كيف أعادت احتجاجات "التقاعد" عنف الشرطة الفرنسية إلى الواجهة؟ / صورة: AP (Francois Mori/AP)
تابعنا

عادت فرنسا، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، لتشهد أجواء مشابهة لتلك التي عاشتها عام 2019، عقب انفجار انتفاضة السترات الصفراء، وما صاحبها من مشاهد تعنيف الشرطة للمحتجين، والذي تسبب في إصابات دموية في صفوفهم وعاهات مستديمة، بل وبلغ درجة القتل مثل قضية السيدة الجزائرية رضوان.

وهو ما يتكرر اليوم خلال الاحتجاجات المناهضة لـ"إصلاح نظام التقاعد"، إذ تتبنى الحكومة الفرنسية المقاربة الأمنية كأداة لإسكات الغضب الشعبي وفرض مشروع إصلاحها بالقوة. وهو ما استنكره عدد من المنظمات الحقوقية، كما استنجد عدد من النواب البرلمانيين بالاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد حل لهذه الأوضاع.

عنف دموي مفرط

مقابل التصعيد الاحتجاجي الذي تقوده النقابات والهيئات السياسية المعارضة الفرنسية في الشارع، تصعد حكومة ماكرون من قمعها البوليسي لهذه التحركات النضالية. وهو ما برز خلال التظاهرات الأخيرة التي لحقت قرار الحكومة تمرير "إصلاح التقاعد" دون إخضاعه لتصويت البرلمان.

وشهدت مظاهرة يوم الثلاثاء، 28 مارس/آذار، استخداماً واسعاً للعنف ضد المحتجين. ووثقت عدة مقاطع فيديو قمع الشرطة الفرنسية، منها مقطع لهجوم على متظاهر أعزل بالضرب حتى أفقدوه وعيه، وجرى إرساله في حالة خطيرة إلى المستشفى.

وخلّف العنف الذي تعاملت به الشرطة الفرنسية خلال مظاهرات الخميس، 23 مارس/آذار، إصابات خطيرة في صفوف المحتجين، منها ما أدى إلى عاهات مستديمة. وفي مدينة روان تعرضت متظاهرة لبتر أحد أصابع يدها، بعد أن أصيبت بشظية قنبلة صوت. كما تعرض محتج في مدينة رين إلى إصابات بالغة على مستوى الأنف والفم، بعد أن ضربه شرطي بالعصا على وجهه.

وفي مظاهرات يوم السبت، 18 مارس/آذار، جرى توثيق تعنيف عشرة رجال الشرطة لامرأة وحيدة قرب ساحة إيطاليا بالعاصمة باريس، وانتهى بهم الأمر إلى ضرب رأسها بزجاج واجهة أحد الحانات التي جرت أمامها الأحداث. وخلال مظاهرات يوم الاثنين، 20 مارس/آذار، أظهرت مقاطع فيديو عصي الشرطة وهي تعنف محتجين مسالمين لم يُبدوا أي مقاومة لأوامر الإخلاء.

ضحيتا سانت سولين

وفي قضية أخرى، شهدت بلدة سانت سولين الواقعة في وسط غرب فرنسا، يوم السبت، مواجهات عنيفة بين رجال الشرطة والمحتجين الرافضين لمشروع إقامة خزانات مياه ضخمة للري، والذي سيعود بمضار بيئية خطيرة ويجرد الفلاحين الصغار بالمنطقة من أراضيهم.

ونشرت السلطات الفرنسية حوالي 3200 عنصر من الدرك والشرطة لتطويق هذه التظاهرة المحظورة ضد مشروع "أحواض". وتحرك المتظاهرون، الذين قدر عددهم بـ6 آلاف ناشط، نحو موقع البناء من أجل الاعتصام فيه وإيقاف العمل به، اندلعت صدامات بين نشطاء وقوات الأمن.

ووفق ما أوردت وكالة "فرانس بريس"، على مدى ساعة تحول محيط المشروع إلى ساحة حرب مع سماع العديد من الانفجارات، فيما بقي المتظاهرون بغالبيتهم سلميين وراقبوا الصدامات من بعد.

وأدت هذه الصدامات إلى سقوط عدد كبير من الضحايا من المدنيين، وأبرزهم المتظاهران سيرج وميكاييل، اللذان تلقيا قنبلتي صوت انفجرتا مباشرة على رأسيهما، ما جعلهما في حالة صحية خطيرة "بين الحياة والموت" حسب ما ذكرت مصادر إعلامية فرنسية.

وجرى استهداف الناشطين بقنابل "GM2L" المحرمة دولياً، والتي تسببت عام 2011 في مقتل الناشط البيئي ريمي فريس. وبالإضافة إلى هذا، كشفت المحادثات التي أجرتها الشرطة على جهاز الراديو وقت الإصابة، أنهم منعوا المسعفين من التدخل لإنقاذ الناشطين.

هذا وأعلنت عائلة أحد الناشطين المصابين رفع قضية جنائية ضد الشرطة الفرنسية، تتهمها بالشروع في قتل ابنها.

"أوقفوا وحشية الشرطة في فرنسا!"

أعادت كل هذه الأوضاع التي تشهدها فرنسا مؤخراً، ملف عنف الشرطة إلى الواجهة من جديد. هذا وجرى الدعوة إلى مظاهرات واسعة أمام مفوضيات الشرطة الفرنسية، يوم الخميس، احتجاجاً على هذا العنف الجاري. وعلى الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي، تجمهر بضع مئات من المحتجين أمام مفوضية الشرطة بباريس، مطالبين باستقالة وزير الداخلية جيرالد دارمانان.

وفي السياق ذاته، أدانت فعاليات حقوقية دولية هذا العنف الممارس ضد المحتجين في فرنسا. وقالت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دنيا مياتوفيتش: "أعمال العنف المتفرقة لبعض المتظاهرين أو أفعال أخرى مدانة ارتكبها آخرون خلال تظاهرة، لا تبرر الاستخدام المفرط للقوة من عناصر تابعين للدولة. هذه الأعمال لا تكفي كذلك لحرمان متظاهرين سلميين التمتع بحرية التجمع".

ومن جانبه قال رئيس رابطة حقوق الإنسان باتريك بودوان: "الانجراف الاستبدادي للدولة الفرنسية وإضفاء طابع عنف على العلاقات من الشرطة وأعمال العنف على أنواعها والإفلات من العقاب تشكل كلها فضيحة مدوية".

هذا وطالب نواب يساريون في البرلمان الأوروبي، الخميس، بوقف عنف الشرطة الفرنسية ضد المحتجين. وحسب ما ذكر مراسل الأناضول، فإن النواب تظاهروا أمام مبنى البرلمان في بروكسل، حاملين لافتات كُتب عليها "أوقفوا وحشية الشرطة في فرنسا"، متهمين باريس بالتعامل بوحشية مع المتظاهرين.

TRT عربي