تابعنا
قُدّمت شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ووقّعها 650 محامياً من مختلف أنحاء العالم، يؤكدون جرائم الاحتلال، وحق الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم أمام العدالة الجنائية الدولية.

وصلت إلى مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي دعوى قضائية مكونة من 76 صفحة، تتّهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ عمليات إبادة جماعية في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقُدّمت الشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ووقّعها 650 محامياً من مختلف أنحاء العالم، يؤكدون جرائم الاحتلال، وحق الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم أمام العدالة الجنائية الدولية.

وصرّح المحامي الفرنسي، جيل ديفرز، المعروف بنصرته للقضية الفلسطينية ورئيس تجمع المحامين قائلاً: "نحن لسنا أمام جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، نحن أمام إبادة جماعية".

وفي حديثه مع TRT عربي، يوضح ديفرز هذا التوصيف القانوني، بأن هناك "عمليّة تصفية عبر التفجيرات وتدمير الروابط الاجتماعية. أهل غزة يعانون الحرمان من الماء والكهرباء والغذاء وتدمير المنازل، وعدم الحصول على الرعاية، وقصف الخدمات الصحية، والترحيل الجماعي للسكان".

وفضلاً عن هذه الانتهاكات، يؤكد المحامي في نقابة المحامين في مدينة ليون الفرنسية، أن شرط القصديّة في هذه الأعمال حاضر، إذ "من حيث النية، أعلن المسؤولون الإسرائيليون أن (الفلسطينيين حيوانات) وسيجري التعامل معهم على هذا النحو".

قلق أممي

وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من أنّ "جرائم حرب" قد تكون ارتُكبت في النزاع بين إسرائيل وحركة حماس.

وحذرت من الحصار المتشدّد الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، ما قد يتسبب وحده في مزيدٍ من الضحايا الفلسطينيين.

ومن خلال تقديم هذه الشكوى، يوضح المحامي الفرنسي أنه "يريد أن يعرف الفلسطينيون أنّ لديهم جيشاً من المحامين الموجودين للدفاع عن صوتهم بشكل مهني وتقني وإنساني أمام المحاكم كافة، وكل الهيئات الدولية".

وتظل المحكمة الجنائية الدولية هي ساحة المعركة القانونية الرئيسة، حتى لو أدرك المحامي أن "إجراءات المحكمة ليست بسيطة"، خصوصاً أنه يطالب بإصدار مذكرة اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، كمسؤول عن هذه الإبادة.

لكنه يعترف بأنّ نجاح الشكوى له "حظوظ كبيرة رغم الضغوط الخارجية"، لأنه -وفقاً لتعبيره- "في حال لم يتحرك المدعي العام، فإن مصداقية المحكمة ستكون على المحكّ".

وربط ديفرز ذلك بقضايا شبيهة، مشيراً إلى أن "المحكمة سبق وسجّلت بسرعة كبيرة انتهاكات في الحرب الروسية-الأوكرانية وأصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جريمة حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني، لكنّ هذه الجريمة لا تضاهي فظاعة ما يجري في غزة والتقتيل الحاصل يومياً".

وبنفس التفاؤل، تحدث مع TRT عربي، المحامي عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "إفدي" لحقوق الإنسان.

وشارك مراري في المحكمة الدولية لحضور اجتماع عمل مع اللجنة المشرفة على تسيير التحقيق لدى مكتب المدعي العام المشرف على الملف.

انطلاق التحقيق

ويرى مراري أن هذه الاجتماعات تدل "على المسار الطبيعي للدعوى، وأنها قُبلت شكلاً ومضموناً من مكتب الادعاء العام، كما أن إجراءات التحقيق انطلقت".

ويضيف المحامي أن "قبول الدعوى كان محسوماً، فقد انضمت فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2015، بعد توقيعها على نظام روما المؤسس للمحكمة، وأعلنت الجنائية الدولية كذلك في قرار تاريخي عام 2021 بسط ولايتها القضائية على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس الشرقية، لتصبح بذلك التحقيقات في الجرائم المرتكبة على الأراضي الفلسطينية من اختصاصها".

واعتمد تجمع المحامين في شكواهم على اتفاقية تجريم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1948، وبموجب المادة السادسة من نظام روما المؤسس لنظام المحكمة الجنائية الدولية.

وحسب هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكَبة بقصد التدمير الكلّي، أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: "قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وكذلك نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى".

سابقة تاريخية

ومن خلال هذه الشكوى الجديدة، سجلت المحكمة "سابقة تاريخية"، كما يضيف مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "إفدي" لحقوق الإنسان.

ويوضّح مراري أنه "لأول مرة تُرفع دعوى بشأن الإبادة الجماعية في الملف الفلسطيني في الجنائية الدولية، ونحن مقتنعون بأن أركان جرائم الاحتلال التي مارسها على مرأى العالم، كلها موجودة في قواعد القانون الدولي".

ووفق آخر حصيلة أعلن عنها المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، فقد ارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 14854، بينهم أكثر من 6150 طفلاً، وأكثر من 4 آلاف امرأة، فيما فاق عدد الإصابات 36 ألف حالة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة الجنائية الدولية طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، فقد سبق أن كان المحامي ديفرز أحد المتحدّثين باسم مجموعة مكونة من 350 منظمة غير حكومية يمثلها 40 محامياً، تحملت مسؤولية معالجة طلب العدالة المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكَبة خلال حرب غزة في الفترة (2008- 2009).

وفي مارس/آذار 2021، فتح مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالفعل تحقيقاً في الجرائم المرتكَبة في فلسطين منذ حرب غزة عام 2014، لكن الإجراءات بطيئة بهذا الخصوص.


TRT عربي