تابعنا
يحكم شكل العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح عدة محددات عدة، أولها: الأمريكي الذي يعد محدداً مركزياً وأساسياً، والمحدد المرتبط بالكثافة السكانية، بالإضافة إلى المحدد المرتبط بالحدود المصرية والعلاقة مع مصر،

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الثلاثاء 7 مايو/أيار سيطرة وحدات من قواته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري بعد ساعات من إعلان حركة حماس الموافقة على الورقة المصرية-القطرية لوقف إطلاق النار.

ومساء الاثنين 6 مايو/أيار أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان له، أن المجلس الوزاري المصغر لشؤون الحرب أوعز إلى الجيش الإسرائيلي بالعمل في رفح، مشيراً إلى أن العملية في رفح تخدم هدفين رئيسيين للحرب، هما إعادة مختطفين والقضاء على حماس.

وأضاف بيان مكتب نتنياهو أن مجلس الحرب الإسرائيلي قرر أن ورقة حركة حماس "بعيدة للغاية عن المطالب الإسرائيلية الضرورية".

وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي في اليوم ذاته إخلاء المناطق الشرقية لمحافظة رفح من سكانها وطلب منهم التوجه إلى المناطق "الآمنة" التي أعلن جيش الاحتلال توسيعها لتمتد من منتصف حي السلطان جنوب رفح إلى مدينة دير البلح شمالاً، على أن تشمل شرق شارع صلاح الدين وسط محافظة خان يونس.

تلا الإعلان الإسرائيلي قصف مدفعي وجوي على المناطق الشرقية من المحافظة التي بدأ سكانها بالنزوح غرباً وشمالاً.

وفي أكثر من مناسبة هدّد رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي باجتياح مدينة رفح، فيما حذرت الولايات المتحدة من أي عملية واسعة لا تراعي تكدس المدنيين والنازحين الذين تجاوز عددهم مليون نازح، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

في ظل أوامر الإخلاء التي وجهتها إسرائيل إلى المناطق الشرقية من رفح، وتوسيع "المنطقة الآمنة" المخصصة للمدنيين، تثار تساؤلات حول ما يخطط له جيش الاحتلال في محافظة رفح، فهل ستكون عملية موسعة أم محدودة؟

مناطق الإخلاء

شملت طلبات الإخلاء التي وزعها جيش الاحتلال الإسرائيلي 9 بلوكات (حسب تقسيم إسرائيل) غطت منطقة الشوكة وأحياء السلام والجنينة وتبة زراع والبيوك، وتكدس في هذه المناطق عشرات الآلاف من السكان والنازحين القادمين من مناطق مختلفة من قطاع غزة ما ضاعف عدد سكانها وصعب أي عملية إخلاء سريع لها.

وبالنظر إلى الخرائط التي نشرها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، يظهر أن المناطق التي يُراد إخلاؤها تضم إلى جوار الأحياء السكنية معبرَي رفح البرّي وكرم أبو سالم.

ويدار معبر رفح من الطرفين الفلسطيني والمصري وتمرّ من خلاله المساعدات الإنسانية القادمة من جمهورية مصر، وهو المنفذ البري الوحيد المفتوح لحركة الأفراد ما بين القطاع والعالم.

وتسيطر إسرائيل على معبر كرم أبو سالم وتمرّ من خلاله المساعدات الإنسانية، وبعد شنّها حربها على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أغلقته سلطات الاحتلال ولم تفتحه إلا بعد ضغط أمريكي في ديسمبر/كانون الأول 2023.

وتضم المنطقة كذلك مستشفى أبو يوسف النجار، أحد المستشفيات القليلة التي بقيت سليمة دون تدمير في قطاع غزة، وإلى جوار المستشفى الكويتي يخدم كلاهما أكثر من مليون ونصف مليون إنسان.

ويشير الباحث السياسي محمد الأخرس إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي لديه قرار استراتيجي لاستكمال حربه على قطاع غزة (...) ويعتبر جيش الاحتلال أن هذه المنطقة فيها ثلاث كتائب من أصل أربع كتائب متواجدة للقسام في رفح".

ووفقاً لمعهد دراسة الحرب (ISW) فإن هذه المنطقة تتبع لواء رفح وهو أحد الالوية الخمسة التي تتكون منها كتائب القسام، ويضم لواء رفح أربع كتائب ثلاث منها مناطقية وأخرى من قوات النخبة التي لعبت دوراً هاماً في الهجوم على المواقع الإسرائيلية العسكرية شرق رفح خلال عملية طوفان الأقصى.

محدودة أم موسعة؟

صرّح البيت الأبيض في 7 مايو/أيار على لسان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيربي، بأن إسرائيل أبلغتهم بأن العملية العسكرية في رفح ستكون محدودة، وستهدف إلى تعطيل قدرة حركة حماس على نقل "الأسلحة والأموال إلى غزة".

وفي أكثر من مناسبة أظهرت الولايات المتحدة معارضتها لأي تحرك إسرائيلي عسكري واسع في رفح، فيما لم تظهر واشنطن موقفها من التحرك بشكل محدود.

وعند الحديث عن التحرك المحدود والموسع، عادة تجري المقارنة مع نمط عمليات إسرائيل السابق في قطاع غزة، الذي شهد حشد عدد كبير من الألوية العسكرية وتكثيف للقصف الجوي والمدفعي مع عدد هائل من الضحايا في صفوف المدنيين.

ويرى محمد الأخرس في حديثه مع TRT عربي أن شكل العملية العسكرية الإسرائيلي في رفح تحكمه محددات عدة، أولها "الأمريكي الذي يعد محدداً مركزياً وأساسياً، والمحدد المرتبط بالكثافة السكانية، بالإضافة إلى المحدد المرتبط بالحدود المصرية والعلاقة مع مصر، وأخيراً المحدد الجغرافي المرتبط بضيق المساحة في رفح.

