منذ ستة وسبعين عاماً مضت، يعيش الفلسطينيون نكبات مستمرة، فما زال الاحتلال الإسرائيلي يُعيد نفس الممارسات؛ من تهجير وإبادة بحق الشعب الفلسطيني حتى هذه اللحظة، معاودين خلق "نكبة جديدة" اليوم في قطاع غزة.
وطوال 222 يوماً متتالياً يتعرض أهالي غزة لحرب إبادة جماعية، لا تقل بشاعة عن "نكبة 48"، التي تحل ذكراها اليوم، ففي بيان للمركز الفلسطيني للإحصاء صدر في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصف حجم الشهداء الفلسطينيين في الحرب الحالية على قطاع غزة بأنه " الأكبر عدداً منذ نكبة 1948".
بين نكبتين
قبل 76 عاما هجّر الاحتلال الإسرائيلي نحو 800 الف فلسطيني قسراً، واليوم ينزح ما يقرب من مليونَي مدني بين أنحاء قطاع غزة المحاصَر، شمالاً وجنوباً من منطقة لأخرى، إثر القصف المستمر والهجوم الإسرائيلي على مناطق مختلفة في القطاع.
في عام 1948 نفَّذت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة، أدت لاستشهاد قرابة 15 ألف فلسطيني وتشريد نحو 200 ألف آخرين، أما الحرب الحالية على غزة فخلَّفت 35173 شهيداً حتى الآن، معظمهم من الأطفال والنساء، و79061 مصاباً آخرين، بالإضافة إلى استشهاد 498 فلسطينياً في الضفة الغربية.
وقبل يومين من حلول ذكرى النكبة، أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الأحد، 12 مايو/أيار الجاري، بياناً يسرد فيه معاناة الشعب الفلسطيني، وأفاد بأن نحو 134 ألف فلسطيني وعربي استُشهدوا في فلسطين منذ "نكبة 48".
وأشار البيان إلى أن عدد الفلسطينيين بلغ 14.63 مليون نهاية عام 2023، مشتتين في أنحاء العالم بين "5 ملايين و500 ألف في فلسطين (الضفة الغربية بما فيها القدس وغزة)، ونحو مليون و750 ألفاً في أراضي 1948 ، فيما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية نحو 6 ملايين و560 ألفاً، ونحو 772 ألفاً في الدول الأجنبية".
وكشف الجهاز عن تسجيل أكثر من مليون حالة اعتقال منذ عام 1967، مشيراً إلى وجود نحو 9 آلاف و400 أسير حالياً في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
كذلك ذكر البيان أن عدد المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية بلغ في الضفة الغربية 483 موقعاً، نهاية عام 2022، وقال إن "عدد المستوطنين في الضفة الغربية وصل إلى 745 ألفاً و467، معظمهم في محافظة القدس".
كيف يغطي الصحفيون الفلسطينيون ذكرى النكبة؟
منذ بداية الحرب الحالية على غزة وحتى قبلها، يستهدف الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين الفلسطينيين، في محاولة منه لتكميم أفواههم ومنع إيصال حقيقة ما يحدث هناك إلى العالم، ونتيجة ذلك استُشهد نحو 143 صحفياً منذ أكتوبر/تشرين الأول.
واليوم وفي ذكرى النكبة يستمر الصحفيون الفلسطينيون في تغطيتهم هذا اليوم الخاص رغم ما يعانونه من استهداف ونزوح وجوع وقتل.
هلا الزهيري (36 عاماً)، صحفية فلسطينية، أصولها من قرية الخيرية التابعة لقضاء يافا، ترى أن ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني هذا العام تختلف عمّا سبقتها، إذ تحل في ظل الحرب المتواصلة على قطاع غزة.
وتقول في حديثها مع TRT عربي: "ربما المختلف في تغطيتنا الصحفية لها هذا العام أننا نعيش ظروفاً أقسى من تلك التي حدّثنا عنها أجدادنا، لكن يوجد جانب غاية في الأهمية هذه المرّة، وهو التفاعل العالمي مع القضية الفلسطينية، إذ تحل ذكرى النكبة هذا العام والجامعات حول العالم تنتفض لأجل فلسطين وشوارع العالم تعج بالمظاهرات من أجل وقف الحرب والمطالبة بالعدالة لأهالي غزة، وهذه نقطة تحوُّل تبعث على الأمل وسط كل هذا الخراب".
وتتفق معها المراسلة الصحفية الغزّية شروق شاهين، الموجودة الآن بمستشفى الأقصى في دير البلح من أجل متابعة عملها، بعد نزوحها من رفح في الأيام الأخيرة، على اختلاف التغطية الصحفية لذكرى النكبة هذا العام، وتقول لـTRT عربي إنهم كانوا يغطّون كل عام ما يحدث من فعاليات في مثل هذا اليوم في غزة، والأنشطة التي تثبت تمسك الفلسطينيين بالأرض، "لكن اليوم في الحرب نحن مشردون من أرضنا التي دمَّرتها آلة الحرب الإسرائيلية وانتزعت منَّا كل مقومات الحياة الأساسية".
وتستكمل: "اليوم مصادفةً عرفت أنها ذكرى النكبة من زميلة لي في القدس، لأننا بطبيعة الحال مشغولون بالأحداث الجارية في غزة؛ إذ نعاني القصف والنزوح والمجاعة ونغطيها صحفياً أيضاً. أصبحت جميع الأيام والتواريخ متشابهة في ظل تلك الظروف الإنسانية القاسية".
بين الألم الفلسطيني والشخصي وتحديات المهنة
وعلى الصعيد الشخصي تروي هلا الزهيري أنها لاجئة من قرية الخيرية قضاء مدينة يافا، "وكبرت على حكايات جدتي عن القرية وعن يافا وأعرف شوارعها من حديث جدتي، وكان لذلك دائماً أثر في شكل تغطيتي والزوايا التي أختارها لإعداد تقارير صحفية حول النكبة".
وتستكمل الصحفية الفلسطينية حديثها قائلة إن هذا العام تمر ذكرى النكبة وأخواها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي "لننضم إلى آلاف العائلات التي تعيش حالة قلق على أبنائها في ظل ظروف مروعة يعيشها الأسرى، وكذلك فقدنا جدّتي قبل نحو شهر وأخواي المعتقلان لا يعلمان بذلك. فقدنا جدتي لكننا لن نفقد أثرها وسنعود إلى منزلنا ونزرع حوله الخبيزة والنعنع والبقلة كما كانت تفعل".
أما شروق شاهين فتشير إلى صعوبات مهنية أخرى بجانب استهداف الصحفيين في التغطية الحالية وتدمير بيوتهم ومعداتهم وأدواتهم، قائلة: "نزحت عدة مرات في غزة، من مستشفى الشفاء في شمال القطاع، ثم لشهداء الأقصى في دير البلح. ثم إلى مستشفى ناصر في خان يونس، ثم عدت إلى شهداء الأقصى بدير البلح، وبعد القصف إلى الوسطى، ومنها إلى رفح ثم إلى شهداء الأقصى مرة أخرى بعد تعرض المنطقة الشرقية لرفح لعملية عسكرية".
وتلفت إلى أنها وزميلاتها الصحفيات منذ 4 أيام تقريباً نازحات بلا مأوى، إذ لا يوجد مكان لوضع خيمتهن بسبب تكدس أعداد النازحين، وبالكاد يستطعن دخول دورات المياه. وتضيف أن الأمر أصبح مرهقاً ويمس بكرامتهن.
من ناحية أخرى يقول المصور الصحفي عطية درويش (37 عاماً)، الموجود حالياً في دير البلح إنهم يعيشون الآن نكبة جديدة ويعاد تهجيرهم مرة أخرى، إذ إنه لاجئ من بئر السبع ويسكن مخيم النصيرات.
ويتابع عطية لـTRT عربي: "نعود الآن إلى الوراء سنوات وسنوات، فما كنا نراه في الصور القديمة لأجدادنا نعايشه الآن حقيقةً".
ورغم حلول ذكرى النكبة في ظروف أقسى من المعتاد، يقول عطية: "لكن أهمية هذه الذكرى في ظل الأحداث الحالية، أننا نظل نذكر أننا هُجِّرنا مرات ومرات من بلادنا وأخذ الاحتلال أراضينا، لنكمل رسالتنا في توصيل الحقيقة للعالم واسترداد أرضنا".
وتتفق معه شروق شاهين في أنه رغم قسوة ما يحدث الآن في ذكرى النكبة فإنه يعمل على إحياء الثوابت الفلسطينية وبقاء القضية حية محلياً وعالمياً، ويُظهر مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم، مشيرةً إلى آلاف الفلسطينيين الذين رفضوا فكرة الهجرة والخروج من غزة، حتى مع القصف والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضدهم.