تابعنا
وأثارت تطورات الأحداث في النيجر وإعلان مالي وبوركينافاسو استعدادهما للتدخل عسكرياً، النقاشات حول قيام محور من دول معادية للغرب، كما أنّ هذا الإعلان زاد من غموض التكهنات حول قيام بعض الأطراف بمهاجمة النيجر عسكرياً "لاستعادة الحكم الديمقراطي فيها".

يُعد الانقلاب الذي شهدته النيجر في 26 يوليو/تموز الماضي أحدث حلقة في سلسلة من عمليات الاستيلاء على السلطة بالقوة شهدتها منطقة الساحل الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.

وأثارت تطورات الأحداث في النيجر وإعلان مالي وبوركينافاسو استعدادهما للتدخل عسكرياً، النقاشات حول قيام محور من دول معادية للغرب، كما أنّ هذا الإعلان زاد من غموض التكهنات حول قيام بعض الأطراف بمهاجمة النيجر عسكرياً "لاستعادة الحكم الديمقراطي فيها".

الاستثمار الأمني الغربي في النيجر

وأدّت السياسات المناهضة للوجود الفرنسي خصوصاً، والغربي عموماً، في مالي وبوركينافاسو، والوضع الأمني الهش بعد خلافة الرئيس محمد ديبي أباه في تشاد، إلى تزايد الأهمية الاستراتيجية للنيجر التي مثّلت شريكاً أمنياً موثوقاً للمنظومة الغربية في محاربة ما تسميها "الجماعات الإرهابية" في منطقة تشهد صراعاً جيوسياسياً محموماً على النفوذ مع روسيا.

وفي هذا السياق تحولت العاصمة نيامي إلى نقطة ارتكاز للاستراتيجية العسكرية الفرنسية بعد خروج الجنود الفرنسيين من مالي، حيث تحتضن النيجر 1500 جندي فرنسي يشاركون في عمليات "مكافحة الإرهاب"، كما تستضيف النيجر على أراضيها قاعدتَين عسكريتَين أمريكيتَين، إضافةً إلى أكثر من 1000 جندي أمريكي.

وأنفقت واشنطن خلال الـ11 عاماً الماضية 500 مليون دولار في أحد أكبر برامج المساعدة الأمنية في إفريقيا، في حين أقرّ الاتحاد الأوروبي هذا العام مهمة تدريب عسكري بقيمة 30 مليون دولار في النيجر.

وبالنظر إلى هذه الأهمية، فقد مثّل وقوع الانقلاب في النيجر مفاجأة أربكت حلفاءها الغربيين بقدر ما أعادت إحياء المخاوف في منطقة غرب إفريقيا من انتقال عدوى الانقلابات إليها، لذا أقرّت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إجراءات صارمة في التعاطي مع نيامي؛ منها فرض عقوبات على قادة الانقلاب، وتجميد المعاملات المالية مع النيجر، وإغلاق الحدود البرية والجوية معها.

ويبدو أنّ خيار التدخل العسكري وُضع ضمن مخرجات اجتماع "إيكواس" الطارئ الذي أقرّ منح المجلس العسكري في النيجر مهلة أسبوع واحد، حيث ستُتخذ بعد ذلك إجراءات إضافية "قد تشمل استخدام القوة".

هل التدخل العسكري ممكن؟

ويعكس إقرار "إيكواس" احتمال التدخل العسكري في النيجر "عمق الصدمة والخوف من الموجة الانقلابية الجديدة في غرب إفريقيا"، كما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس بالمغرب إسماعيل حمودي.

ويضيف حمودي لـTRT عربي، أنّ تلك تُعد المرة الأولى التي تقرّ فيها "إيكواس" التدخل العسكري ضدّ نظام انقلابي في غرب إفريقيا، علماً أنّ المنطقة شهدت من قبل انقلابات في مالي وبوركينافاسو.

ويعتقد المحلل السياسي المهتم بالشؤون الإفريقية عبيد أميجن، أنّ التدخل العسكري الذي يجري الحديث عنه يفتقر إلى العناصر الموضوعية، كما تنقصه جاهزية القوات المعلِنة لهذا الغرض.

ويضيف أميجن لـTRT عربي، أنّ التلويح بتوجيه ضربات إلى القصر الرئاسي في نيامي يُعدّ مجازفة كبيرة على مستويات مختلفة.

ويبيّن أنّ المستوى الأول مرتبط بأنّ هذه الضربات ستكون "بمنزلة إعلان حرب على دولة مستقلة وذات سيادة، وتديرها سلطة الأمر الواقع، ومتحالفة مع جارتيها مالي وبوركينافاسو"، وفي هذه الحالة -حسب أميجن- هذا التدخل "سيعد رصاصة الرحمة في جسم (إيكواس)، وربما سيسرّع تفككها".

أمّا المستوى الثاني، فيتعلق بأنّ أي قصف عسكري على القصر الرئاسي "يُعدّ مجازفة بحياة الرئيس المُطاح به والمحتجَز داخل القصر، وهذا الوضع يعزّز هامش المساومة والتحرّك لدى الانقلابيين"، كما يقول أميجن.

