ماذا وراء قرار إنشاء قوة عسكرية إقليمية لدول غرب إفريقيا؟ / صورة: AFP (Boureima Hama/AFP)
تابعنا

خلال قمتهم المنعقدة في أبوجا النيجرية يوم الأحد، قرّر قادة مجموعة دول غرب إفريقيا "إيكواس" تشكيل قوة عسكرية مشتركة، من أجل مواجهة خطر الجماعات المسلحة، ومكافحة موجة الانقلابات التي هزّت ثلاث دول من المجموعة خلال العامين الأخيرين.

يأتي القرار بعد أسابيع قليلة من إعلان فرنسا تغيير استراتيجيتها في الساحل، التي تروم تقليل وجودها العسكري هناك إلى حده الأدنى، مقابل دعم قوات الحكومات الحليفة لها مباشرة، نظراً إلى السخط الشعبي الذي يلقاه ذلك الوجود العسكري في دول عديدة من المنطقة.

فيما يطرح التقارب الزمني بين هذين القرارين أسئلة عديدة، أهمها حول إمكانية وجود رابط بينهما، وما إذا كانت هذه القوة الجديدة التي أعلنت عنها المجموعة الإقليمية، تأتي تنفيذاً للاستراتيجية الفرنسية الجديدة، التي تحاول من خلالها باريس حماية ما تبقى من مصالحها في المنطقة.

قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب والانقلابات

بغرض "إعادة ضبط بنيتهم الأمنية"، على حدّ تعبير رئيس مجموعة "إيكواس" عمر توراي في تصريحاته لوكالة الصحافة الفرنسية، يأتي قرار المجموعة إنشاء قوة عسكرية مشتركة لمكافحة توسع خطر الجماعات الإرهابية في أراضيها، ومكافحة الانقلابات العسكرية التي تهزّ عدة بلدان منها في السنتين الأخيرتين.

وأوضح رئيس المجموعة أن هذا القرار يتعلق بتولي "أمننا الخاصّ وليس فقط الاستعانة بأطراف خارجية"، وأن الدول الأعضاء "مصممون على إنشاء قوة إقليمية تتدخل عند الضرورة سواء مسألة أمن أو إرهاب أو إعادة النظام الدستوري في الدول الأعضاء". مضيفاً أن مسؤولين عسكريين من المنطقة سيجتمعون في النصف الثاني من يناير/ كانون الثاني لمناقشة آليات تشكيل هذه القوة الإقليمية.

ولم يفصح المسؤول الإفريقي عن مصدر التمويلات المحتملة لإنشاء هذه القوة، وفي المقابل أشار إلى أنها لن تعتمد على التمويلات التطوعية، التي أبانت في نظره عجزها الاستجابة للأهداف المرجوة منها.

ويُعَدّ انعدام الأمن عاملاً أساسياً في الانقلابات العسكرية التي هزّت المنطقة منذ عام 2020، في مالي وبوركينا ولأسباب أخرى في غينيا. فيما تشكّل هذه الانقلابات قلقاً جدّياً لمجموعة "إيكواس"، التي تبنّت نهجاً عقابيّاً ضدّ الحكومات العسكرية التي استولت على السلطة في البلدان الثلاثة.

هذا ما يوضحه حضور ملفّ الجنود الإيفواريين الـ46 الرهائن لدى السلطات العسكرية الحاكمة في مالي، على رأس جدول أعمال القمة، التي طالبت بإطلاق سراح أولئك الجنود، ممهلة باماكو حتى بداية يناير المقبل، وإلا فستطبق ضدها عقوبات "قاسية جداً"، وفق أحد الدبلوماسيين للوكالة الفرنسية.

استراتيجية عسكرية فرنسية جديدة؟

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تحوُّل استراتيجية بلاده العسكرية الجديدة في الساحل، حيث لا تزال فرنسا تنشر نحو 3000 جندي، بعد أن كان عددهم يبلغ 5500 جندي، بداية بإعلانه إنهاء عملية "برخان"، التي تحارب هناك الجماعات الإرهابية منذ عام 2013.

