تابعنا
لِعقود، فرضت الولايات المتحدة سطوتها على المجال التكنولوجي، لكن سرعان ما لَحقت الصين بالركب، وزاحمت الولايات المتحدة على الصدارة، وربما سبقتها في بعض الجزئيات.

لم يكن باستطاعتك قراءة هذا التقرير من جوالك لولا أحد أهم اختراعات القرن العشرين، ألا وهو "الترانزستور" الذي يُعتبر أساس تركيب وحدات معالجة البيانات في الحواسيب وجميع الأجهزة الإلكترونية على مختلف أشكالها.

"أشباه الموصّلات"، هو الاسم العلمي الذي يُشير إلى الترانزستور وأشباهِه من المفاتيح الإلكترونية، تُعدّ بمثابة مكمن قوة للدول، فكل من يُثبت قِدم السبق في هذا المجال، تكون له اليد الطولى في التحكم بمصير الدول والشعوب، فهي أساس عمل أنظمة الذكاء الصناعي والحواسيب فائقة السرعة وأنظمة الفضاء والأسلحة المتطورة، بالإضافة إلى المجال الصناعي.

دول مسيطرة

لِعقود، فرضت الولايات المتحدة سطوتها على المجال التكنولوجي، لكن سرعان ما لَحقت الصين بالركب، وزاحمت الولايات المتحدة على الصدارة، وربما سبقتها في بعض الجزئيات.

ولكي تَحدّ إدارة البيت الأبيض من نمو الصين المتسارع، تفرض بين الحين والآخر مجموعةً من العقوبات التي تَضرّ بالصين، وفي الوقت نفسهِ قد تنعكس على العالم أجمع.

ولِتوضيح ذلك، لا بدّ من معرفة أمر مهم، أنّ صناعة أشباه الموصّلات ترتكز على أمرَين، الأول هو المادة الخام التي تُصنَع منها الرقائق الإلكترونية، والأمر الثاني هو المعدّات التي تحول تلك الرمال (السيليكون والجرمانيوم) إلى منتجات نهائية.

أمّا المادة الخام، فَتُسيطر عليها الصين، فهي أكبر منتجٍ للجرافيت والجرمانيوم في العالم، بنسبة تصل إلى 61% من مجموع ما تنتجه دول العالم الأخرى.

وفيما يخصّ صناعة الرقائق الإلكترونية، فتسيطر عليها الولايات المتحدة بشكل مباشر من خلال شركاتها، أو عبر فرض سيطرتها على الدول المصنّعة لها مثل تايوان وهولندا واليابان.

حرب إلكترونية

ومنذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بدأت الحرب الإلكترونية بين الصين والولايات المتحدة عندما أعلن الحزب الشيوعي الصيني خطته الثلاثينية المتعلّقة بالسيطرة على مجال الذكاء الاصطناعي.

واستعرت تلك الحرب إبّان فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عندما فرض عقوبات على عددٍ من الشركات الصينية مثل "هواوي" وغيرها، ومنع عديداً من الشركات الأمريكية التعاملَ مع قائمة من المؤسسات والشركات الصينية.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها عن تحركات أمريكية لفرض حزمة عقوبات جديدة تجاه الصين، منها إضافة ضوابط إلى مقدار الوصول الذي ستحصل عليه الشركات الصينية إلى خدمات الحوسبة السحابية من الشركات الأمريكية، مثل أمازون ومايكروسوفت.

ومنها أيضاً، توسيع حزمة الحظر على الشركات لتشمل 36 شركة صينية أخرى، بما في ذلك شركة YMTC الكبرى لصناعة الرقائق، وهذا يعني أنّ الشركات الأمريكية ستحتاج إلى إذنٍ حكومي لبيع تقنيات معينة لها.

يُضاف إلى ذلك، امتثال هولندا واليابان والمملكة المتحدة لطلبات أمريكية بمنع شركاتها المنتجة للمعدّات المصنعة للرقائق من بيع منتجاتها إلى الصين.

وتمنع إجراءات واشنطن الجديدة، المواطنين الأمريكيين وحاملي البطاقة الخضراء من العمل في بعض شركات الرقائق الصينية.

وفي هذا الصدد، قال وكيل وزارة التجارة الأمريكية آلان استيفيز، إنّ "نية بلاده ضمان منع وصول التقنيات الحساسة ذات التطبيقات العسكرية للصين".

وأضاف استيفيز أنّ "بيئة التهديد تتغير دائماً، ونُحدّث سياساتنا اليوم للتأكد من أنّنا نتصدى للتحديات".

من جهتها، قدّمت الصين شكوى ضدّ الولايات المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) بشأن ضوابط تصدير أشباه الموصلات والتكنولوجيا الأخرى ذات الصلّة، ووصفت الصين في شكواها الضوابط الأمريكية الجديدة بأنّها "إرهاب تكنولوجي".

مخاوف عالمية

وصعدت بكين من خطابها، وأعلنت هي الأخرى عن حزمة عقوبات، قد تؤثر في النهاية على سلسلة التوريد العالمية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية أنّها ستسيطر على صادرات بعض المعادن المستخدمة على نطاق واسع في صناعة أشباه الموصّلات، وقالت الوزارة في بيان لها، إنّها "تهدف إلى حماية الأمن والمصالح الوطنية، وَستطلب من المصدّرين الحصول على إذن لشحن بعض منتجات الغاليوم والجرمانيوم".

وأضافت التجارة الصينية أنّ أي شخص يُصدّر هذه المنتجات دون إذن، ومن يُصدّر ما يزيد عن الكميات المسموح بها، سيُعاقَب.

ونقلت رويترز عن مستشار صيني قوله، إنّ ضوابط الصين على الصادرات من المعادن المستخدمة في أشباه الموصّلات "مجرّد بداية، في الوقت الذي تكثّف فيه بكين معركة تقنية مع واشنطن".

يُذكر أنّ المواد التي حظرت الصين تصديرها تدخل في صناعة كابلات الألياف الضوئية والخلايا الشمسية وفي رقائق الكمبيوتر عالية السرعة، والبلاستيك، وفي التطبيقات العسكرية مثل أجهزة الرؤية الليلية، وكذلك أجهزة استشعار صور الأقمار الصناعية، إضافةً إلى أجهزة الاتصالات الرادارية والراديو والأقمار الصناعية ومصابيح LED.

من جهتها، أثارت البلدان في آسيا التي تنتج الرقائق (مثل تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية) مخاوف بشأن كيفية تأثير هذه المعركة المريرة بين واشنطن وبكين على سلسلة التوريد العالمية.

بينما حذّر آخرون من أنّه إذا أرادت الصين ضرب شركات صناعة السيارات العالمية، فيمكنها ذلك عبر التحكم في صادرات الجرافيت، حيث تنتج الصين 61% من الجرافيت الطبيعي العالمي، و98% من المواد المعالجة النهائية لتصنيع أنودات البطارية الكهربائية.

TRT عربي