تابعنا
دمّر الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الحالية أجزاءً من مقبرة الشيخ رضوان، يتجاوز عمرها 100 عام، وتعتبر أكبر مقبرة في القطاع، ودُفنت بين أسوارها شخصيات فلسطينية شهيرة مثل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس.

صُدمت الفلسطينية جواهر عابد بعد أن أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تجريف مقبرة الفالوجا الواقعة شمالي قطاع غزة في الحرب الإسرائيلية على غزة.

ويوجد داخل هذه المقبرة رفات عدد كبير من أفراد عائلة السيدة الفلسطينية المدفونين، إذ تستهدف قوّات الاحتلال الإسرائيلي المقابر في مختلف مناطق القطاع، سواء بالقصف الجوي أم المدفعي أو بالجرّافات.

وصادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الكثير من الجثث في مقبرة الفالوجا خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، في خطوة فُسّرت على أنّها تدخّل في نطاق البحث عن الجنود الأسرى في القطاع.

بموازاة هذا فإنّ مئات الأسر الفلسطينية في شمال غزة لم تتمكن من دفن أبنائها في المقابر، وجرى دفن بعض جثث الشهداء في المدارس أو الطرق العامة وساحات المستشفيات أو الأسواق العامة.

هذا الوضع غير مألوف للفلسطينيين، إذ تعتبر هذه المرة الأولى التي يُدفن فيها الشهداء في أماكن خارج المقابر، فقد تحوّلت الساحات العامة وحدائق المنازل إلى مقابر بديلة في ظل الحرب الإسرائيلية.

لا حرمة للأموات

وتقول السيدة الفلسطينية جواهر عابد إنّ ما جرى في مقبرة الفالوجا أو غيرها من المقابر الفلسطينية في غزة يؤكّد تعمّد الاحتلال تدنيس المقابر وعدم مراعاة حرمة الموتى الذين مرّ على دفن بعضهم عشرات السنوات.

وتضيف في حديثها لـTRT عربي، أنّ "قبور جدّها وجدّتها فضلاً عن عدد من أقاربها توجد في هذه المقبرة، ومضى على دفن بعضهم الكثير من الوقت"، مضيفةً أنّ "اقتحام المقابر مخالف للقوانين الدولية".

ووفق السيدة الفلسطينية فإنّ الاحتلال لم يكتفِ بتهجير جدّيها عام 1948 من أراضيهم، بل لاحقهما حتى وهما في قبورهما، وبالتالي فإنّ الاحتلال لا يفرّق بين الفلسطينيين سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً.

وتطالب عابد بتدخّل أممي ودولي لإعادة الجثث التي سلبها الاحتلال من المقبرة، وإعادة دفنها في المقبرة نفسها، ومحاسبة الاحتلال على سلوكه وتصرفاته بحق الفلسطينيين خلال الحرب على القطاع.

ودمّر الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الحالية أجزاءً من مقبرة الشيخ رضوان، يتجاوز عمرها 100 عام، وتعتبر أكبر مقبرة في القطاع، ودُفنت بين أسوارها شخصيات فلسطينية شهيرة مثل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، والشهيد محمد الأسود، أحد أبرز مقاومي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمهندس يحيى عياش القيادي في كتائب القسام.

وإلى جانب ذلك دمّر الاحتلال المقبرة الشرقية المطلّة على شارع صلاح الدين، شرقي بلدة جباليا، وقد قدّم عشرات النازحين شهادات عن اقتحامها من طرف مركبات عسكرية إسرائيلية.

دفن عشوائي

ولجأ الفلسطيني أحمد خليل، وهو من سكان شمال القطاع، إلى دفن عمّه -الذي استشهد في غارة إسرائيلية- في فناء منزله، نظراً لصعوبة الوصول إلى المقابر جراء القصف الإسرائيلي أو عمليات التدمير التي طالتها.