وقال ماكرون خلال خطابه: "سنطلق في الأيام المقبلة مرحلة مشاورات مع شركائنا الإفريقيين وحلفائنا والمنظمات الإقليمية من أجل أن نطوّر معاً وضع وشكل ومهمات القواعد العسكرية الفرنسية الحالية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا (...)، هذه الاستراتيجية التي ستكون جاهزة خلال ستة أشهر".

ومن خطوط هذه الاستراتيجية مواصلة فرنسا وجودها العسكري في الساحل، لكن اشتراطه برغبة الدول الحليفة له هناك. وفي هذا أوضح: "سيتواصل دعمنا العسكري للدول الإفريقية في المنطقة، لكن وفق الأسس الجديدة التي حدّدناها مع هذه الدول (...)، وسيتكيّف دعمنا مع مستوى كل دولة حسب الحاجات التي سيعبّر عنها شركاؤنا".

وبعدها بعشرة أيام، خرج وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، في حديثه إلى أسبوعية "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية، مؤكداً أن "من الواضح أن مراجعة استراتيجيتنا العامة في إفريقيا تطرح أسئلة حول جميع مكونات وجودنا، بما في ذلك القوات الخاصة".

وفي هذا الصدد أوضح وزير الجيوش الفرنسي أن بلاده تعمل حالياً على "تنظيم شكل القواعد العسكرية الحالية التي ينبغي أن تحتفظ بقدرات معينة لحماية مواطنينا على سبيل المثال، ولكن أيضاً للتوجه بقدر أكبر نحو تدريب الجيوش المحلية"، في حين أن ذلك الوجود "لم يعُد يتعلق بمكافحة الإرهاب عوضاً عن شركائنا، بل بتنفيذ ذلك معهم، إلى جانبهم".

ماذا وراء قرار "إيكواس"؟

وإن كان العداء المتنامي للوجود العسكري الفرنسي في الساحل، مُضافاً إلى فشل باريس في مكافحة التهديد الأمني للجماعات المسلحة في المنطقة، من أهمّ الدوافع الرئيسية لتغيير فرنسا استراتيجيتها العسكرية هناك، فإن قرار مجموعة "إيكواس" الأخير يدخل ضمن هذه التطورات الحاصلة.

هذا ما يكشف عنه إسماعيل محمد طاهر، الأستاذ الجامعي من تشاد الباحث في الشؤون الإفريقية، في حديثه لـTRT عربي، قائلاً: "القرار الأخير الذي اتخذته مجموعة إيكواس هو رد فعل طبيعي للتطورات الحاصلة، وعلى رأسها انسحاب القوات الفرنسية من مالي وإعلانها إنهاء عملية بارخان، بعد أن وضعت فرنسا في وضع محرج نظراً إلى تكلفة العملية المرتفعة وفشلها في تحقيق أهدافها (...)، بالتالي فانسحاب فرنسا من هناك يترتب عليه أن يشكل إيكواس تلقائياً تلك القوة العسكرية".

ويضيف الأستاذ الجامعي موضحاً: "مثل هذه القرارات ليس بجديد على القارة الإفريقية، ومثل هذه الكيانات كُوّنَت شفهياً كثيراً، لكن على أرض الواقع دائماً ما نجد أن صداها لا يكون قوياً، بخاصة أن غرب إفريقيا منطقة فيها كثير من التجاذبات السياسية. ومسألة النفقات العسكرية التي ستكون عائقاً أيضاً أمام هذا القرار، وتنسيق والانسجام بين الأطراف المشاركة في القوة".

يختم الباحث التشادي حديثه قائلاً: "يترتب على تطبيق هذا القرار أمران اثنان: الأول متعلق بمدى قابلية هذا القرار للتنفيذ ومدى فاعليته في تحقيق مهامه في ظل التجاذبات بين القوى العظمى في تلك المنطقة، من بينها فرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة، وتبعية الدول لتلك القوى. وثانياً مدى قدرة هذه القوة الجديدة على التعامل مع القوات الفرنسية في المنطقة، وفقاً لما أعلنته باريس مؤخراً من استراتيجية عسكرية جديدة لها هناك، وعلاقة ذلك القرار بالمتغيرات الجارية في شرق أوروبا".

TRT عربي
الأكثر تداولاً