليونان، وهي عملية يعاقب الاتحاد الأوروبي فيها الأعضاء الذين ينتهكون قواعده في ما يخص مثل هذه القضايا، وقد يصل الموضوع إلى تجميد التمويل، لكن ذلك لم يردع رئيس الحكومة اليوناني المحسوب على اليمين الوسط، إذ قال في حديثه مع نيويورك تايمز: "سياسة يمينية أو مركزية، لا أعرف ما هي، لكن علَيَّ حماية حدودي".

وفي ما يخص مخاوف السلطات اليونانية على أمنها الحدودي وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، يرى عديد من المراقبين أنه لا يبدو وجود أي تعارض بين إدارة الحدود وتطبيق سياسات إنسانية عادلة تجاه المهاجرين بما يتوافق مع التزامات الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، بما في ذلك اتفاقية عام 1951 وكذلك القانون الأوروبي.

وتتناقض سياسة اليونان مع قضايا اللاجئين باختلاف الأماكن التي لجؤوا منها، وهو ما ظهر خلال الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي.

ووفق ما صرح به وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراخي أمام البرلمان اليوناني بعد بداية الحرب، فإنّ الأوكرانيين هم "اللاجئون الحقيقيون"، وإنّ سواهم لا يستحق الحماية والامتيازات التي تقدمها أوروبا.

إنكار في مواجهة الأدلة

استمرَّت اليونان بتكذيب الاتهامات حول انتهاكاتها لحقوق الإنسان في ما يتعلق باللاجئين دون تقديم دلائل على صدقية نفيها أو ضمانات لعدم تكرار الانتهاكات.

وحول هذا الأمر قالت المحامية إسين بوزوفالي: "لسنوات فشلت اليونان في تحمل المسؤولية، أو إجراء تحقيقات كافية في مزاعم حدوث عمليات الصدّ، واختارت بدلاً من ذلك إنكار حدوثها المنتظم".

وتابعت: "إن السلطات اليونانية تقول باستمرار إنّ عمليات الصدّ هي أخبار كاذبة. بصفتي محامية، سمعت قضايا تتعلق بأكثر من 200 شخص، لا يمكن لكل مهاجر ولاجئ أن يكذب".

وما زالت اليونان تدحض الادعاءات بشكل حازم وتعتبر سلوكها تجاه المهاجرين مجرد دفاع عن الحدود في وجه سلوك المهاجرين غير القانوني، لكن الأدلة المتزايدة وتقارير المنظمات الحقوقية، بالإضافة إلى العدد المذهل للحوادث التي أبلغت عنها منظمات المجتمع المدني بين عامَي 2020 و2021، كل هذا جعل الأمر مصدر قلق للمنظمة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة.

في تقارير نشرتها هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2020، قالت إن "قوات الأمن اليونانية ومُسلّحين مجهولين على الحدود البريّة بين اليونان وتركيا اعتقلوا طالبي لجوء ومهاجرين وعنفوهم، واعتدوا عليهم جنسياً، وسرقوهم، وجرّدوهم من ملابسهم، ثم أجبروهم على العودة إلى تركيا".

ورغم ذلك فإنّ مسؤولين كبارًا في الاتحاد الأوروبي أشادوا بإجراءات مراقبة الحدود اليونانية، وقدموا لها الدعم عبر "الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية" (فرونتكس).

سجّلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ما يقارب 540 حالة إعادة غير رسمية من جانب اليونان منذ بداية عام 2020. كما أُبلغت عن حوادث مثيرة للقلق في وسط وجنوب شرق أوروبا على الحدود مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، محذرة من تفاقم العنف على الحدود الأوروبية، كما أعربت عن القلق إزاء التقارير المتكررة والمتطابقة الواردة من الحدود البرية والبحرية لليونان مع تركيا.

TRT عربي