بينما لا يزال الشد والجذب قائماً بين باريس ونيامي، عقب الانقلاب العسكري الذي أسقط حكومة الرئيس محمد بازوم، ومطالبة السلطات العسكرية في النيجر بجلاء القوات الفرنسية عن أراضيها. وقع المجلس العسكري النيجري، يوم السبت، اتفاق دفاع مشترك مع كل من المجالس العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو.
وتلتقي هذه المجالس العسكرية الثلاثة في كونها نتيجة انقلابات أسقطت الرؤساء الموالين لفرنسا عن حكم تلك البلدان، كما في تعبيرها الصريح عن عدائها لمستعمرها القديم. وهو ما يؤكد هدف هذا التحالف بقطع الطريق بشكل نهائي أمام طموح عودة النفوذ الفرنسي إلى تلك البلدان.
اتفاق "ليبتاكو-غورما"
وفي يوم السبت، وقع كل من الكولونيل آسيمي غويتا رئيس المجلس العسكري المالي، والكولونيل إبراهيم تراوري رئيس المجلس العسكري البوركينابي، ونظيرهما حديث العهد بقيادة المجلس العسكري في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، اتفاقاً للدفاع المشترك أطلق عليه اسم "اتفاق ليبتاكو-غورما".
وفي تغريدة له على موقع إكس (تويتر سابقاً)، قال الكولونيل آسيمي غويتا: "لقد وقعت اليوم، مع رئيسي دولتي بوركينا فاسو والنيجر، على ميثاق ليبتاكو-غورما لإنشاء تحالف دول الساحل بهدف تشكيل هيكل للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة لمصلحة شعوبنا".
ووصف الكولونيل إبراهيم تراوري هذا الاتفاق، بأنه "خطوة حاسمة في مجال التعاون" بين بلدان الساحل الثلاثة. ومن جانبه احتفى الجنرال النيجري عبد الرحمن تياني بالاتفاق، قائلاً: "معاً، سنبني منطقة ساحل مسالمة ومزدهرة وموحدة".
ويعود الاسم الذي اختير للاتفاق إلى منطقة المثلث الحدودي للبلدين، التي تشهد منذ ما يقارب العقد نشاطاً كبيراً للجماعات المسلحة. وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب: إن "هذا التحالف سيكون مزيجاً من الجهود العسكرية والاقتصادية بين الدول الثلاث"، وإن "أولويتنا هي مكافحة الإرهاب في البلدان الثلاثة".
ويأتي الاتفاق في خمس صفحات، ويتكون من 17 بنداً، تلزم الموقعين بمساعدة بعضهم بعضاً، بما في ذلك عسكرياً، في حال وقوع هجوم على أي منهم. وينص على أن "أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدواناً على الأطراف الأخرى، وينشأ عنه واجب تقديم المساعدة (...) بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه".
هل يقضي على طموحات فرنسا؟
ويأتي هذا الاتفاق في وقت يتصاعد فيه الخلاف بين فرنسا والنيجر، الذي نشب عقب الانقلاب العسكري الذي أسقط حليف باريس محمد بازوم من على سلطة البلاد. وقطعت السلطات العسكرية النيجرية علاقاتها الدبلوماسية بفرنسا، كما تطالب بجلاء القوات الفرنسية المعسكرة في أراضيها.
وفي السياق ذاته، يتوج هذا الاتفاق ما سبق وأعلنه كل من قادة مالي وبوركينا فاسو عزمهم على الدفاع عن النيجر في حال تعرضها لأي تدخل عسكري من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وسبق أن هددت "إيكواس" بورقة التدخل العسكري من أجل إعادة بازوم إلى الحكم.
وما فتئت الحكومة الفرنسية تعرب عن دعمها لجهود "إيكواس" لدحر الانقلابيين في النيجر، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والتهديدات بالتدخل العسكري. وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، السبت 5 أغسطس/ آب الماضي، إن بلدها سيدعم "بحزم" جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من أجل إحباط الانقلاب العسكري في النيجر.
من ناحية أخرى، لطالما بررت فرنسا تدخلها عسكرياً في بلدان الساحل بحربها على الجماعات المسلحة، وعلى هذا الأساس شكلت تحالف G5 لدول الساحل عام 2014، الذي شارك مع القوات الفرنسية في عمليات بارخان وسابر. وبالحديث عن كون أولوية الاتفاق هي "مكافحة الإرهاب"، فإنه يقطع الطريق أيضاً أمام هذه الذرائع الفرنسية.
وهذا ما يؤكده الباحث والصحفي التشادي محمد طاهر زين، في حديثه لـTRT عربي، قائلاً: "ما أتى به الاتفاق هو تشكيل حلف موازٍ لتحالف دول الساحل الخمس G5 المحسوب على باريس، الذي تراجع تأثيره في السنتين الأخيرتين نتيجة التحولات التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إذ لم يعد يضم في الوقت الحالي سوى دولتي تشاد وموريتانيا".
ويضيف الباحث التشادي: "فرنسا لم يعد لها وجود أو تأثير في الدول الثلاث، وحتى وجودها العسكري في النيجر فهو محدود. ومع ذلك، فإن التحالف العسكري المذكور يهدف إلى تعزيز قدرات الدول الأعضاء الثلاث وتعاونها المشترك، ما يتيح لها القدرة على التصدي للتهديدات الأمنية المشتركة بشكل أكبر وتحقيق الاستقلالية الأمنية".
ومن ناحية أخرى، و"على اعتبار الحماس الذي أبداه القادة الجدد في الدول الثلاث للتعاون مع موسكو وبناء شراكة استراتيجية معها"، فإن هذا الاتفاق "يمكن أن يكون بمنزلة استراتيجية مكملة للتمدّد الروسي في الساحل، إذ يعمل الروس بشكل وثيق مع قادة الدول الثلاث في مجال الأمن الإقليمي"، وفق ما أشار إليه محمد طاهر زين.