ويتحدث خليل في تصريح لـTRT عربي، عن صعوبة الأوضاع المعيشية المتعلقة بالدفن إلى جانب الصعوبات المترتبة على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع للشهر الثالث على التوالي، من دون أي آفاق بالوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويؤكد أنّ تجربة الدّفن خارج المقابر غير معتادة أو مألوفة لديه، وهو ما شكَّل رهبة ورعباً بعد اضطراره لدفن عمه داخل المنزل إلى حين التمكّن من نقله إلى المقبرة، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.

ووفق خليل فإنّ عائلات دفنت جثث أبنائها في الطرقات العامة، في منطقة بيت لاهيا وجباليا شمالي القطاع، لتعذّر الوصول إلى المقابر، وإطلاق النار الكثيف في هذه المناطق من طرف الجيش الإسرائيلي، ما تثير الخشية من التعرّض للقتل في حال التوجّه إلى المقابر.

جرائم جديدة

من جانبه، يصف مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، الواقع الإنساني بأنّه وصل إلى مرحلة ما بعد كارثية، وخاصةً فيما يتعلق بعدم مقدرة المواطنين على دفن شهدائهم وموتاهم في المقابر المخصّصة للدفن، وذلك بسبب استهداف الاحتلال "الإسرائيلي" المتواصل لكلّ شيء يتحرك في قطاع غزة.

ويقول الثوابتة في حديثه لـTRT عربي معلقاً على قضية الدفن العشوائي، "إنّ المواطنين في غزة لجؤوا إلى دفن الشهداء في مناطق مختلفة على غرار ساحات المستشفيات والبيوت والمدارس ومراكز الإيواء، وهو أمر مؤسف للغاية يتسبب به جيش الاحتلال المجرم".

ووفق المسؤول الحكومي فإنّ ما يحصل الآن: "دليل على الفظائع والمجازر التي يتعرّض لها شعبنا الفلسطيني، فلا توجد قدسيّة للإنسان ولا احترام للأموات أو جثامينهم، بغضّ النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم، ومن المؤسف أن يضطر النّاس إلى دفن أحبائهم في حرب الإبادة الجماعية هذه".

ووفق الثوابتة فإنّ التقارير الأوليّة والجزئية الصادرة عن لجان الحصر تشير إلى أنَّ أكثر من 1700 شهيد دُفنوا في أماكن عشوائية، لكنّ هذه الإحصائيات سترتفع بحكم أنّ هناك المئات أو الآلاف من الشهداء دُفنوا في مناطق عشوائية ولم يجرِ إحصاؤهم بعد.

ويلفت إلى أنّ "تدنيس جيش الاحتلال للمقابر جريمة فظيعة وغير إنسانيّة متناقضة مع القانون الدولي، ويُعدُّ انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية، ويُمثل تهديداً للقيم الدينية والثقافية".

ويضيف، بأنّ المقابر مكان له حرمته، ويُفترض أنّها "مكان للتذكّر والاحترام، وتمثل صلة بين الأحياء والأموات، وبالتالي عندما تُدنّس المقابر، فإن ذلك يمثل إهانة للموتى ولذويهم".

نبش ومصادرة جثث

من جانبه، يشير جميل سرحان، نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، إلى أنّ "قوات الاحتلال صادرت عدداً من الجثث لم يحدّد بعد، ونقلتها لإجراء فحوصات عليها، وهو أمر مخالف للقانون الدولي وجريمة حرب من الإسرائيليين".

ويقول سرحان لـTRT عربي، إنّ "ما يجري سواء من عمليات دفن عشوائي بسبب استهداف الاحتلال للمقابر، أم عمليات تجريف القبور ونقل الجثث لإجراء فحوصات عليها، يخالف اتفاقية جنيف الرابعة التي كفلت الحقوق المدنية والإنسانيّة، ومن أهمّها المتعلقة بالدفن والعادات والتقاليد".

ويلفت إلى أنّ هناك صعوبات حقيقيّة في الحصول على إحصائيات متعلّقة بالجثث التي صادرها الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الشمال أو مدينة غزة بسبب العمليات العسكرية وانقطاع الاتصالات وعدم وجود آليات وطواقم للحصر، إلى جانب عمليات الدفن العشوائي التي تجري هناك.

TRT عربي
الأكثر تداولاً