تابعنا
زادت الأعراض النفسية لدى الإسرائيليين وسط عدم استيعاب منظومة الصحة النفسية الأعداد الكبيرة من المراجعين، كما أفادت التقديرات الإسرائيلية بأن ما بين 20% و30% سيعيشون مع هذه الصدمة النفسية طول حياتهم، وأنهم لن ينجحوا في التخلص من أعراضها.

تُظهِر الآثار النفسية السلبية في المجتمع والجيش في إسرائيل جراء الحرب على غزة، التي بدأتها إسرائيل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صورة قاتمة ومركبة تفيد بأن دولة إسرائيل تعاني من أعراض صدمة نفسية عميقة وغير مسبوقة تطال كل فئات المجتمع، وفي مقدمتهم الجنود الذين شاركوا في القتال في القطاع وعادوا منه أحياء لكن مع أزمات وعُقَد ستلازمهم طويلاً.

ولا تقتصر تعبيرات وتجليات هذه الأزمة على سكان غلاف غزة، الذي كان مسرحاً للأحداث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بل إنها تطال الأطفال والجنود وسكان خطوط التماس الذين جرى إجلاؤهم بعيداً عن خطوط القتال، إلى جانب الأسيرات والأسرى الذين جرت مبادلتهم في صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل وعائلاتهم، وهو ما يحولها إلى أزمة عامة تمس المجتمع ككل، ما يعني أنها ستترك آثارها وترسباتها لفترة طويلة من الزمن وستنعكس على سلوك الإسرائيليين وخياراتهم وردود أفعالهم السياسية والاجتماعية.

دولة في صدمة

استخدم موقع ذا ماركر الإسرائيلي تعبير "تسونامي" لوصف الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يتوجهون لعيادات الطب النفسي، وانتشار أعراض مثل اضطراب الأكل، منذ بداية الحرب على غزة.

وتحدثت صحيفة إسرائيل هيوم عن "ارتفاع في عدد الأعراض النفسية" لدى الإسرائيليين، وأن منظومة الصحة النفسية "غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المراجعين، كما أن التقديرات تفيد بأن ما بين 20% إلى 30% سيعيشون مع هذه الصدمة النفسية طوال حياتهم، وأنهم لن ينجحوا في التخلص من أعراضها".

أسباب تفشي هذه الظاهرة بهذه الأعداد الكبيرة تنبع من كون "إسرائيل دولة صغيرة"، وأن من لم تطله أجواء الحرب بشكل مباشر تجمعه صلة بمن مسته الحرب، بالإضافة الى أجواء الحداد والحزن الجماعية، وفقدان الشعور بالأمن، والعيش مع هاجس أن تهديداً ما سوف يقع في لحظة ما، مع حس بالتخلي، وفق تقرير إسرائيل هيوم الذي شدّد على أن هذا الشعور لن يزول بعد انتهاء الحرب وتوقف "دوي صافرات الإنذار وسقوط الصواريخ في قلب المدن".

هذيان وكوابيس

وتفيد تقارير منظومة الصحة النفسية في إسرائيل بأن في أعداد الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب وشعور بالصدمة والقلق ارتفاعاً كبيراً، يقابله إقبال كبير على تناول الأدوية التي تساعد على النوم والمهدئات، مع تكرار التعرض لكوابيس وأحلام تتكرر فيها مشاهد مثل الوجود في نفق مظلم وضيّق، وثقل مع اختناق، أو سيارات عسكرية مصفحة يعتليها مسلحون وملثمون وأن الشخص معرض للخطف أو أنهم في الاعتقال.

وعزا الإخصائي النفسي والمعالج في مركز الجليل للطب النفسي أودي بنشتاين ظاهرة الكوابيس المتكررة والأرق التي يعاني منها كثير من الإسرائيليين إلى أنها ناتجة عن "التغطية الكثيفة لأحداث الحرب، والصور المرعبة والمشاهد التي عاشها الإسرائيليون في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشعورهم أن هذا قد يتكرر في أي لحظة".

وأضاف لموقع إسرائيل هيوم أن "مثل هذه الأحداث تتسرب إلى الأحلام بشكل تلقائي جراء شعور هؤلاء الأشخاص (من عاش الحدث أو اطلع عليه) بالعجز وعدم القدرة على النجاة، أو بالخجل إزاء صرخات الاستغاثة التي أطلقها آلاف الإسرائيليين في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من دون أن يتمكن أحد من إنقاذهم".

وتتفاقم الأزمة النفسية وتعبيراتها المباشرة لدى سكان المناطق القريبة من القطاع (غلاف غزة)، إذ أفاد تقرير نشره موقع يديعوت أحرنوت حول بحث أُجري على 650 حالة من سكان غلاف غزة بعد شهر من الحرب بأن "السابع من أكتوبر/تشرين الأول غيّر حياة العائلات بشكل مثير للقلق وغير مسبوق، تحديداً لدى الأطفال والأمهات".

وأكد التقرير أن "60% من الأمهات يعانين من آثار صدمة عميقة تحتاج إلى علاج في عيادات مختصة، وأن 61% من الأطفال حتى سن الثامنة و30% ما فوق الثامنة يعانون من أعراض نفسية حادة جداً، وقد تتحول إلى صدمة نفسية عنيفة تؤثر في نمط حياتهم واضطرابات الأكل والأرق، وأن واحداً من كل 1500 طفل زار طبيباً نفسياً لتلقي العلاج".

صدمة حرب في أوساط الجنود

ولا تختلف الصورة كثيراً لدى الجنود والضباط في صفوف الجيش الإسرائيلي، إذ أفادت الإحصائيات حتى الشهر الثاني من الحرب بأن 9000 جندي احتاجوا إلى العلاج النفسي، من بينهم 1500 جندي احتاجوا إلى الخضوع لعلاج نفسي متواصل، وأن ربع الجنود لم يعودوا إلى القتال بسبب حالتهم النفسية، وأن الجيش خصص 838 معالجاً نفسياً لمرافقة الجنود في القتال.

وكشف موقع واللا أن أبرز الأعراض النفسية التي يعاني منها الجنود هي الاضطراب وصدمة ما بعد القتال والاكتئاب والقلق، وأعراضها تعرق وارتفاع عدد دقات القلب وضغط الدم وارتعاد في الجسد وعدم القدرة على السيطرة على الأعضاء.

ضغط ماليّ ولوجستيّ

وكشف الإقبال الكبير على العيادات ومراكز الدعم النفسي عن نقص حاد في أعداد المعالجين النفسيين، قُدر بآلاف الأطباء والمعالجين النفسيين، يقابله نقص في توفر مراكز للعلاج النفسي والعيادات الحكومية، يجري التعويض عنه بضغط على الإخصائيين الحاليين، والاضطرار إلى العمل لعشرين ساعة أحياناً، واستقطاب مئات المتطوعين، إذ تضاعف عدد طالبي العلاج 3-4 مرات (من 700 إلى 3000).

ولتدارك هذا النقص الحاد اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى زيادة بقيمة 1.4 مليار شيكل (380 مليون دولار) في موازنة العام الحالي، وإلى إقرار خطة تقضي بمضاعفة أعداد الإخصائيين النفسيين وتحسين البنية التحتية في العيادات النفسية وتطوير الخدمات المقدمة للمراجعين الذين يتوافدون "بأعداد لا نهائية".

TRT عربي