تابعنا
في بعض مناطق قطاع غزة ورغم الحرب، استمر بعض النساء بمن فيهن النازحات من شمال القطاع، في إعداد كعك العيد لـ"إحياء البهجة في قلوب الأطفال الذين فقدوا ذلك بسبب الحرب".

بعد أن مضى شهر رمضان على أهالي غزة من دون هدنة أو وقف إطلاق للنار، لم يعد للسيدة الفلسطينية غدير مراد أي أمل في أن يكون عيد الفطر مختلفاً أيضاً، حيث غابت طقوس استقبال العيد واستمرت الحرب ومأساة النزوح.

نزحت السيدة غدير وهي أم لطفلين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 من مدينة غزة إلى جنوب القطاع، وكانت تعتقد أنها ستترك منزلها لمدة شهر في أعلى تقدير، إلّا أن نزوحها هي وعائلتها مستمر إلى الآن مع دخول الحرب الإسرائيلية على القطاع الشهر السابع.

وتقول: "واجهنا صعوبات كثيرة، وأولادي أصابتهم الأمراض، جلسنا في المستشفى الأوروبي وكنا نأمل أنها فترة مؤقتة، إلّا أن رمضان انقضى ونحن ما زلنا في هذا الوضع، وها هو العيد حل دون تحضيرات أو طقوس تُذكر".

الطفلة ريماس (14 عاماً) تستذكر كيف كانت تشتري ملابس العيد والحلويات كل عام عندما يحل عيد الفطر قبل هذه الحرب (صورة: TRT عربي)

عيد من دون الأحبّة أو الطقوس

وتضيف غدير لـTRT عربي: "الحرب هذه طالت جداً، أتى علينا رمضان وكنّا نأمل أن نكون في بيوتنا لكن شاء الله لنا أن يأتي العيد أيضاً من دون عودة ومن دون طقوس، نفتقد هذه الأجواء كثيراً".

تصف السيدة الفلسطينية حزنها لغياب عادات عيد الفطر هذا العام، حيث كانت النساء في مثل هذه الأوقات ينشغلن بإعداد كعك العيد والحلوى، إضافةً إلى اصطحاب الأطفال إلى الأسواق لشراء ملابس العيد.

"ها هو العيد أتى علينا ونحن خارج بيوتنا، ونعاني الأمرّين من النزوح وفقدان الأحبة، إذ فقدتُ خلال هذه الحرب أخي وأعمامي وأولادهم ورفيقاتي"، حسبما قالت غدير، متمنيةً أن تنتهي الحرب وتعود إلى منزلها.

ولعيد الفطر طقوس خاصة عند الفلسطينيين وأهالي غزة بشكل خاص، مثل صناعة "معمول العيد"، والكعك والحلويات، وتحضير سمك "الفسيخ" الغزاوي، وهو سمك مملّح مقليّ يُحضر قبل أسبوعين أو أكثر من تناوله، ويؤكل إما في وجبة الإفطار بعد صلاة العيد وإما في وجبة الغداء.

وعادةً ما يكون يوم الوقفة (آخر يوم من شهر رمضان) مزدحماً في أسواق غزة وممتلئاً بالحركة والحيوية والنشاط، إذ تذهب السيدات والرجال إلى المحال التجارية للتبضع وشراء الحلويات، ويبقى الازدحام في الشوارع والطرقات حتى ساعات الفجر الأولى.

وفي اليوم التالي، وهو أول أيام العيد، عادةً تذهب العائلات إلى زيارات الأهل والأقارب، ويقدم الكبار "العيدية" للأطفال التي تكون أغلب الأحيان على هيئة مبلغ مالي يختلف قيمته على اختلاف أعمارهم ليستطيعوا شراء ما يحلو لهم من الحلويات، كما يمكن للكبار أن يتبادلوا "العيدية" أيضاً حسب ظروفهم الاقتصادية.

وتتنوع وجبات العيد الرئيسية في أول الأيام بين "السماقية" الغزاوية، وهي من الأكلات الشعبية التي أطلق عليها هذا الاسم لاستخدام السماق في إعدادها، و"الفسيخ" أو "فتات اللحم أو الدجاج" عند بعض العائلات، إذ تجتمع العائلات على ولائم العيد في جو أسريّ حميمي، أما اليومان الثاني والثالث من العيد فتذهب الأسر إلى النزهات والأماكن الترفيهية.