ويشير إلى أنّه في ظل افتقار "إيكواس" إلى وحدات على الأرض وتحييد القوات الفرنسية الموجودة في النيجر وإغلاق الأخيرة مجالها الجوي، لا يتبقى إلا توجيه ضربات مركّزة إلى القصر الرئاسي باستخدام الطائرات الحربية، "وهو ما يشكل مجازفة غير محمودة العواقب بعد إنذار نيامي القوات الفرنسية والأوروبية"، لكن من غير المتوقَع اللجوء إليها.

وفي تصريحات متلفزة، اتهم المجلس العسكري الحاكم في النيجر الحكومة التي أطاح بها بالسماح لفرنسا بتنفيذ ضربات لتحرير الرئيس المحتجز محمد بازوم، في حين أوفدت "إيكواس" الرئيس الانتقالي لتشاد محمد ديبي إلى نيامي، حيث التقى أطراف الأزمة هناك، وهي الوساطة التي لم تُسفر عن نتيجة ملموسة حتى الآن.

ما الخيارات البديلة إذن؟

مع الصعوبات التي تكتنف العمل العسكري ضدّ النيجر، يبدو أنّ التساؤل عن الخطوات المقبلة للتعاطي مع نيامي أكثر إلحاحاً.

واتخذ الاتحاد الأوروبي وفرنسا إجراءات لوقف المساعدات المقدَّمة للنيجر؛ سعياً وراء الضغط على السلطات بعد الانقلاب في البلاد، حيث كانت بروكسل قد خصّصت 503 ملايين يورو لتحسين الحوكمة والتعليم وبرامج النمو المستدام في النيجر بين 2021 و2024، كما قدّمت باريس العام الماضي مساعدات تنموية بلغت 130 مليون يورو.

من جانبها هدّدت الولايات المتحدة بقطع مساعداتها التي بلغت العام الماضي 136 مليون دولار بين مساعدات تنموية وإنسانية، كما يكتنف الخطر التعهدات التي التزم بها الشركاء الدوليون للنيجر والبالغة 23.5 مليار دولار، العام الماضي، والمُخصّصة لدعم خطة تنمية اقتصادية اجتماعية مدتها خمس سنوات.

ويؤكد الموفد الأمريكي السابق إلى منطقة الساحل والبحيرات الكبرى جي بيتر فام، الموقف الحرج الذي تواجهه واشنطن وشريكاتها الغربيات إزاء الانقلاب في النيجر، داعياً إلى "التصرف بواقعية" في مواجهة التحديات المستجدة، إذ إنّ ما حدث في نيامي لم يترك لواشنطن خياراً سوى الاعتماد على تشاد "كشريك أمني محتمل" في منطقة الساحل.

ويضيف، في مقال له، أنّ واشنطن إن كانت ستلتزم بـ"القيم الأمريكية" فلن يكون أمامها إلا اعتبار ما حدث في النيجر انقلاباً، وما يترتب على ذلك من قطع المساعدة الأجنبية للنظام والتدريب العسكري والمعدّات من وزارة الدفاع، لكن المعضلة في هذا الخيار -كما يراها فام- تكمن في "أنّ هذا النوع من العقوبات يخلق الانفتاح على خصوم الغرب الجيوسياسيين".

محور الانقلابات

وأثار إعلان مالي وبوركينافاسو مساندتهما النيجر في وجه أي تدخل عسكري، التحليلات حول ظهور محور انقلابي في منطقة الساحل، حيث يبدو الموقف المناوئ للقوى الغربية من أبرز مميزات السياسات التي اتّبعها.

وهذا ما يؤيده إسماعيل حمودي، موضحاً أنّ موقف مالي وبوركينافاسو الرافض للتدخل العسكري ضدّ النيجر يعني "وجود تنسيق وتضامن بين الأنظمة الانقلابية الجديدة في القارة".

ويضيف أستاذ العلوم السياسية أنّ الدول الإفريقية تريد علاقات تعاون لا استغلال فيها، "ولعل هذا الحزام الجديد يعكس تحولات في وعي النخب الإفريقية، التي تسعى إلى تجاوز مخلفات الاستعمار، كما يعكس وجود خيارات أخرى بديلة للغرب، وهو ما يُشجع الدول الإفريقية على التخلص من مخلفات الاستعمار الفرنسي".

من جانبه يعرب عبيد أميجن عن اعتقاده أنّه لا وجود "لحزام مؤسَّس له ومدرك أبعاد مناهضة الغرب في منطقة الساحل".

ويلفت المحلل السياسي إلى أنّ ما يراه "هي محاولات براغماتية للبحث عن حلفاء شرقيين أو غربيين يفيدون السلطات الانقلابية في مقاومة ضغوط المجتمع الدولي، ويسمحون للطغم العسكرية بتطويل فتراتها الانتقالية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وغالباً يجد هؤلاء المقايضة مع روسيا الفدرالية مُمكنة، بحيث تستفيد الأخيرة من المناجم والمعادن الخام مقابل توفير الحماية الأمنية والسياسية للانقلابيين، ومساعدة قوات النخبة من ناحية التدريب والحصول على العتاد".

ونتيجة غياب الأبعاد التنموية في هذه المعادلة، فإنّ المزاج الشعبي "لن ينتظر إلى ما لا نهاية نتائج لن تأتي" -حسب أميجن- الذي يعتقد أنّ خيارات الأوروبيين والأمريكيين في المقابل "محدودة، لكنّها ستتضمن إعادة النظر في سياساتهما تجاه هذه المنطقة، وكذلك في الجوانب المرتبطة بالحضور الأمني والدفاعي والسياسي".

TRT عربي