تابعنا
يقول محللون وزعماء دينيون إن المواقع الدينية المسيحية والإسلامية تتعرض للتدنيس منذ أكثر من 50 عاماً في الضفة الغربية المحتلة.

يقول محللون وزعماء دينيون إن المواقع الدينية المسيحية والإسلامية تتعرض للتدنيس منذ أكثر من 50 عاماً في الضفة الغربية المحتلة، وستستمر مثل هذه الأعمال، بعد أن جرى رصد شابين يهوديين عبرا الكاميرا وهما يخربان مقابر مسيحية بالقرب من جبل صهيون في القدس الشرقية المحتلة.

وشوهد الجانيين، وهما يرتديان الكيباه والتليت كاتان ويطيحان بالصلبان ويحطمون أكثر من ثلاثين شاهد قبر، كثير منها يعتبر تاريخياً.

من بين شواهد القبور التي تعرضت للتخريب، واحدة تحتوي على تمثال نصفي لـ "القس الأيمن صموئيل جوبات"، الأسقف البروتستانتي الثاني في القدس، ومؤسس كلية القدس الجامعية، والمعروفة رسمياً باسم مدرسة جوبات، حسب ما ذكرت أبرشية القدس الأسقفية في تصريح لها.

في هذا السياق، قالت ريهام عودة، المحللة السياسية والكاتبة الفلسطينية المقيمة في غزة، لـTRT World: "إنها سياسة منهجية أثارها الإسرائيليون المتطرفون ضد الإسلام والمسيحية على حد سواء".

أكد الأب دونالد بيندر على كلام عودة، حيث أدان أيضاً التخريب في مقبرة البروتستانت، وأضاف أن "الجناة كانوا مدفوعين بالتعصب الديني وكراهية المسيحيين".

وقال بيندر في بيان "هذا ليس الهجوم الأول من نوعه على هذه المقبرة، فمن الواضح أنه جزء من نمط منهجي للهجمات ضد المواقع المقدسة المسيحية والمقابر في جبل صهيون".

ودعا القس السلطات الإسرائيلية إلى ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة وإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم إلى أقصى حد يسمح به القانون، بما في ذلك جرائم الكراهية.

وقالت الشرطة الإسرائيلية إن محققين من منطقة ديفيد في البلدة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة أرسِلوا إلى مكان الحادث لجمع الأدلة. وحسب إفادتهم، فقد نجح المحققون في التعرف على المشتبه بهم الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 18 عاماً، مؤكدين أنه جرى استدعاء الشبان للاستجواب.

عامل في الكنيسة، يتفقد شاهد قبر تعرض للتخريب في مقبرة جبل صهيون البروتستانتية في القدس على يد متطرفين إسرائيليين، 4 كانون الثاني (يناير) 2023 (Reuters)

وقالت عودة "طالما لم يكن هناك إجراء لوقف هؤلاء المجرمين، فإننا نتوقع المزيد من هذه المحاولات، بخاصة بعد أداء الحكومة الإسرائيلية الجديدة اليمين قبل أسبوعين".

وحسب المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله، فإن هذه الاعتداءات ستستمر لعدة أسباب. وأضاف "أولاً، يشعر المتطرفون الإسرائيليون الآن بأنهم أقوى نفسياً من أي وقت مضى، بخاصة بعد انتخاب الحكومة الأكثر تديناً وتشدداً في إسرائيل،" وأكد في حديثه مع TRTWorld "إنهم يشعرون بالحماية النسبية في ظل النظام السياسي الإسرائيلي".

وأشار عطا الله إلى أن هناك أيضاً رغبة سياسية في إسرائيل للسيطرة على القدس ومحو أي سمات غير يهودية في محاولة لتأكيد استيلاء اليهود على المدينة.

في هذا الصدد أيضاً أشارت هانا بندكوفسكي، مديرة البرامج في مركز روسينغ للتعليم والحوار في القدس الغربية، إلى أن الهجمات لا تحمل أي دافع سياسي وتمثل "تطرفاً عدوانياً" لأقلية في المجتمع اليهودي.

قالت بندكوفسكي لـTRT World: "هذه الأعمال مرتبطة "بالتوترات والعداء بين المسيحيين واليهود عبر التاريخ".

في الوقت الذي لا تعتقد فيه أن لهذه العمليات التخريبية علاقة بالوضع الإسرائيلي الفلسطيني، أشارت بندكوفسكي إلى أن جو العنف المتزايد في إسرائيل دفع البعض إلى التعبير عن أنفسهم بشكل أكثر عدوانية.

"مكان مقدس للجميع"

قال روني شاكيد، المحلل السياسي الإسرائيلي، إنه "يخجل" كإسرائيلي ويهودي من التخريب في جبل صهيون.

قال شاكيد لـ TRT World ذهبت إلى المقبرة قبل ثلاثة أسابيع لزيارة قبر أوسكار شندلر. إنه شخص مهم للغاية، وقد أنقذ مع زوجته حياة العديد من اليهود خلال الهولوكوست"، في إشارة إلى الرجل الذي خلد في قائمة شندلر المتعددة الحائزة على جائزة الأوسكار لستيفن سبيلبرغ. يزور العديد من اليهود جبل صهيون، الذي وصفه شاكيد بأنه "مكان مقدس للجميع".

جبل صهيون مقدس عند المسيحيين والمسلمين على حد سواء، وكذلك الشعب اليهودي، الذي يعتقد أنه موطن قبر الملك داود. كان الموقع، الذي يعتقد المسيحيون أن العشاء الأخير للمسيح حصل فيه، مقدساً أيضًا للمسلمين منذ أن حولوه إلى مسجد لتكريم داود، الذي يعتبرونه نبياً.

أنشِئت مقبرة جبل صهيون في منتصف القرن التاسع عشر بعد بروز مجموعة صغيرة من المسيحيين المنتمين إلى الكنائس البروتستانتية في أوروبا الغربية.

كان الأسقف الأول مايكل ألكسندر، الذي عينته بروسيا وإنجلترا بشكل مشترك عام 1841، متحولاً من اليهودية. وعلى الرغم من فتح المقبرة رسمياً بعد بضع سنوات فقط من وفاته، جرى نقل جثته إلى جبل صهيون من مصر، حيث توفي عام 1845 ليدفن في المدينة.

وكان تمثال نصفي للأسقف جوبات، خليفة الإسكندر، على قبره من بين تلك الآثار التي جرى تخريبها. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت المقبرة المثوى الأخير للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي قُتلت برصاص جنود إسرائيليين في مايو/أيار الماضي.

قال القس أشرف طنوس، راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية الإصلاحية في بيت جالا، لـTRT World إن القبور المخربة في المقبرة شاهد على تاريخ الكنائس البروتستانتية في الأرض المقدسة.

قال طنوس: "إن العديد من المدفونين الذين دمر هؤلاء المستوطنون المجرمون شواهد قبورهم هي رموز لنا كمسيحيين"، مثل قبر الأخت نجلاء الصايغ، وهي راهبة فلسطينية كانت مديرة مدرسة شهيرة في المدينة. وأضاف "تشكل حوادث التخريب هذه ضد المقابر المسيحية سلسلة ممنهجة من الهجمات التي بدأت منذ زمن بعيد، ربما منذ قيام دولة إسرائيل، وأعتقد أنها لن تتوقف أبداً، لكنها تحدث على مراحل، تمامًا مثل اعتداءات مماثلة على مقابر المسلمين".

منظر جوي يظهر شواهد قبور مخربة في مقبرة جبل صهيون البروتستانتية حيث وقعت أعمال تخريب في القدس على يد ، 4 كانون الثاني (يناير) 2023 (Reuters)

يذكر أن السلطات الإسرائيلية دنست المقابر الإسلامية في القدس من خلال استخراج الجثث والحفر ومشاريع البناء.

في سبتمبر/أيلول 2021، بدأت القوات الإسرائيلية عمليات الهدم في مقبرة اليوسفية في القدس الشرقية المحتلة، بعد قرار من السلطات ببناء حديقة ذات طابع توراتي فوق المقبرة التاريخية التي تعود إلى عهد الأسرة الأيوبية.

التطرف اليميني

ما يثير قلق طنوس وغيره من المسيحيين هو أن بيان الشرطة الإسرائيلية أكد أن أحد الجناة كان قاصراً، الأمر الذي قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات متساهلة ضدهم.

قال طنوس: "آمل أن ينال المجرمون، كما يستحقون أن يطلق عليهم، العقوبة التي يستحقونها وأن لا تبرر الشرطة أفعالهم وتعتبرهم مجرد أفعال طفولية أو مجنونة كما فعلوا عادة في مواقف مماثلة".

وأضاف "على الشرطة الإسرائيلية اتخاذ خطوات جادة لتقديم المخربين إلى العدالة".

توقيت التخريب مهم أيضاً، لأنه حدث بعد أن أدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمين.

قال عودة في هذا الصدد "نتوقع المزيد من مثل هذه المحاولات طالما لا يوجد رادع لوقف هؤلاء المجرمين، بخاصة أن بنيامين نتنياهو يقود الآن أكثر الحكومات يمينيةً في إسرائيل منذ إنشائها".

من بين هؤلاء الشخصيات في الحكومة الجديدة والتي تثير الاستقطاب إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المعين حديثاً الذي غرد مؤخراً، "لقد حان الوقت لأن نكون مُلّاك الأرض في بلدنا!"

في وقت سابق، اقتحم بن غفير، زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف، المسجد الأقصى في 3 يناير/كانون الثاني في خطوة وصفها الفلسطينيون بـ"الاستفزاز المتعمد"، وهو الإجراء الذي يمثل أول عمل رمزي للحكومة الجديدة بشأن ثالث أقدس المواقع الدينية في الإسلام.

ختمت عودة كلامها لـTRTWorld: "طالما أن شركاءه برئاسة إيتمار بن غفير يشجعون علناً خطاب الكراهية ضد غير اليهود، فإن اليهود الأرثوذكس المتطرفين سيتشجعون على مهاجمة الرموز غير اليهودية بشكل واضح".



TRT عربي