وفي بعض مناطق قطاع غزة ورغم الحرب، استمر بعض النساء بمن فيهن النازحات من شمال القطاع، في إعداد كعك العيد لـ"إحياء البهجة في قلوب الأطفال الذين فقدوا ذلك بسبب الحرب".

ومنها كانت إحدى المبادرات النسوية في مدينة دير البلح وسط القطاع، التي تهدف إلى تخفيف معاناة الأطفال وإدخال الفرحة إلى قلوبهم صبيحة أول أيام عيد الفطر الذي حل اليوم (الأربعاء).

وتقول أحلام صالح، النازحة من شمال قطاع غزة، خلال عملها في إعداد الكعك: "هدفنا من صناعة الكعك إحياء البهجة والسرور في قلوب الأطفال الذين فقدوا ذلك بسبب الحرب".

وتضيف: "نحن نسعى جاهدين لإضفاء أجواء العيد على الأطفال الذين عانوا جراء الحرب، من خلال صنع الكعك وتقديمه بحب، محاولين استعادة بعض البهجة التي اعتادوها في أعيادهم السابقة".

الطفلة ريماس (14 عاماً) تستذكر كيف كانت تشتري ملابس العيد والحلويات كل عام عندما يحل عيد الفطر قبل هذه الحرب (صورة: TRT عربي)

"عيدنا في رفح بالخيمة"

الطفلة ريماس (14 عاماً) تستذكر كيف كانت تشتري ملابس العيد والحلويات كل عام عندما يحل عيد الفطر قبل هذه الحرب.

وتقول ريماس لـTRT عربي: "كنا ننتظر العيد بفارغ الصبر، حيث الأجواء العائلية الجميلة مثل زيارة منزل جدي الذي كنا نأكل فيه الكعك، أما الآن فنحن نعيش في خيمة بسيطة متواضعة بعيدين عن الأهل، كما لا توجد ملابس أو حلويات العيد".

أبدت ريماس خلال حديثها حزنها الشديد بسبب استمرار الحرب لأكثر من ستة أشهر، "سيكون عيدنا الحقيقي عند وقف إطلاق النار الكامل والعودة إلى بيوتنا"، حسب تعبيرها.

وتختتم الطفلة حديثها بالقول: "بيوتنا انقصفت، ولو عدنا ستكون مدمرة، كل ملابسنا وذكرياتنا في هذه المنازل، ونحن الآن في رفح وعيدنا سيكون في الخيمة من دون عائلتي".

بدورها تُعرب الطفلة ديالا (10 سنوات) عن استيائها بسبب عدم وجود أي أجواء مُفرحة للعيد التي اعتادت فيه شراء الحلويات وزيارتها منزل عماتها وخالاتها، "الآن لا يوجد معنا فلوس ولا مصروف ولا أحد سيعطينا العيدية، والأكل نجلبه من التكية، حياتنا مدمَّرة"، حسبما تصفه بكلماتها لـTRT عربي.

تعيش الطفلة مع عائلتها في رفح حيث لا يستطيعون ممارسة حياتهم اليومية بسهولة مثل استخدام المرافق العامة، ويضطرون للذهاب يومياً إلى الجامع أو "المستشفى الكويتي" لاستخدام الحمام.

تتمنى ديالا أن تعود إلى حياتها الطبيعية مثل التي كانت قبل الحرب، وأن تستطيع الحصول على ملابس العيد وعلى "العيدية"، حيث بقي والدها وأخوها شمال قطاع غزة ولم ينزحوا معهم جنوباً.

وحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" المنشورة في فبراير/شباط الماضي، فإنه ما لا يقل عن 17 ألف طفل في قطاع غزة غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم، و"لكل واحد قصة مفجعة من الفقدان والحزن"، وفق توصيف المنظمة.

ومع دخول الحرب يومها 187، وصلت حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 33 ألفاً و360 شهيداً و75 ألفاً و993 مصاباً منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة الثلاثاء، 9 أبريل/نيسان.

TRT عربي
الأكثر تداولاً