ويوضح الكاتب والباحث أن هذه "كلها عوامل تدفع إلى أن تكون العملية في رفح مختلفة من الناحية العسكرية عن العمليات الأخرى خصوصاً عملية خان يونس".

ويتفق الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور مع ذلك، ويقول إن "شكل العملية لن يكون شبيهاً بالعمليات السابقة في خان يونس وغزة وبقية المدن، أي لن يكون قصفاً عشوائياً ومكثفاً ودخولاً برياً واسعاً، إنما سيكون دخولاً متدرجاً ومركزاً أكثر، يعطي فترة أكبر لخروج السكان وإجلائهم ونقلهم إلى المناطق التي خصصتها".

ويضيف منصور لـTRT عربي أن الوضع الدولي غير مواتٍ للعمليات الواسعة، فإسرائيل ستعمل على "ألّا تثير العالم بمشاهد فظيعة ودمار كبير كما حدث في مدن سابقة".

تعليق الأسلحة الأمريكية والعملية محدودة

أعلن مسؤولون في الإدارة الأمريكية مؤخراً وقف شحنة من الأسلحة كانت متجهة إلى إسرائيل، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول كبير في الإدارة الامريكية أنه لا ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تشن عملية برية كبيرة في رفح.

وأضاف المسؤول أن الإدارة الأمريكية تركز "بشكل خاص على الاستخدام النهائي للقنابل التي تزن 2000 رطل والأثر الذي يمكن أن تحدثه في المناطق الحضرية المزدحمة كما رأينا في أجزاء أخرى من غزة".

وأشارت الصحيفة إلى الشحنة التي وُقفت، إذ تضمنت "1800 قنبلة زنة 2000 رطل و1700 قنبلة زنة 500 رطل"، مبينةً أن أثر هذا القرار سيكون سريعاً في إسرائيل التي تستخدم هذا النوع من الذخائر بشكل كبير.

وكشف مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن الإدارة تراجع شحنة أخرى تخطط لنقلها إلى إسرائيل في المستقبل وتضم ما يقرب من 6500 قذيفة ذكية التوجيه (JDAM).

بالإضافة إلى طابعها العقابي، تشكل الخطوة الأمريكية محدداً لسلوك إسرائيل في التعامل مع اجتياح رفح، فإسرائيل التي تتجهز لأي تفجّر بالأوضاع في الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني بحاجة إلى هذا النوع من الذخائر، والأهم إلى الغطاء الأمريكي على مستوى توريد الذخائر أو الغطاء السياسي.

ويرى الباحث والمحلل عصمت منصور أن الموقف الأمريكي ما زال ضعيفاً ولا يظهر أي ضغط حقيقي على إسرائيل، إذ إن "بايدن أضعف من أن يقف في وجه نتنياهو والدخول في صدام معه، ونتنياهو الذي يعرف الساحة الأمريكية جيداً يشم الضعف الذي يعاني منه الرئيس الأمريكي ويبتزه".

بينما يقول محمد الأخرس إن "استعجال نتنياهو بالذهاب إلى العملية بهذا الشكل هو تمرّد على الخط الأمريكي، وسيكون له انعكاسات على الطرفين، وقد يكون من المبكر البحث فيها إنْ كانت استراتيجية أو تكتيكية، لكنها تدل على أزمة بين الطرفين".

ويضيف الباحث والكاتب الفلسطيني أن الضغط على المفاوض الفلسطيني في القاهرة يشكل أحد أهم الأهداف الإسرائيلية للتحرك في رفح.

مفاوضات تحت النيران

بالتوازي مع إعلان الحكومة الإسرائيلية بدء العمليات العسكرية شرق محافظة رفح، أرسلت وفداً "فنياً" إلى العاصمة المصرية القاهرة لاستكمال مباحثات وقف إطلاق النار مع حركة حماس التي بدورها أرسلت وفدها المفاوض إلى القاهرة.

الحكومة الإسرائيلية التي رفضت القبول بوقف إطلاق النار بعد ان أعلنت حركة حماس الموافقة عليه، تسعى لأن تجري عملية التفاوض تحت واقع جديد يكون فيه جيش الاحتلال في محافظة رفح وعلى الحدود المصرية-الفلسطينية، وتسيطر فيه على المعبر الوحيد الذي يتحكم فيه الفلسطينيون بعيداً عنها.

ومن غير المستبعد أن تحاول إسرائيل فرض وقائع جديدة على عملية التفاوض مع المقاومة الفلسطينية في القاهرة، بعد أن كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن بحث تل أبيب خيار أن تتولى شركة أمريكية أمنية خاصة إدارة معبر رفح. لكن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية نفيا علمهما بهذا الأمر أو بأي اتفاق يتصل بمعبر رفح.

وسبق أن فشلت إسرائيل في إيجاد هيئات محلية عشائرية في قطاع غزة للتعاون معها في إدارة ملف المساعدات الإنسانية بعد أن قدّم وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت خطة للتعاون مع العائلات والعشائر الفلسطينية بهذا الصدد.

ومن الممكن أن تكون التسريبات الإسرائيلية في إطار الضغط على عملية المفاوضات في القاهرة التي تشكل العملية العسكرية الحالية إحدى أدوات إسرائيل في التأثير عليها.

وهذا ما يشير إليه المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل أن أفضل خيارات إسرائيل أن يؤدي الضغط العسكري الذي تشكله عملية رفح إلى "تسهيل صفقة الرهائن"، لكنه يحذر من أن العملية المحدودة قد تتحول إلى عملية احتلال كامل لرفح وبالتالي "منع التوصل إلى اتفاق".

TRT عربي
الأكثر تداولاً