تستهلك إسرائيل الذخائر الدقيقة بشكل كثيف وواسع في عملياتها الحربية. / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء 8 مايو/أيار في مقابلة مع قناة سي إن إن الأمريكية أن إدارته أوقفت شحنات من الأسلحة كان مقرراً إرسالها إلى إسرائيل.

وأضاف بايدن أن إدارته أوضحت "أنهم إذا ذهبوا (إسرائيل) إلى رفح -وهم لم يذهبوا إلى رفح بعد- فلن أزوّدهم بالأسلحة التي يجري استخدامها في حروب المدن".

وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في جلسة استماع أمام جلسة لمجلس الشيوخ الأمريكي إن "التزام بلاده أمن إسرائيل سيظل مصنوعاً من حديد"، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية كانت واضحة مع إسرائيل بضرورة "أن لا تشنّ هجوماً كبيراً على رفح من دون أخذ المدنيين في الاعتبار".

ورداً على تصريحات بايدن والقرار الأمريكي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل ستواصل حربها حتى لو قاتلت بـ"أظافرها"، فيما انتقد عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الهجوم على واشنطن، مشيراً إلى أنها وقفت إلى جوار إسرائيل في أصعب أوقاتها، منتقداً الوزراء الذين هاجموا الولايات المتحدة.

وبدأت الإدارة الأمريكية بالتفكير بهذه الخطوة منذ شهر أبريل/نيسان الماضي، بعد مباحثات ما بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين حول معركة رفح وكيفية تلبية الاحتياجات الإنسانية للمدنيين، وفقاً لما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مسؤولين في إدارة بايدن.

وإضافةً إلى الدلالة السياسية لهذه الخطوة، يحتل هذا النوع من الذخائر أهمية بالغة لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يخوض حرباً مفتوحة في قطاع غزة، وتصعيداً على الجبهة الشمالية في لبنان، وخطر نشوب حرب إقليمية.

عماد ذخيرة جيش الاحتلال الإسرائيلي

شملت الصفقة التي كان من المقرر تسليمها الأسابيع المقبلة 1800 قنبلة تزن ألفي رطل، و1700 قنبلة تزن 500 رطل، وقنابل صغيرة القطر (SDB-1) بالإضافة إلى أنظمة توجيه ذكية مخصصة لتحويل القنابل الغبية إلى منظومات ذكية.

ويوضح الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية عماد ناصر، أن الأسلحة توصف بأنها ذخائر دقيقة (Precision-guided munition) اختصاراً (PGM)، وتستخدم لقصف مواقع محددة بدقة وموثوقية عالية، مما يتيح لها ضرب الأهداف بشكل مركَّز ومن دون إهدار للموارد والذخائر في الهجمات الواسعة النطاق، مما يعني أن الدقة في الاستهداف تحقق لهم تدمير الهدف بأكثر فاعلية وأقل تكلفة وتأثيراً.

ويضيف ناصر لـTRT عربي أن الاعتماد الإسرائيلي على الذخائر الأمريكية كبير جداً، أو بالأدق على أنظمة توجيه القنابل التي يطلق عليها (JDAM)، فجيش الاحتلال الإسرائيلي استورد منذ عام 2010 ما يقرب من 15 ألف قنبلة من هذا الطراز، ونحو 8 آلاف قنبلة من طراز (GBU-39)، حسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام.

وتستهلك إسرائيل الذخائر الدقيقة بشكل كثيف وواسع في عملياتها الحربية، ويُرجع المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن شاي، هذا الأمر إلى "رغبة الجيش في الحفاظ على أمن الجنود، ومنعهم قدر الإمكان من المواجهات المباشرة مع الإرهابيين".

ويضيف بن شاي أن هذا النوع من الذخائر أسهم في انخفاض عدد الإصابات في صفوف جيش الاحتلال، "فإذا أُوقف إمداد قنابل (JDAM)، فلن يتمكن الجيش الإسرائيلي من إسقاط قنبلة دقيقة تزن طناً على مبنى حددته الاستخبارات على أنه إرهابي".

أساس الحملات الطويلة

كان واضحاً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حاجة جيش الاحتلال إلى تأمين خط إمداد من الذخائر والمعدات العسكرية، لتغطية استخدامه الواسع والكثيف منها.

وفي ظل التهديدات التي تواجه جيش الاحتلال وتحديداً على الجبهة الشمالية مع حزب الله تزداد أهمية الذخيرة، وهذا ما يشير إليه الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية أحمد مولانا، في حديثه مع TRT عربي، فـ"النقص في المخزون يعرقل تنفيذ عمليات عسكرية واسعة أو مطولة".

وما يزيد من أزمة إسرائيل أن هذا النوع من الذخائر لا تستطيع الصناعات العسكرية الإسرائيلية إنتاجه بشكل كبير وكثيف وقادر على تغطية احتياجاتها الآنيّة أو قصيرة الأمد.

ويذكر الباحث الأمني والعسكري عماد ناصر، أن جيش الاحتلال "استهلك مخزونه من هذا النوع من الذخائر بشكل كبير، وبالأصل هي كانت تعاني قبل الحرب في مخزونها من الذخائر الدقيقة، وكانت تطالب الولايات المتحدة بتحسين نوعية الذخائر وإضافة الذخائر الدقيقة ضمن مخزون الحرب الاحتياطي (WRSA-I) الذي تحتفظ به الولايات المتحدة في الأراضي المحتلة وتستخدمه إسرائيل عند الحاجة".

الالتزام الأمريكي

احتضنت الولايات المتحدة منذ اليوم الأول للحرب إسرائيل وأظهرت تجاهها التزاماً سياسياً واستراتيجياً، وشمل الحضن الأمريكي تغطية إسرائيل في احتياجاتها من الذخائر وتحديداً المدفعية والقنابل الدقيقة.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة، ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وافقت على أكثر من 100 صفقة أسلحة لإسرائيل، لم يُعلن إلا عن اثنتين فقط منها، فيما تَواصل مسؤولون من الإدارة الأمريكية مع الكونغرس بشأن نقل أسلحة إلى إسرائيل أكثر من 200 مرة.

شملت المساعدات والصفقات الأمريكية ذخائر دقيقة وقذائف مدفعية وقذائف دبابات، وذخائر للقبة الحديدية ومنظومات الدفاع الجوي الأخرى، كما وافقت على صفقة طائرات من طراز (إف-35) ومعدّات أخرى.

ووفقاً لمركز خدمات الكونغرس الأمريكي فقد وصلت قيمة المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل منذ تأسيسها ما يقرب من 124 مليار دولار، فيما وصلت قيمة المساعدات الاقتصادية إلى 34.3 مليار دولار، ما يجعلها الدولة الأكثر تلقياً للمساعدات الأمريكية في العالم.

وفي عام 2016 وافقت إدارة أوباما على مذكرة تفاهم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التزمت بموجبها تقديم 38 مليار دولار مساعدات أمريكية لإسرائيل على مدار 10 سنوات، بواقع 3.8 مليار دولار سنوياً.

خطورة القرار

ركّزت الإدارة الأمريكية على أن قرار تعليق إرسال الأسلحة مقتصر على الأسلحة الهجومية والثقيلة منها تحديداً، من دون أن يشمل الأسلحة المخصصة لمنظومات الدفاع الجوي كـ"القبة الحديدية" وغيره.

وتاريخياً لجأت الإدارة الأمريكية إلى تعليق جزء من إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل لإظهار انزعاج واشنطن على تصرفات تل أبيب، كما هو الحال مع إدارات ترومان وآيزنهاور، وإدارة ريغان التي أخَّرت جزءاً من الأسلحة الأمريكية وعلَّقت توريد القنابل العنقودية بعد حرب لبنان.

ويوضح المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن شاي، أن الإدارة الأمريكية رفعت في الآونة الأخيرة من "لهجتها ضدّ إسرائيل، في محاولة لإيصال رسائلهم إلى مستوى صُناع القرار عندما طرحوا على الطاولة تهديداً صريحاً بفرض عقوبات على كتيبة (نيتساح يهودا) التابعة للجيش الإسرائيلي بسبب انتهاكها حقوق الإنسان في يهودا والسامرة".

وتستشعر إسرائيل خطورة الخطوة الأمريكية في أكثر من اتجاه، أهمها تهديد خط توريد هذا النوع من الذخائر في ظل دخول إسرائيل حرباً في غزة وإمكانية نشوبها في الشمال.

بالإضافة إلى ذلك تسهم مثل هذه الخطوات في خسارة الدعم والغطاء الشرعي الذي حظيت به بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فالرئيس الأمريكي جو بايدن، علّل وقف توريد هذا النوع من الأسلحة بالخوف من استخدامها ضدّ المدنيين.

كما أن القرار الأمريكي قد ينقل العدوى إلى دول أخرى ترى في السلوك الأمريكي ضوءاً أخضر لهذا النوع من الإجراءات بحق إسرائيل، وهذا ما حذّر منه بن شاي بعد أن "لجأت بعض الدول الصديقة إلى فرض قيود على توريد الأسلحة إلى إسرائيل (...)، فيما هدّدت دول صديقة أخرى بفرض عقوبات على توريد مكونات أنظمة تسليح".

ويشدد بن شاي على أهمية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء إسرائيل الغربيين في تسليح الجيش الإسرائيلي، خصوصاً أن "إنتاج معظم الأسلحة التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي من الولايات المتحدة، والصناعات الدفاعية الإسرائيلية تعتمد في المواد الخام ومكونات معينة من الأسلحة المستخدمة على دول قد تطبق حظراً على توريد الأسلحة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً