تابعنا
ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن مؤسسة المدافع عن الحقوق (رسمية)، انتقدت بشدة مشروع القانون بأكمله، إذ إنّ التغييرات المخطط لها في نظام الهجرة تُجرى "على حساب حماية الحقوق الأساسية للأجانب".

بعد تأجيله مراراً وانتقاده من طرف أحزاب اليسار واليمين واعتراض الجمعيات الحقوقيّة على مواده، استأنف مشروع قانون الهجرة الفرنسي رحلته ووصل إلى مجلس الشيوخ حيث اقترح الأعضاء موادَّ أكثر تشدّداً.

يتجه أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي، حيث الغالبيّة لصالح اليمين، منذ بداية النقاش حول مشروع قانون الهجرة الجديد، نحو تقييد حقوق طالبي اللجوء والمهاجرين وفق الصيغة التي كانت تطالب بها أحزاب اليمين واليمين المتطرف.

وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن مؤسسة المدافع عن الحقوق (رسمية)، انتقدت بشدة مشروع القانون بأكمله، إذ إنّ التغييرات المخطط لها في نظام الهجرة تُجرى "على حساب حماية الحقوق الأساسية للأجانب".

وقالت الباحثة في شؤون أوروبا في المنظمة، إيفا كوسي، إنّ "السلطات الفرنسية تحاول مرة أخرى اقتراح مجموعة من الإجراءات المثيرة للجدل بشأن الهجرة، وهدفها تقسيم العائلات وإضعاف حقوق طالبي اللجوء، ليس هذا هو الحل للمشكلات الأمنية في البلاد".

إلغاء "حقّ الأرض"

ويبدو أنّ أطفال المهاجرين سيعانون أيضاً من قانون الهجرة الجديد، ووفقاً لمبدأ "حق الأرض" القانوني المتّبع حالياً، يحصل الشباب الذين وُلدوا على الأراضي الفرنسية من أبوين أجنبيين على الجنسية الفرنسية تلقائياً عند بلوغهم سن الرشد.

ويعتمد قانون "حق الأرض" على أنّ أبناء المهاجرين يقيمون في فرنسا، وينشؤون داخل المفهوم الجمهوري للجنسية القائم على "التنشئة الاجتماعية وليس على البيانات العرقية"، وفق ما أكده المؤرخ باتريك فيل في تقرير رُفع إلى الحكومة عام 1997، حول تشريعات الجنسية.

وبتصويت مجلس الشيوخ على إلغاء هذه الآلية التلقائية، يريد اليمين واليمين المتطرف إلزام الشباب المولودين في فرنسا من أبوين أجنبيين، بأن يتقدموا بأنفسهم -حين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً- بطلب الحصول على الجنسية الفرنسية.

واشترط مقترح اليمين أن لا يحصل طفل المهاجر على الجنسية "إذا كان محكوماً بعقوبة سجنيّة تعادل أو تزيد على ستة أشهر".

وأمام كل هذه التعقيدات الجديدة، يرى المحلل السياسي برنو كوتريس، أنّ "قانون الهجرة في مجمله وفي صيغته الجديدة بعد وصوله إلى مجلس الشيوخ، يسير نحو تصعيب الوضع على المهاجرين".

ويضيف كوتريس لـTRT عربي، أنّ مشروع القانون "أصبح يحمل روح اليمين ويمس بتشريعات الهجرة في فرنسا، ويشدد الخناق في مواد معينة على الحياة الخاصة للمهاجرين، في ظل عالم صعب مليء بالحروب والأوبئة ويعاني من تبعات التغير المناخي".

تحديد حصص الهجرة واللّجوء

وفي خطوة للتحكم أكثر في عدد الوافدين على فرنسا، اعتمد الأعضاء نصّ مادة تحدّد حصص الهجرة، أي أنّ "البرلمان يحدّد خلال السنوات الثلاث المقبلة، عدد المهاجرين المسموح لهم بالاستقرار الدائم في فرنسا، لكل فئة من فئات الإقامة، باستثناء اللجوء والهجرة العائلية، مع مراعاة المصلحة الوطنية"، وفق بياتريس جيبلان، المحللة الجيوسياسية المختصّة في اليمين المتطرف في أوروبا.

وفي حديثها مع TRT عربي، تُشبّه جيبلان هذه المادة بسياسة كندا في الهجرة، مؤكدةً أنّها السياسة التي ترغب الدول الأوروبية مثل ألمانيا في تنفيذها، إذ تتعلق هذه الحصص عموماً بالمرشّحين للهجرة الحاصلين على مؤهلات جامعية بالفعل ويتقنون اللغة.

لكن المحللة الجيوسياسية تستبعد في المقابل، أن تحل هذه الحصص قضية العمال غير النظاميين الذين لا يتلقون في الغالب أي تدريب ولا يتقنون اللّغة بشكل عام.

وكما كان متوقعاً أيضاً، وضع أعضاء مجلس الشيوخ المادة المتعلقة بنظام "لم شمل الأسر" في مرمى أهدافهم، وأقرّوا مواد عدّة تحدّد شروط إحضار الزوج أو الزوجة أو الأطفال إلى فرنسا، فمدّدوا شرط الإقامة المطلوب للأجنبي المقيم في فرنسا لتقديم طلب لم شمل الأسرة لأحد أقاربه من 18 إلى 24 شهراً.

وفيما يتعلق بالموارد المالية، فلا يجب أن تكون "مستقرة وكافية" فحسب، بل "منتظمة" أيضاً، كما طلب مجلس الشيوخ من مقدّم الطلب الحصول على تأمين صحي لنفسه ولعائلته، كما أنّ على أفراد عائلته الملتحقة أن يثبتوا أنهم قادرون على التواصل باللغة الفرنسية.

ووفق الحكومة فإنها تريد "إصلاحاً هيكلياً" للنظام القانوني الخاص باللجوء. وهو الإصلاح الذي يملك هدفاً مزدوجاً هو تسريع الإجراءات من جهة، والطّرد بسرعة أكبر لمن تُرفض ملفاتهم لطلب اللجوء من جهة أخرى.

ويهدف أحد الإجراءات إلى إصدار تنفيذ المغادرة بمجرد رفض طلب اللجوء في المقام الأول، من دون انتظار استئناف محتمل.

حذف "المادة 3"

بعد فوزها بقضيتها بالتصويت على إلغاء المساعدات الطبية الحكومية، واصلت الأغلبية اليمينيّة في مجلس الشيوخ، والمشكّلة من الحزب الجمهوري والوسط، إعادة كتابتها المتعمّقة لمشروع قانون الهجرة، وحذفت "المادة 3" الخاصة بنص تنظيم الوضع الإداريّ للمهاجرين غير النظاميين العاملين في "الوظائف التي تعاني من نقص"، وهو الجانب الأكثر رمزية في المشروع.

وتشير هذه المادة من مشروع القانون إلى أنّ الأجنبي الذي مارس نشاطاً مهنياً بأجر ضمن قائمة المهن والمناطق الجغرافية المتميّزة بصعوبات في التوظيف لمدة ثمانية أشهر على الأقلّ، خلال السنتين الأخيرتين، ومن يبرّر فترة إقامة متواصلة في فرنسا لما لا يقلّ عن ثلاث سنوات، سيحصل تلقائياً على إقامة مؤقتة لسنة تخوّل له "العمل في المهن المتوترة" لمدة سنة.

ويقصد بـ"المهن المتوتّرة" تلك التي لا تجد يداً عاملة كافية لاستمراريّتها، إذ تشهد قطاعات عدّة أزمة في العمالة ما يضعها في سياق هذا التصنيف، ويفرض على المؤسسات الحكومية التفكير في حلّ لها، بما في ذلك جلب يد عاملة أجنبية.

وكانت المادة ستسمح أيضاً للعامل بطلب تسوية وضعه الإداري بنفسه، خلافاً لمرسوم "تعميم فالس" لعام 2012، الذي يسمح بالفعل بمثل هذه التسوية بشرط أن يطلبها صاحب العمل.

أما التعديل الجذري للنص الذي وضعه مجلس الشيوخ، فهو يُعَد مُقيّداً لأنّه يترك السلطة التقديرية الوحيدة للمحافظ (موظف سام في الداخلية) و"بشكل استثنائي".

إلى ذلك، يطرح الجمهوريون صياغة تفيد بأنّ إمكانية التسوية في النهاية "إجراء خاضع لإشراف صارم"، ومصحوب بشروط متعددة، بما في ذلك الامتثال إلى "قيم الجمهورية".

وترى جيبلان أنّه "من الضروري الإبقاء على المادة 3 في المشروع، لأنّ هؤلاء الأجانب يقدمون خدمات للبلاد، وبالتالي فإنّ الاقتصاد الفرنسي يحتاج إليهم، خصوصاً في مجالات معينة".

وتبيّن المحللة الجيوسياسية أنّ "المحافظين ينظّمون بالفعل وضع ما بين 7 آلاف إلى 8 آلاف عامل غير نظامي كل عام، بناءً على طلب أصحاب العمل، لكن الإجراء مرهق، وبهذه المادة كان يمكن للعمّال أن يطلبوا بأنفسهم تسوية أوضاعهم لمدة سنة قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات، قبل الحصول على تصريح الإقامة لمدة عشر سنوات".

"أوهام" إلغاء المساعدات الطبية الحكومية

أقرّ الشيوخ إلغاء "المساعدات الطبيّة الحكومية"، التي كان يستفيد منها المهاجرون غير النظاميين، وتضمن لهم حقاً آلياً في العلاج، لفائدة نظام جديد أطلق عليه "المساعدات الطبية الطارئة"، وذلك من دون معارضة من الحكومة رسمياً.

لم ينص مشروع القانون الذي قدمته الحكومة في البداية على إصلاح هذه المساعدة التي توفر تغطية التكاليف الصحية للأجانب غير النظاميين الموجودين في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر على الأقل وذوي الدخل المنخفض للغاية.

لكن النص الذي عدّلته لجنة القانون في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين، يخطّط الآن إلى أن تقتصر المساعدة الطبية على "علاج الأمراض الخطيرة والألم الحاد"، و"التطعيمات التنظيمية" و"الرعاية المتعلقة بالحمل"، فقط.

ويحتجُّ اليمين واليمين المتطرف على هذه المساعدات منذ إنشائها عام 2000، لأنّه يعتبر هذا النظام مكلفاً للغاية، وتقدر قيمته بنحو 1.2 مليار يورو سنوياً لـ400 ألف مستفيد.

وفي هذا الصّدد قال برونو ريتيللو، رئيس مجموعة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، خلال إحدى جلسات المجلس: "لقد لاحظت أنّه لمدة 10 سنوات تضاعفت التكلفة، وهي أعلى بكثير من مليار دولار".

لكن نائب رئيس منظمة أطباء العالم، جون فرانسوا كورتي، يعتبر أنّ "التخلي عن نظام المساعدات الطبية الحكومية هو قرار صادم ومفزع وانحراف فيما يتعلق بالصحة العامة والأخلاق، خصوصاً في سياق عالمي معقّد، مع صعوبة متزايدة في الوصول إلى الرعاية لجميع المواطنين، أيّاً كانوا".

ويشدّد كورتي في حديثه مع TRT عربي، على أنّ "تصويت أعضاء مجلس الشيوخ بُني على الأوهام والأكاذيب ولا يستند إلى أُسس علمية؛ لأنّه لا يمكن أن تعالج الأمراض الخطيرة فقط، فبعض الأمراض تتدرّج في سلم الخطورة، وقد تكون بسيطة في بداية المرض لكن من دون علاج تصبح مميتة"، مؤكداً أنّ هذا سيؤثر على المستشفيات المكتظة بالحالات الخطيرة وعلى الاقتصاد أيضاً؛ لأن الحالات المرضية المتطورة يكون علاجها في غالب الأحيان مكلفاً.

وعلى عكس ما يُشاع حول النفقات العالية على هذا النظام الصحي، يبيّن كورتي أنّه "يمثل 0.4% من ميزانية التأمين الصحي فقط، و50% من المهاجرين غير النظاميين لا يطلبون المساعدات الطبية الحكومية، لأنّهم لم يسمعوا عنها، فيما 80% منهم يعانون من أمراض تتطلب علاجاً سريعاً".

يُذكر أنّ مشروع قانون الهجرة، سيعود إلى الجمعية الوطنية التي يعود إليها الحقّ في تعديل المشروع مجدّداً والتصويت النهائي لصالحه، لكنّ مراقبين يرون أنّ الجناح السياسي المقرب من الرئيس ماكرون يرغب بدوره في صيغة نهائية أكثر تشدّداً في ما يخص موضوع الهجرة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً